فرنسا تفتح ملفات المتطرفين الإسلاميين أمام الباحثين

تعاني فرنسا على غرار العديد من الدول الأوروبية من تنامي التطرّف الإسلامي، ما يقوض السلم المجتمعي داخلها. ورغم وجود آليات رقابية ومقاربات أمنية في تعقب أنشطة المتشددين وهياكلهم، إلا أن الخطر الإرهابي ما زال مرتفعا حسب تقارير استخباراتية دورية.
باريس - فتحت السلطات الفرنسية للمرة الأولى أحد أشد ملفاتها حساسية وهو الخاص بالمتطرفين الإسلاميين، أمام بعض الباحثين أملا في فهم الظاهرة أو منعها، فيما ندّد تقرير صادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي بما وصفه بـ”تساهل” الحكومة مع الإسلاميين.
وأوضح رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب أن حكومته تريد “أن تفهم بشكل أفضل” ظاهرة التطرف الإسلامي “ليس للتبرير بل من أجل رصد أفضل للظاهرة ومنعها بشكل أفضل وببساطة من أجل حماية أفضل”.
وفي غضون بضعة أسابيع سيكون بإمكان الباحثين الذين تم اختيارهم، تمحيص نحو 11 ألف استمارة حول “ملف تقارير التطرف ذي الطابع الإرهابي”.
وقال متخصص في هذه القضايا طلب عدم كشف هويته مبديا اغتباطه، “الأمر يتعلق بقاعدة عمل ضخمة”، مشيرا إلى محدودية المصادر الحالية لفهم الينابيع المعقدة للتطرف، مضيفا “المصادر القضائية معقد الوصول إليها ولا تشمل إلا القضايا المنتهية”.
وتابع “أما المقابلات في السجن فهي تنتج عملا نوعيا جدا، وهو مفيد، لكن هناك القليل جدا من الأعمال النوعية الواسعة النطاق”، مشيرا إلى أن “فتح الملف سيتيح إنجاز ذلك”.
والملف حول التطرف الذي أنشئ في مارس 2015 بعد الاعتداء على أسبوعية شارلي إيبدو الساخرة في فرنسا، يمكن أن يشكل منجما للباحثين، فهو يحصي أكثر من عشرين ألف شخص “منخرطين في مسار تطرف” و”يمكن أن يتوجهوا إلى الخارج، إلى مسرح عمليات مجموعات إرهابية أو أن يرغبوا في المشاركة في أنشطة ذات طابع إرهابي”. ومن المدرجين في هذا الملف مثلا شريف شيكات الذي قتل خمسة أشخاص في ديسمبر 2018 في ستراسبورغ شرق فرنسا أو ميكائيل شيولو الذي طعن حارسي سجن في مارس 2019.
وكل شخص مدرج في الملف يتم توصيفه من خلال عناصر متعددة يجمعها العاملون في أجهزة الاستخبارات. فلن يكون بإمكان هؤلاء الباحثين الاطلاع على كافة المعطيات، كما ستكون الاستمارات دون أسماء. ولا تعرف نسبة المعطيات التي ستتاح للباحثين.
وطلب الكثير من النواب الوصول إلى هذا الملف. لكن تقريرا برلمانيا حديثا أكد أن بث معطيات الملف على نطاق واسع ينطوي على خطر “ضرب نجاعته كأداة استخبارات”.
وللحد من هذه المخاطر سمح فقط لباحثي المعهد الوطني الفرنسي لدراسات الأمن والقضاء التابع لسلطة رئيس الوزراء، بالاطلاع على الملف، وبشكل محدود.
ومن أهم الأشياء التي ترغب الحكومة في فهمها بشكل أفضل العلاقة بين الانحراف والتطرف رغم أن الرؤية القائمة على التسرب من عالم الانحراف إلى عالم التطرف باتت موضع تشكيك.
وأفاد تقرير لعالمي الاجتماع لوران بونيلي وفابيان كاريي سلم إلى وزارة العدل بـ“أن الأفعال الأكثر جدية اقترفها أشخاص لم يكن يتوقع أن يقترفوها، أي شبان يتحدرون من أسر مستقرة معظمهم مجهولون من الخدمات الاجتماعية وتلقوا تربية جيدة ومن أبوين عاملين”. وأشار تقرير آخر صاغه فريق البحث “قانون وعدالة” إلى أنه “خلافا لفكرة شائعة، ليس المرور بعالم الانحراف مرحلة لازمة” للتطرف.
وقد تتيح معطيات الملف دراسة أشمل لهذه الصلة المحتملة بين العالمين ما قد يزعزع أفكارا نمطية بقوالب جاهزة.
ولفت توماس ليندمان أستاذ العلوم السياسية بجامعة فرساي-سانت-كينتن-ان-ايفلين إلى أن “هناك على الأرجح بعض التشابه القليل في شخصيات من هم أقرب إلى دخول عالم التطرف، لكن لا يمكن الحديث عن نموذج محدد”. وقال ليندمان “عند التدقيق نجد أننا إزاء شبان أعمارهم بين 18 و31 عاما يتحدرون من الأحياء المهمشة قليلا مع توفر استعداد ذاتي معين ولا يملكون التزاما مهنيا أو عاطفيا على سبيل المثال”، بيد أنه أوضح أن كل ذلك ليس كافيا لتحديد أن شخصا ما يشكل تهديدا.
وندّد تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي في وقت سابق بتساهل السلطات مع المتطرفين الإسلاميين ما يغذي التهديد الداخلي، في وقت أعلن فيه الرئيس إيمانويل ماكرون أنه سيتم وضع إطار وقواعد جديدة تضمن ممارسة الإسلام وفق قوانين الجمهورية.
وشدد تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي حول “التهديد الإرهابي” في البلاد على الطابع “الداخلي” لهذه الظاهرة وأشار إلى “قلق شديد حول المستقبل” منددا خصوصا “بعدم تحرك” السلطات إزاء هذا الخطر.
وجاء في التقرير أن لجنة التحقيق حول “تنظيم ووسائل أجهزة الدولة لمواجهة تطور التهديد الإرهابي بعد سقوط تنظيم الدولة الإسلامية” تأخذ علما بتعزيز وتعديل إمكانات الدولة الفرنسية لكنها تعتبر أن “التعاطي مع التهديد الإرهابي يعاني من نقص كبير”.
وركز التقرير على “السلفية والتطرف الإسلامي اللذين يغذيان التهديد الداخلي” واللذين غالبا ما تحذر السلطات منهما وتجسدا خصوصا بثلاثة اعتداءات في مرسيليا، جنوب شرق، وتريب في الجنوب والعاصمة باريس.
وتابعت اللجنة أن “النقص في الشجاعة غالبا ما يؤدي إلى غض النظر عن حجم السلفية في فرنسا بينما لا يتم منع أشخاص يخضعون للمراقبة من الانتقال إلى التنفيذ”.
ودعا التقرير أيضا إلى تعبئة الترسانة القضائية أو حتى إدراج السلفية على قائمة التجاوزات الطائفية للبعثة الوزارية المكلفة بمكافحة مثل هذه التجاوزات.
وأعد التقرير لائحة بـ63 اقتراحا على صعيد الاستخبارات وتنظيم السجون والترسانة الجنائية والتعاون الدولي من أجل تحسين رد الحكومة الفرنسية على التهديد الإرهابي بعضها تبنته الحكومة الفرنسية قبلا.