فرنسا ترسل جنرالا إلى المغرب في محاولة لطي صفحة الأزمة الصامتة

الرباط - أنهى مسؤول فرنسي رفيع المستوى، مساء الجمعة، زيارة غير معلنة إلى المغرب، بحث خلالها التعاون الأمني والعسكري، في خطوة رآها البعض محاولة جديدة من باريس لطي صفحة الأزمة الصامتة بين البلدين الحليفين، فيما ذهب آخرون إلى أن إرساله على عجل بعد نحو أسبوع من زيارة مماثلة لرئيس الأركان الأميركي يكشف تخوف فرنسا على نفوذها في شمال أفريقيا، حيث تعتبره امتدادا طبيعيا لها.
وأعلنت السفارة الفرنسية بالعاصمة المغربية الرباط، مساء الجمعة، أن مدير التعاون الأمني والدفاعي بوزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، الجنرال ريجي كولكومبي، أنهى الجمعة زيارة عمل إلى المغرب، دون أن تقدم المزيد من التفاصيل حول الزيارة ومدتها.
واكتفت السفارة الفرنسية بالإشارة، في تدوينة لها عبر حسابها الرسمي على فيسبوك" إلى أن الجنرال كولكومبي أجرى العديد من اللقاءات المثمرة مع الشركاء المغاربة في ما يخص التعاون الأمني والعسكري.
وتعتبر زيارة كولكومبي، التي لم يعلن عنها من قبل من أي طرف، هي ثاني زيارة لمسؤول فرنسي رفيع المستوى، بعد الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا إلى العاصمة المغربية الرباط في ديسمبر الماضي، وهي الزيارة التي كان عنوانها البارز السعي لتجاوز القضايا الخلافية التي عكرت صفو العلاقات بين البلدين خلال الأشهر الماضية.
وتأتي الزيارة في وقت تجتاز العلاقات بين البلدين مرحلة توتر صامتة، لكنها تأخذ أبعادا مختلفة، ورغم ذلك تؤكد الزيارة وعيا بضرورة المضي قدما في التعاون الأمني والعسكري، وخاصة أن فرنسا تعول على المغرب كفاعل أساسي في السلم والأمن الأفريقيين.
وتحاول باريس أن تستغل أي فرصة دبلوماسية مع المغرب، بينما يمر إنهاء الأزمة حتما عبر معالجة الملفات التي أدت إلى نشوبها، فازدواجية خطاب باريس، والمناورات لضرب مصالح المملكة، من بين مسببات الأزمة التي وجب الوقوف عليها بوضوح قبل أي خطوة قادمة.
وجاءت زيارة المسؤول الفرنسي عقب زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال مارك ميلي، إلى المغرب والتي يبدو أنها أقلقت قصر الإيليزي كثيرا.
وكان الجنرال الأميركي ميلي، قد أكد أن المغرب "شريك وحليف كبير للولايات المتحدة، وبلد مستقر للغاية في قارة ومنطقة تحتاج إلى الاستقرار".
وزيارة المسؤول الفرنسي، تأتي في وقت يسود الغموض مصير زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب خلال النصف الأول من مارس الحالي، لكن التطورات الدبلوماسية تشي بين البلدين بأن هذه الزيارة ربما لم تعد مدرجة على الأقل في الأسابيع المقبلة.
ويعتقد مراقبون أن في ضوء الوضع الراهن، من غير المنتظر رؤية ماكرون قريبا في الرباط.
وكان ماكرون اعترف خلال مؤتمر صحافي أعقب خطابه حول العلاقات بين فرنسا وأفريقيا، في 27 فبراير الماضي، بوجود مشاكل بين المغرب وفرنسا، لكنه استدرك بالقول إن علاقاته الشخصية مع العاهل المغربي الملك محمد السادس "ودية" وإنها "ستبقى كذلك".
وبدا لافتا حجم الأزمة التي تعيشها العلاقات بين البلدين، بعدما أفاد مسؤول في الحكومة المغربية، في حديث مع مجلة "جون أفريك" الفرنسية، بأن "العلاقات ليست ودية ولا جيدة، لا بين الحكومتين ولا بين القصر والإليزيه".
وتعيش العلاقات بين الرباط وباريس على وقع الأزمة الصامتة منذ سنتين بسبب قرار باريس تخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة، وموقف باريس من ملف الصحراء المغربية، ورهان الرئيس الفرنسي على الجزائر.
ولئن كانت زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، إلى الرباط، منتصف شهر ديسمبر الماضي، قد ساعدت على إعادة بعض الدفء إلى العلاقة بين البلدين بعد إعلانها رفع القيود المفروضة على تأشيرات المغاربة، فإن توصية جرى إقرارها بغالبية كبيرة نهاية يناير ويعتقد أن فرنسا تقف وراءها، انتقد البرلمان الأوروبي في سلسلة افتراءات ومغالطات، السلطات المغربية وزعم "عدم احترامها لحرية التعبير وحرية الإعلام". وطالب بوضع حد لما وصفها بـ"المضايقة التي يتعرض لها الصحافيون".
وكان المغرب قد رد على تلك الافتراءات خاصة أن معظمها يعتبر تدخلا في شؤون سيادية ومنها ما يتعلق بأحكام قضائية وهو ما يعتبر مساسا وتدخلا في القضاء المغربي واستقلاليته.
ورأت بعض الأصوات في المغرب أن فرنسا تقف وراء توصية البرلمان الأوروبي فيما كانت العلاقات متوترة أصلا بين باريس والرباط خصوصا في ما يتعلق بوضع الصحراء المغربية وكذلك شعور الفرنسيين بتراجع مكانتهم من خلال بروز شراكة مغربية أميركية واسعة وأكثر موثوقية إلى جانب تنامي دور المملكة في افريقيا بينما يتراجع الدور الفرنسي.
وكان ملف الصحراء المغربية كذلك وراء البرود في العلاقات بين البلدين حيث ابدت الحكومة المغربية انزعاجها من استقبال البرلمان الفرنسي لوفد من جبهة البوليساريو الانفصالية قبل أشهر.
وتسعى الدبلوماسية المغربية لإقناع عدد من دول الاتحاد الأوروبي بتبني مشروع الحكم الذاتي للصحراء ونجحت في ذلك مع عدد من الدول الأوروبية الفاعلة مثل إسبانيا وألمانيا والنمسا.
وتعتبر باريس الرباط شريكا مثاليا في المجالات الأمنية والاستخبارية والعسكرية، وتمثل فرنسا الشريك التجاري الثاني للمغرب بعد إسبانيا في عام 2020 بحسب وزارة الاقتصاد والمال المغربية. كما أن المغرب هو الوجهة الأولى للاستثمارات الفرنسية في أفريقيا، عبر أكثر من 950 فرعا لشركات فرنسية.