فرنسا تعلن الانسحاب من مالي ومواصلة التزامها بمنطقة الساحل

باريس - أعلنت فرنسا وشركاؤها الأوروبيون الخميس رسميا انسحابها من مالي، مؤكدة أنها تبقى ملتزمة لدى دول منطقة الساحل وخليج غينيا تحت ضغط "العقبات" التي تضعها المجموعة العسكرية الحاكمة في باماكو.
وقالت باريس وشركاؤها في بيان مشترك "نظرا للعقبات المتعددة التي تضعها السلطات الانتقالية المالية، ترى كندا والدول الأوروبية التي تعمل مع عملية برخان (الفرنسية) وداخل مجموعة تاكوبا الخاصة، أن الشروط لم تعد متوافرة لمواصلة مشاركتها العسكرية بشكل فعال في مكافحة الإرهاب في مالي، وقررت بالتالي بدء انسحاب منسق من الأراضي المالية لوسائلها العسكرية المخصصة لهذه العمليات".
وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر صحافي مع الرئيس السنغالي ماكي سال في الإليزيه أن فرنسا وشركاءها الأوروبيين لا يشاطرون المجموعة العسكرية الحاكمة في مالي "استراتيجيتها ولا أهدافها الخفية"، مبررا بذلك هذا الانسحاب.
وقال ماكرون "لا يمكننا أن نظل ملتزمين عسكريا إلى جانب سلطات أمر واقع لا نشاطرها استراتيجيتها ولا أهدافها الخفية". وأضاف "هذا هو الوضع الذي نواجهه اليوم في مالي. لا يمكن ولا يجب أن تبرر مكافحة الإرهاب كل شيء، بحجة أنها أولوية مطلقة تحولت إلى محاولة للاحتفاظ بالسلطة إلى أجل غير مسمى".
وحول الانسحاب العسكري، أوضح ماكرون أن عسكريين أوروبيين يشاركون في مجموعة القوات الخاصة تاكوبا "سيعاد تموضعهم إلى جانب القوات المسلحة للنيجر في المنطقة الحدودية لمالي"، موضحا أن الانسحاب سيجري "بطريقة منظمة مع القوات المسلحة المالية وبعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما)".
وأوضحت هيئة الأركان الفرنسية أن نحو 2500 إلى ثلاثة آلاف جندي فرنسي سيبقون منتشرين في منطقة الساحل، بعد انسحابهم من مالي خلال حوالي ستة أشهر.
وقال المتحدث باسم هيئة الأركان العامة الكولونيل باسكال إياني في مؤتمر صحافي في باريس إن 4600 جندي فرنسي ينتشرون في منطقة الصحراء والساحل، بينهم 2400 في مالي، مضيفا "في نهاية الانسحاب سيبلغ عددهم 2500 إلى ثلاثة آلاف عنصر".
ولفرنسا وجود عسكري منذ 2013 في مالي، التي تعاني من جماعات جهادية تنتشر في دول أخرى في منطقة الساحل.
وتدخلت باريس لوقف تقدم هذه الجماعات الذي هدد باماكو، ثم نظمت عملية واسعة في المنطقة لمكافحة الجهاديين تحمل اسم "برخان"، ونشرت الآلاف من الجنود لمحاربة فرعي تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.
لكن على الرغم من الانتصارات التكتيكية، فإن الدولة المالية وقواتها المسلحة لم تتمكن من بسط سيطرتها على الأرض من جديد.
وازداد الوضع خطورة مع إطاحة الحكومة المالية في انقلابين في 2020 و2021، أديا إلى تولي السلطة من قبل مجموعة عسكرية ترفض تنظيم انتخابات قبل سنوات، وتستغل مشاعر العداء لفرنسا المتزايدة في المنطقة.
