فرنسا تطالب بحوار حازم مع الجزائر متقلبة المواقف

النظام الجزائري يبحث عن تهدئة التوترات لفك عزلته الخارجية.
الأربعاء 2025/04/02
حان وقت الوضوح

باريس / الجزائر – قابلت فرنسا رغبة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في حل الخلافات مباشرة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بموقف قوي، فهي لا تمانع في تسوية التوتر مع الجزائر، ولكنها تشترط أن يكون الحوار “حازما ودون هوادة”، أي لا يترك للجزائر فرصة التملص منه وافتعال أزمة جديدة تحت أي مظلة من قبيل تضخيم قضايا الذاكرة وجعلها حاجزا أمام بناء شراكة واضحة المعالم.

ويتزامن الموقف الفرنسي الحاسم تجاه أسلوب الجزائر في التصعيد ثم التهدئة مع رغبة الرئيس تبون في كسر حالة البرود سواء مع فرنسا أو مع دول إقليمية مثل الإمارات العربية المتحدة، ما يعكس إحساس الجزائر بضرورة فك العزلة التي طوقت بها نفسها بسبب تصريحات عدائية لا تضع في الحسبان المصالح المشتركة.

وأعلنت الرئاسة الجزائرية عن لقاء سيجمع الرئيس تبون برئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وعن لقاء آخر مع الرئيس الفرنسي، ما يوحي برغبة الجزائر في تجاوز التوترات التي شابت علاقاتها الخارجية.

مدى قدرة الجزائر على استثمار ما يتوفر من فرص تهدئة -لترميم علاقاتها الخارجية والقطع مع المزاجية- غير معروف

لكن مراقبين يتساءلون عن مدى قدرة الجزائر على استثمار ما يتوفر من فرص تهدئة وحوار، كالتي توفرها التهاني بمناسبة الأعياد الدينية والوطنية، لترميم علاقاتها الخارجية والقطع مع المواقف المزاجية التي تضر بمصالح الجزائر ووزنها الخارجي.

وما يزيد من الشكوك حول التزام الجزائر بما تقوله هو مواقفها السابقة، إذ أنها سرعان ما تتراجع عن تعهدها بالتهدئة وتطلق العنان للتصريحات والحملات الإعلامية لتهد ما تم الاتفاق بشأنه، وهو ما دفع وزير الخارجية الفرنسي جان – نويل بارو الثلاثاء إلى التأكيد على أن باريس تريد حل الخلاف مع الجزائر “بحزم ومن دون تهاون،” وهو ما يفهم منه أنها لن تقبل الالتفاف هذه المرة، مؤكدا أن “الحوار والحزم لا يتعارضان بأي حال من الأحوال.”

وقال بارو أمام الجمعية الوطنية الفرنسية إن “التوترات بين فرنسا والجزائر والتي لم نتسبب فيها، ليست في مصلحة أحد، لا فرنسا ولا الجزائر.”

وكشف بيان مشترك توج الاتصال الهاتفي الذي جرى بين تبون وماكرون، بمناسبة عيد الفطر، عن تسوية الرجلين لأكبر الملفات المثيرة للأزمة القائمة بين بلديهما، وعن لقاء قريب سيجمعهما، ولم يتضح ما إذا كان زيارة أحدهما للآخر أم أن الاجتماع سيكون في مكان آخر خارج بلديهما.

ويبدو أن الأزمة التي تراكمت بشكل متسارع بين الجزائر وفرنسا خلال الأشهر الأخيرة تشق طريقها نحو الاحتواء، بعد اتفاق الطرفين على ملفات التعاون الأمني والقضائي والتاريخي والإنساني والسياسي، وبرمجة زيارتين قريبتين لوزير الخارجية والعدل الفرنسيين جون نويل بارو، وجيرالد ديرمانان، إلى الجزائر.

ويُنتظر إطلاق سراح الكاتب الفرانكوجزائري بوعلام صنصال، المحكوم عليه في الجزائر بعقوبة خمس سنوات سجنا نافذا، بعفو رئاسي، ليتم تفكيك أحد الألغام التي سممت الأجواء بين البلدين.

وفي حال حصل هذا الأمر فسيؤكد تكهنات طفت على السطح خلال الأيام الأخيرة بقرب إطلاق سراح صنصال، وذلك نظير الحكم القضائي الذي وصف بـ”الرحيم” مقارنة بالتماسات النيابة العامة (عشر سنوات سجنا نافذا)، وبالتهم الثقيلة التي وجهت له، فضلا عن استمرار التفاؤل لدى النخب الرسمية في فرنسا رغم صدور الحكم، الأمر الذي عكس تسوية تبلورت بهدوء بين الطرفين.

وقال البيان المشترك عقب تهنئة العيد وفق ما أوردته وكالة الأنباء الجزائرية “جدد الرئيس ماكرون ثقته بحكمة وبصيرة الرئيس تبون ودعاه إلى القيام بلفتة صفح وإنسانية تجاه بوعلام صنصال، نظرا إلى سِن الكاتب وحالته الصحية.”

وذكر البيان أن “الرئيسين تحادثا بشكل مطول وصريح وودي حول وضع العلاقات الثنائية والتوترات التي تراكمت في الأشهر الأخيرة. وفي هذا الصدد جدّد رئيسا البلدين رغبتهما في استئناف الحوار المثمر الذي أرسياه من خلال إعلان الجزائر الصادر في أوت 2022، والذي أفضى إلى تسجيل بوادر هامة في مجال الذاكرة، لاسيما من خلال إنشاء اللجنة المشتركة للمؤرخين الفرنسيين والجزائريين، وإعادة رفات شهداء المقاومة والاعتراف بالمسؤولية عن مقتل الشهيدين علي بومنجل والعربي بن مهيدي.”

ويوحي البيان بأن الطرف الفرنسي يكون قد افتك عدة مطالب ظل يلوّح بها خلال الأشهر الماضية، خاصة ما تعلق منها بالهجرة وترحيل الأشخاص غير المرغوب فيهم، والتعاون الأمني والقضائي، فضلا عن تحييد قضايا الذاكرة عن المصالح المشتركة.

حح

ولفت إلى أن الرئيسين اتفقا على استئناف التعاون الأمني بين البلدين بشكل فوري، والاستئناف الفوري أيضا للتعاون في مجال الهجرة بشكل موثوق وسلس وفعّال، بما يُتيح معالجة جميع جوانب حركة الأشخاص بين البلدين وفقا لنهج قائم على تحقيق نتائج تستجيب لانشغالات كلا البلدين.

وأشاد الرئيسان بما أنجزته اللجنة المشتركة للمؤرخين التي أنشئت بمبادرة منهما، وأعربا عن عزمهما الراسخ على مواصلة هذا العمل المتعلق بالذاكرة وإتمامه بروح التهدئة والمصالحة وإعادة بناء العلاقة التي التزم بها رئيسا الدولتين.

وأمام هذه الإشادة يرجح أن يعود مشروع تجريم الاستعمار الفرنسي، الذي بادر به البرلمان الجزائري خلال الأسابيع الأخيرة، إلى الرف الذي جاء منه، في ظل الاتفاق على جدوى وقدرة اللجنة المشتركة على معالجة ملف التاريخ والذاكرة المشتركة، بدل الذهاب إلى خطوة أحادية تكون آثارها بارزة على الطرف الآخر.

 

اقرأ أيضا:

 

1