فرنسا تلتزم بخارطة طريق تدعم سيادة المغرب وتعزز العلاقات الإستراتيجية

الرباط - جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التزام بلاده بقرار الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، فضلا عن التعاون مع السلطات المغربية في ملف الصحراء الذي يمثل أولوية للأمن الوطني المغربي.
واتفق الرئيس الفرنسي ورئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، على هامش تمثيل الأخير للعاهل المغربي الملك محمد السادس في احتفالات فرنسا بالذكرى الثمانين لإنزال بروفانس، على إعداد خارطة طريق طموحة تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية والزراعية والطاقة، بالإضافة إلى التعاون الثقافي والتعليمي.
وأعرب الطرفان، وفق بلاغ لقصر الإليزيه، عن اعتزازهما بعمق الشراكة الإستراتيجية والصداقة التي تجمع بين فرنسا والمغرب، فيما أشاد أخنوش بـ”القرار الذي اتخذته فرنسا، عقب الرسالة الموجهة من ماكرون إلى الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش، بشأن إدراج حاضر ومستقبل الصحراء في إطار السيادة المغربية”.
كما أكدا أن الشراكة الجديدة ستولي اهتماما خاصا للشباب المغربي وشباب القارة الأفريقية، باعتبار التعاون المغربي – الفرنسي أساسيا لمواجهة التحديات المشتركة في المجالات الصناعية والتكنولوجية، وكذلك تلك المتعلقة بالتغير المناخي.
وقال عزيز أخنوش إن “حضوري في هذا الحفل، ممثلا للملك، يكتسي دلالة بالغة بالنظر إلى أن العديد من الجنود المغاربة البواسل شاركوا إلى جانب نظرائهم الفرنسيين والأفارقة في تحرير فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية”.
ويأتي هذا الحفل تكريما لأرواح 350 ألف جندي نزلوا في الخامس عشر من أغسطس 1944 في بروفانس، معظمهم فرنسيون وجنود منحدرون من بلدان أفريقية، من بينهم العديد من المغاربة، حيث تميز تخليد هذه الذكرى بإلقاء كلمات تكريمية وتوشيح الرئيس ماكرون لثلاثة من قدامى المحاربين الذين قاتلوا إلى جانب الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، من بينهم المغربي العربي جاوا، الذي نال وسام جوقة الشرف بدرجة فارس.
ويعتبر هذا اللقاء عالي المستوى، خصوصا بعد الموقف الأخير لإيمانويل ماكرون بشأن ملف الصحراء المغربية.
وربط مراقبون توشيح مغربي ضمن المساهمين في تحرير فرنسا، مع المساهمة الفعالة للقوات الأمنية المغربية في تأمين دورة الألعاب الأولمبية “باريس 2024″، حيث ساهمت القوات الأمنية المغربية الخاصة بتأمين هذه الفعاليات، وهو مؤشر إضافي يبرهن على استمرارية الثقة المتزايدة في حنكة وتجربة عناصر الأمن المغربي.
واعتبر هشام معتضد، الخبير في الشؤون الدولية والإستراتيجية، أن “بعد خروج باريس من منطقتها الرمادية في تدبير سياستها الخارجية مع المغرب وتبني ممارسة سياسية واضحة المعالم، فتح الباب على مصالحة واسعة بين البلدين وتعزيز العلاقات وتجاوز النقاط الخلافية بين البلدين، ويعكس ذلك إشارة من باريس على كونها حريصة على تمتين علاقاتها مع المغرب في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية وغيرها”.
وأضاف لـ”العرب” أن “التقارب المغربي – الفرنسي ينعكس في توسيع التعاون في المجال الأمني بشكل خاص، ويعود إلى علاقات تاريخية بينهما، حيث دافع الجنود المغاربة على سيادة فرنسا ضد الرايخ الألماني، وهو ما يؤكد الموروث السياسي والإستراتيجي الذي جمع البلدين منذ فترة الحماية والسنوات التي تلتها من خلال العديد من الاتفاقيات والشراكات الثنائية”.
الطرفان أعربا عن اعتزازهما بعمق الشراكة الإستراتيجية والصداقة التي تجمع بين فرنسا والمغرب
ولفت معتضد إلى أن “فرنسا تسعى جاهدة للحصول على نصيبها من مستوردات السلاح المغربية كالعديد من الدول المصنعة والمصدرة للسلاح، كما تريد الرجوع بقوة إلى السوق المغربية، خاصة بعد التراجع الكبير في السنوات الماضية، في ظل اختيار الرباط لسياسة تنويع الشركاء، وهو ما يزيد الضغوط على باريس ويدفعها إلى التفكير في بناء إستراتيجية جديدة تتماشى والمعطيات والمتغيرات التي تشهدها الساحة المغربية على هذا المستوى”.
وسبق أن أوضح الرئيس الفرنسي رسميا للملك محمد السادس أنه “يعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان في إطار السيادة المغربية”، وفق ما أورده بلاغ للديوان الملكي، وفي الرسالة ذاتها، والتي تزامنت مع تخليد الذكرى الـ25 لعيد العرش.
وأكد على “ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة”، وأن بلاده “تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي”.
كما شدد ماكرون على أنه “بالنسبة لفرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية، وإن دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت”، مضيفا أن هذا المخطط “يشكل، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.
وإثر رسالة الرئيس ماكرون، دعا مسؤولون فرنسيون إلى ضرورة تطوير شراكات عميقة مع المغرب من أجل الاستجابة للتحديات المشتركة، على غرار الانتقال الاقتصادي وإزالة الكربون، والحركية والانتقال الرقمي.