فرنسا ترد بالمثل وتطرد دبلوماسيين جزائريين لوضع حد للاستفزازات

باريس - أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو الأربعاء عن استدعائه القائم بالأعمال الجزائري في باريس للتنديد بالقرار "غير المبرر وغير المفهوم" الذي اتخذته الجزائر بطرد 15 دبلوماسيا فرنسيا وإبلاغه بأن باريس سترد بإجراء مماثل.
وشهدت العلاقات بين الجزائر وفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة في أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة، توترات متزايدة في الأشهر الأخيرة.
وقال الوزير لمحطة "بي إف إم تي في"، "ردنا فوري وحازم ومتناسب في هذه المرحلة (...) سيرحّل حاملو جوازات سفر دبلوماسية الذين لا يحملون تأشيرة حاليا، إلى الجزائر".
ولم يذكر الوزير عدد الأشخاص الذين سيشملهم قرار الطرد الفرنسي.
وفي السياق ذاته، أفاد مصدر دبلوماسي فرنسي بأن الأشخاص المعنيين هم موظفون في مهام إسناد موقتة، من دون تحديد عددهم أو متى ينفذ قرار طردهم.
ويأتي هذا التصعيد الجديد ليقوض فترة وجيزة من التحسن النسبي التي شهدتها العلاقات بين البلدين الشهر الماضي عقب زيارة بارو للجزائر، فبعد أسبوع واحد فقط من تلك الزيارة، عاد التوتر ليخيم على الأجواء مع تبادل طرد دبلوماسيين.
وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية الاثنين أن السلطات طلبت من القائم بالأعمال بالسفارة الفرنسية لدى الجزائر خلال استقباله بمقر وزارة الشؤون الخارجية "بترحيل فوري لجميع الموظفين الفرنسيين الذين تم تعيينهم في ظروف مخالفة للإجراءات المعمول بها".
وتعود جذور الأزمة الأخيرة إلى منتصف أبريل، عندما اعتبرت السلطات الجزائرية 12 موظفا فرنسيا من وزارة الداخلية "أشخاصا غير مرغوب فيهم" واضطروا لمغادرة الجزائر خلال 48 ساعة، وبررت الجزائر قرارها آنذاك بأنه رد على توقيف فرنسا، ومن ثم حبس موظف قنصلي جزائري.
وردت فرنسا حينها باتخاذها قرار طرد 12 موظفا قنصليا جزائريا واستدعاء السفير الفرنسي في الجزائر ستيفان روماتي للتشاور.
وفي سياق تصاعد لافت للتوترات المتراكمة، دخلت العلاقات الفرنسية الجزائرية منعطفا حادا، فمنذ أن أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعمه العلني للمغرب في ملف الصحراء المغربية، وهو ما أثار حفيظة الجزائر واعتبرته تدخلا سافرا في صميم أولوياتها الخارجية، تدهورت الأمور بوتيرة متسارعة.
وقد تفاقمت بعد توقيف الجزائر الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في نوفمبر الماضي بتهمة تتعلق بالأمن القومي.
ويمثل تبادل قرارات الطرد الدبلوماسي، والذي بلغ ذروته باستدعاء القائم بالأعمال الجزائري والتلويح برد فرنسي مماثل، تجاوزا للغة الدبلوماسية المعتادة وانزلاقا نحو منطق "العين بالعين".
ويشير هذا التصعيد إلى نفاد صبر باريس إزاء ما تعتبره "تجاوزات" متكررة من الجانب الجزائري، وإلى تصميمها على فرض منطق الندية في العلاقة.
ويحمل هذا التصعيد الدبلوماسي، على المدى الأبعد، تداعيات أوسع تتجاوز العلاقات الثنائية، فبالنسبة للجزائر، قد يؤدي استمرار هذا النهج التصادمي إلى تعميق عزلتها الإقليمية، خاصة في ظل التوترات القائمة مع المغرب وإسبانيا، وتعقيد علاقاتها مع دول الساحل الأفريقي التي تشهد تحولات جيوسياسية متسارعة.
كما يقلل خسارة شريك أوروبي رئيسي مثل فرنسا من نفوذ الجزائر في المحافل الدولية ويضعف قدرتها على لعب دور محوري في القضايا الإقليمية.
في المقابل، تسعى فرنسا بوضوح إلى إعادة تعريف علاقاتها مع دول المنطقة، ويبدو أنها مستعدة لتحمل تبعات فتور العلاقات مع الجزائر في سبيل تعزيز تحالفاتها مع دول أخرى ترى فيها باريس شركاء أكثر استقرارا وتوافقا مع مصالحها الاستراتيجية.
ومع ذلك، فإن تدهور العلاقات مع قوة إقليمية وازنة كالجزائر قد يخلق تحديات جديدة لفرنسا في منطقة شمال أفريقيا والساحل، خاصة في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية المشتركة.
ويضع وصول العلاقات الفرنسية الجزائرية إلى هذه الدرجة من التوتر الطرفين على مفترق طرق حرج، فبينما يبدو أن فرنسا مصممة على اتباع سياسة أكثر حزما، تواجه الجزائر تحديا داخليا وإقليميا متزايدا يستدعي إعادة تقييم شامل لنهجها الدبلوماسي.
وينذر استمرار منطق التصعيد المتبادل بمزيد من الانغلاق وتجميد قنوات التواصل، وهو ما لا يخدم مصالح أي من البلدين على المدى الطويل.
ويبقى الأمل معلقا على ظهور مبادرات جادة من كلا الطرفين لإعادة بناء الثقة على أسس جديدة، تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وتتجاوز رواسب الماضي وحسابات اللحظة الراهنة. ففي عالم يموج بالتحولات الجيوسياسية، يصبح الحفاظ على علاقات مستقرة وبناءة بين قوى إقليمية ودولية مثل فرنسا والجزائر ضرورة استراتيجية لكلا البلدين وللمنطقة بأسرها.