فرنسا تخسر موطئ قدم محوري في منطقة الساحل الافريقي

باريس - شكل اعلان المجلس العسكري الذي تشكل لقيادة البلاد عقب الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد بازوم، إلغاء الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا ضربة جديدة للنفوذ الفرنسي في منطقة الساحل بعد خطوة مماثلة لتلك التي اتخذها المجلس العسكري في مالي ونظيره في بوركينافاسو، لتخسر باريس موطئا آخر في منطقة تعتبر حيوية لمصالحها ونفوذها.
وكان القرار متوقعا على وقع موجة عداء العسكر للوجود الفرنسي وتنامي الشعور لدى الجيش ولدى معظم شعوب المنطقة أن المستعمر السابق وعلى مدى عقود استغل ثروات النيجر والمستعمرات الإفريقية السابقة ولم يتعامل بمنطق المصالح المتبادلة ولم ينفذ مشاريع تنموية تخدم مصالح تلك الدول.
وتصر فرنسا على أن قرار إلغاء الاتفاقيات العسكرية من صلاحيات النظام الشرعي أي نظام الرئيس المعزول محمد بازوم، لكن المجلس العسكري الحاكم الذي يواجه ضغوطا غربية وتهديدات من المجوعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا بالتدخل العسكري، تجاهل الموقف الفرنسي والإقليمي، معلنا مضيه في سياساته.
وتمثل النيجر المحور الأخير لمحاربة الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل بالنسبة لفرنسا التي تنشر فيها 1500 جندي بعد اضطرارها للخروج من مالي في صيف عام 2022، لكن الانقلابيين أعلنوا مساء الخميس في نيامي التخلي عن اتفاقات عسكرية عدة معها.
وبعض هذه الاتفاقيات تنص بشكل خاص على شروط تمركز الكتيبة الفرنسية و"مكانة" الجنود المتواجدين في إطار مكافحة الجماعات الجهادية، وفق بيان صحفي تُلي على التلفزيون الوطني في النيجر.
وقال الكولونيل أمادو عبدالرحمن عضو المجلس العسكري الخميس "أمام موقف فرنسا اللامبالي" وردّ فعلها تجاه الوضع في النيجر "قرّر المجلس الوطني لحماية البلاد إبطال اتفاقيّات التعاون مع هذه الدولة في مجال الأمن والدفاع".
وردا على ذلك، قالت وزارة الخارجية الفرنسية الجمعة "تذكر فرنسا بأن الإطار القانوني لتعاونها مع النيجر في مجال الدفاع يستند إلى اتفاقات أبرمت مع سلطات النيجر الشرعية الوحيدة التي تعترف بها فرنسا شأنها في ذلك شأن كامل الأسرة الدولية".
والثلاثاء، قالت هيئة الأركان الفرنسية إن الانسحاب من النيجر "ليس على جدول الأعمال على الإطلاق".
وتحت ضغط المجلس العسكري المالي الذي استعان، على الرغم من نفيه ذلك، بمرتزقة فاغنر الروس، خرجت فرنسا من مالي حيث طاردت الجماعات المسلحة طيلة تسع سنوات ونقلت الجزء الأكبر من قواتها إلى النيجر المجاورة.
وبالمثل، اضطُرت القوات الخاصة الفرنسية المتمركزة في بوركينافاسو إلى الانسحاب منها العام الماضي نزولًا عند طلب العسكريين الذين نفذوا انقلاب سبتمبر 2022 .
ورافق إعادة التنظيم هذه التي كانت إيذانا بنهاية عملية برخان، انخفاض حاد في عدد العسكريين الفرنسيين في منطقة الساحل من نحو 4500 إلى 2500، بمن فيهم 1500 في النيجر و1000 في تشاد.
وبينما شكلت النيجر في السابق قاعدة عبور لتنفيذ عمليات في مالي، صارت تستضيف القسم الرئيسي من القوات الفرنسية في الساحل في قاعدة جوية في نيامي حيث يتم نشر خمس طائرات بدون طيار من طراز ريبر بشكل دائم وثلاث على الأقل من طائرات ميراج العسكرية.
وعزز الفرنسيون تواجدهم في القاعدة وأرسلوا مئات الرجال إلى جنوب غرب النيجر لا سيما إلى أولام وأيورو بالقرب من الحدود مع مالي حيث ينفذون عمليات مناهضة للجهاديين إلى جانب جيش النيجر، تحت قيادة قوات النيجر.
ولتقليل الانتقادات الموجهة للوجود العسكري للقوة الاستعمارية السابقة في إفريقيا، أمر الرئيس إيمانويل ماكرون بالالتزام بصرامة بالمطالب المحددة للنيجر.
وحصلت الجيوش الفرنسية على تفويض لتقديم الدعم للقوات النيجرية في القتال ومساعدتها على بناء جيشها بعد تصاعد تهديد تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء على الحدود مع مالي.
وقال قائد القوات الفرنسية في منطقة الساحل الجنرال برونو باراتز في مايو إن "الرؤية التي يستند إليها الموقف الفرنسي في النيجر وفي كل مكان في إفريقيا تختلف عما كانت عليه الحال في مالي. اليوم تنطلق مساعدتنا في المقام الأول من حاجة الشريك".
ومن ثمة فإن النيجر هي الدولة الإفريقية الوحيدة التي تحتفظ فيها فرنسا بما يسمى بالشراكة القتالية ضد الجهاديين. أما تشاد فتستضيف الأركان العامة للعمليات الفرنسية في منطقة الساحل، بالإضافة إلى القوات المنتشرة في إطار شراكة عسكرية مع نجامينا.
وتنتشر في القواعد الفرنسية الأخرى في القارة قوات تسمى قوات دائمة متمركزة تشارك في حماية المواطنين وهي على استعداد للتدخل لتعزيز العمليات والتعاون مع الجيوش الوطنية في تنفيذ مناورات وأنشطة تدريب وما إلى ذلك. وتنشر فرنسا قوات دائمة في جيبوتي (1500 فرد) وساحل العاج (900) والسنغال (400) والغابون (350).
وفي مقابل تراجع النفوذ الفرنسي يتنامى النفوذ الروسي بقوة، حيث ملأت مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية، الفراغات الأمنية التي خلفها انسحاب القوات الفرنسية في مالي وبوركينافاسو (بحسب تقارير غربية) ومن المتوقع أن تقوم بدور مماثل بينما يطرق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقوة أبواب القارة الافريقية من بوابات التعاون الاقتصادي والعسكري والمساعدات المالية.
واستثمرت روسيا موجة العداء لفرنسا في مستعمراتها الافريقية السابقة لتؤسس وجودا قويا ومتينا مركزة على مبدأ المصالح المتبادلة ومشاريع التنمية وهي الحلقة المفقودة أو الغائبة في سياسات الحكومات الفرنسية المتعاقبة.