وأكد الرئيس الفرنسي أنه "يرفض بشكل كامل" فكرة فشل باريس في مالي. وقال "ماذا كان سيحدث في 2013 لو لم تتدخل فرنسا؟ كنا سنشهد بالتأكيد انهيارا للدولة المالية"، مؤكدا أن "جنودنا حققوا نجاحات عدة"، بما في ذلك القضاء على أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في يونيو 2020.
وتنشر فرنسا نحو 4 آلاف و300 جندي في منطقة الساحل، بينهم ألفان و400 في مالي، كما تشارك قوات "برخان" التي تقودها باريس في تشاد والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا، فيما ينتشر نحو 25 ألف عنصر في منطقة الساحل حاليا.
وقال ماكرون في مؤتمره الصحافي "سنغلق بالتالي تدريجيا في إجراء سيستغرق 4 إلى 6 أشهر، القواعد الموجودة في مالي. خلال هذا الوقت سنواصل مهام الحفاظ على الأمن" مع بعثة الأمم المتحدة في مالي 'مينوسما'، التي تعد أكثر من 13 ألف عنصر حفظ سلام.
وينتشر في مالي 15 ألف جندي تابعون لبعثة الأمم المتحدة "مينوسما"، وبات مستقبلهم مجهولا حاليا لاعتمادهم على دعم كبير من قوة برخان.
وفرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا عقوبات على السلطات المالية التي تدين الوجود العسكري الغربي على أراضيها، ولجأت حسب الأوروبيين، إلى استقدام المرتزقة الروس في مجموعة فاغنر.
واعتبر ماكرون أن مجموعة المرتزقة الروسية فاغنر المعروفة بقربها من الرئيس فلاديمير بوتين، موجودة في مالي خدمة "لمصالحها الاقتصادية" ولضمان أمن المجلس العسكري الحاكم في باماكو.
وكانت مالي في قلب الإجراءات الأوروبية والفرنسية لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل. وكان ماكرون قرر بدء خفض عديد القوات الفرنسية صيف 2021 لنشر قوات في المنطقة، لكن هذه المغادرة القسرية من البلاد ستجبر باريس على تسريع عملية إعادة التنظيم هذه في بلدان أخرى في المنطقة، مهددة بعدوى الجهاديين وخصوصا في خليج غينيا.
وقال ماكرون "إنها مسألة إعادة تركيز على طلبات شركائنا، حيث ينتظرون مساهمتنا على شكل دعم، وفي تحقيق المزيد من التكامل".
وأضاف "سنحدد في الأسابيع والأشهر المقبلة الدعم الذي سنقدمه لكل من دول المنطقة على أساس الاحتياجات التي تعبر عنها"، موضحا أن هذا الدعم يمكن أن "يشمل المساعدة في التدريب وتوريد المعدات وحتى دعم عملياتها ضد الإرهاب".
وتعليقا على انسحاب القوات الفرنسية والأوروبية من مالي، قال الرئيس السنغالي ماكي سال، الذي كان حاضرا في قصر الإليزيه والذي تترأس بلاده حاليا الاتحاد الأفريقي، إنه يتفهم قرار السلطات الأوروبية والفرنسية سحب قواتها من مالي.
ومنذ 2013، قتل 53 جنديا فرنسيا في منطقة الساحل، بينهم 48 في مالي.
وتصاعد التوتر في الأسابيع الأخيرة بين البلدين، حيث انتقدت الحكومة المالية فرنسا ووصفتها بـ"القوة الاستعمارية" وطالبتها بالتخلص من "سلوكها الاستعماري"، وطردت سفير باريس ردا على تصريحات لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، قال فيها إن السلطة العسكرية في مالي "خارجة عن السيطرة وغير شرعية".
وفي يونيو الماضي، قرر ماكرون إنهاء عملية "برخان" في منطقة الساحل، وتقليص عدد قوات بلاده من 5100 عسكري إلى ما بين 2500 و3 آلاف عنصر، بالإضافة إلى الانسحاب تماما من مدن تيساليت وكيدال وتومبوكتو.