فرنسا تشترط سلطة مدنية في مالي لمواصلة محاربة الجهاديين

تثبيت عسكريين في قيادة المرحلة الانتقالية يثير مخاوف باريس.
الخميس 2020/09/24
انقلاب مالي انتكاسة لفرنسا في الساحل الأفريقي

شدّدت فرنسا ضغوطها على المجلس العسكري الحاكم في مالي منذ الإطاحة بالرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا بعد أن فشلت محاولاتها في إجهاض الانقلاب عليه وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. وفي خطوة تصعيدية لا يتوقع مراقبون أن تغيّر بشكل كبير المسار الانتقالي في مالي، قرنت باريس مواصلة محاربتها للجهاديين بتسليم السلطة إلى المدنيين.

باريس - قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنه يتعين على المجلس العسكري في مالي أن يعيد السلطة للمدنيين وأن يجري انتخابات سريعة، محذرا من أن الدور الفرنسي في محاربة المتشددين الإسلاميين في المنطقة سيتوقف على هذه الخطوة.

وتشعر فرنسا، الدولة التي كانت تستعمر مالي ولديها الآن نحو 5100 جندي يقاتلون جماعات جهادية في منطقة الساحل، بالقلق من أن يصبح الانقلاب العسكري الذي وقع يوم 18 أغسطس سابقة خطيرة ويقوّض الحملة ضد الجماعات الإسلامية المتشددة، رغم تطمينات المجلس العسكري.

وجرى ترشيح وزير دفاع مالي السابق والكولونيل المتقاعد باه نداو رئيسا مؤقتا الاثنين بينما جرى تعيين أسيمي غويتا، قائد المجلس العسكري الذي استولى على السلطة الشهر الماضي، نائبا للرئيس.

وأضاف ماكرون في كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن المجلس العسكري “يجب أن يضع مالي على طريق العودة إلى السلطة المدنية الذي لا يمكن التراجع عنه وأن ينظم انتخابات سريعة”.

وتابع “لا يمكن لفرنسا، مثل شركائها الأفارقة على وجه الخصوص، أن تبقى منخرطة إلا على أساس هذا الشرط”.

وبالرغم من مشاركة فرنسا العسكرية ودعم الولايات المتحدة وبعض القوى الأوروبية، كان الأمن يزداد سوءا منذ تدخل باريس في عام 2013 لمنع تقدم الجماعات الجهادية نحو العاصمة المالية، باماكو.

وعلى الرغم من تشتت الجماعات الجهادية وطرد جزء كبير منها من شمال مالي منذ 2013، ما زالت مناطق بأكملها خارجة عن سيطرة القوات المالية والفرنسية وتلك التابعة للأمم المتحدة.

وفي مارس 2012، مع إطلاق المتمرّدين الطوارق هجوما كبيرا على شمال مالي، تمرد عسكريون على ما اعتبروه تقاعسا للحكومة في التعامل مع الوضع، وأطاحوا بالرئيس توماني توريه.

إيمانويل ماكرون: على المجلس العسكري إعادة السلطة للمدنيين بسرعة
إيمانويل ماكرون: على المجلس العسكري إعادة السلطة للمدنيين بسرعة

لكنّ الانقلاب عجّل بسقوط شمال البلاد في أيدي الجماعات الإسلامية المسلحة، قبل أن يتم دحرها خصوصا بعد تدخل عسكري فرنسي في يناير 2013 لا يزال مستمرا.

وتوسعت هجمات الجماعات الجهادية إلى وسط البلاد عام 2015، ما أدى إلى خسائر مدنية وعسكرية جسيمة.

وهذه الهجمات المتداخلة مع نزاعات محليّة، امتدت أيضا إلى النيجر وبوركينا فاسو المجاورتين.

وندّدت المعارضة في الأشهر الماضية بعجز السلطات المالية عن السيطرة على مناطق مترامية من شمال البلاد ووسطها.

وعزا العسكريون خطوتهم إلى انعدام الأمن الذي يسود البلاد وافتقار الجيش إلى الإمكانيات.

وتستهدف الجماعات المتشددة، من حين لآخر، القوات الأمنية والعسكرية المتمركزة في المنطقة على الرغم من توقيع اتفاق للسلام في يونيو 2015، كان يفترض أن يسمح بعزل الجهاديين نهائيا.

وشركاء باريس الأوروبيون مؤيدون لضرورة مكافحة الجهاديين في تلك المنطقة، لكنهم قلقون من تعرض فرنسا لانتقادات دون تحقيق مكسب سياسي من هذا التدخل.

وكانت السلطات الفرنسية تشكك في الأحاديث الخاصة في قدرة الرئيس المالي المعزول إبراهيم أبوبكر كيتا في تحقيق تقدم على صعيد الأمن والحوكمة في بلاده، فيما يتوقع أن يؤدي الانقلاب والبلبلة السياسية التي قد تليه إلى تعقيد مهمة الدبلوماسيين والعسكريين الفرنسيين.

واعتبر خبير منطقة الساحل في مجموعة الأزمات الدولية جان إرفيه جيزيكيل “إنها اليوم عودة إلى حدّ ما إلى خانة الانطلاق”، مضيفا “ثماني سنوات من الجهود والاستثمار والحضور أفضت في النهاية إلى العودة بالوضع في مالي إلى وقت الانقلاب عام 2012، مع وضع مضطرب أيضا في باماكو وانتفاضات مسلحة أكثر عنفا وأعمال عنف متزايدة بين المجموعات”.

وقال جيزيكيل “على فرنسا ودول الساحل والشركاء الآخرين أن تراجع حقا الخيارات الاستراتيجية التي قامت بها في السنوات الماضية. لا يمكن ضمان أمن منطقة بشكل مستديم دون تغيير أنماط الحكم فيها”.

وحرصت المجموعة العسكرية التي استولت على السلطة في مالي على التأكيد على أن “السلام في مالي أولويتنا” وأن القوات الإقليمية والأجنبية المنتشرة في البلاد “تبقى شريكتنا”، في إشارة إلى بعثة الأمم المتحدة في مالي “مينوسما” وقوة برخان الفرنسية وقوة مجموعة دول الساحل الخمس وتجمّع القوات الخاصة الأوروبية “تاكوبا” المكلفة بمواكبة العسكريين الماليين.

وأحد ثوابت استراتيجية باريس يقضي بالتعاون الوثيق مع القوات المسلحة المحلية على أمل أن تصبح قادرة في المستقبل على التكفل بضمان الأمن في الساحل، لكن كيف يمكن مواصلة العمل مع انقلابيين؟

وعلق الكولونيل الفرنسي المتقاعد ميشال غويا بأن “الأمور ستكون أكثر تعقيدا بقليل على العسكريين الفرنسيين”، موضحا “من الممكن مواصلة العمليات ومن الممكن تنفيذها بشكل ذاتي، لكن التعاون مع القوات المالية قد يتوقف. وقد تحاول المجموعات المسلحة استغلال الوضع لتوسيع نطاق عملياتها”.

5