فرنسا المحبطة تتجه إلى إعادة النظر في الدعم المالي للبنان

بيروت - تتجه فرنسا إلى إعادة النظر في المساعدات المالية المقدمة إلى لبنان، في خطوة تستهدف الضغط على الفرقاء اللبنانيين بشأن التوصل إلى اتفاق ينهي الشغور الرئاسي المستمر منذ أشهر.
وكانت باريس استبقت الجلسة البرلمانية الثانية عشرة لانتخاب رئيس للجمهورية، مشيرة إلى أنها ستعيد النظر في سياساتها تجاه لبنان على ضوء ما ستسفر عنه تلك الجلسة، التي انتهت بالفشل كما هو متوقع بعد انسحاب نواب الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل، لقطع الطريق على مرشح الكتل المسيحية جهاد أزعور.
وأوصى ديوان المحاسبة الفرنسي الحكومة بتقييم مدى فاعلية مساعداتها المالية وأثرها على الوضع السياسي والاجتماعي في لبنان.
وقال ديوان المحاسبة في تقرير نشره الاثنين، إنّه خلص بنتيجة عملية التدقيق التي أجراها للمساعدات التي قدّمتها باريس لبيروت إلى أنّه يتعيّن على الحكومة توخّي الحذر الشديد في مساعداتها وقروضها لهذا البلد.
ديوان المحاسبة الفرنسي يوصي الحكومة بتقييم مدى فاعلية مساعداتها المالية وأثرها على الوضع السياسي والاجتماعي في لبنان
ويرى مراقبون أن مراجعة الدعم المالي كانت خطوة منتظرة، حيث أن فرنسا بدأت في الفترة الأخيرة إعادة النظر في سياستها بشكل عام في لبنان، بعد أن أدركت عقمها، وعمدت كخطوة أولى إلى سحب الملف من مستشاري الرئيس إيمانويل ماكرون وتكليف وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان بتولي إدارة الملف.
ويشير المراقبون إلى أن فرنسا حاولت خلال الفترة الماضية التعامل بمرونة على أمل جمع الفرقاء على صيغة لتسوية ملف الرئاسة لكن محاولاتها لم تحقق أي نتيجة وهو ما أصابها بإحباط، وهي اليوم ترى أنها مجبرة على مراجعة تصوراتها للأزمة، بما يشمل الدعم المالي.
وكان الرئيس الفرنسي ماكرون أعلن في أعقاب الانفجار المروّع الذي وقع في مرفأ بيروت في 5 أغسطس 2020 ودمّر أحياء بأكملها من العاصمة اللبنانية عن سلسلة مساعدات لإغاثة البلد المنكوب.
ودقّق ديوان المحاسبة الفرنسي في المساعدات التي قدّمتها الدولة الفرنسية للبنان خلال الفترة الممتدّة بين 2020 و2022 من أجل التخفيف من تداعيات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يتخبّط بها هذا البلد.
وأوضح الديوان في تقريره أنّه “بعدما طال أمد الأزمة اللبنانية، من المهمّ الآن نشر آليات دائمة لتوحيد الإحصائيات، من أجل الحصول على الأدوات اللازمة لقياس مدى اتّساق وفعالية وتأثير المساعدات العامّة الفرنسية وتوجيه التدفّقات المالية بشكل أفضل نحو احتياجات اللبنانيين”.
مراجعة الدعم المالي كانت خطوة منتظرة، حيث أن فرنسا بدأت في الفترة الأخيرة إعادة النظر في سياستها بشكل عام في لبنان
ونوّه ديوان المحاسبة في تقريره إلى أنّ “الدولة تحرّكت بقوة منذ 2020 لمساعدة اللبنانيين في مواجهة الأزمة” التي تعصف بهم.
وأضاف أنّه بناء على ذلك، فإنّ الاعتمادات الحكومية السنوية المخصّصة للبنان زادت ثلاثة أضعاف تقريباً (270 في المئة) اعتباراً من 2020 وتمّ إنفاق 214 مليون يورو بين
عامي 2020 و2022 على موارد عامّة، 45 في المئة منها خصصت للتعليم والتدريب و25 في المئة للصحّة و10 في المئة للتغذية والزراعة و10 في المئة لإعادة الإعمار والاقتصاد و10 في المئة للمجتمع المدني.
وفي تقريره لفت ديوان المحاسبة إلى أنّه “في مسألة حسّاسة ومعقّدة مثل المساعدات للبنان، من المنطقي أن يهيمن النهج السياسي. مع ذلك، لا بدّ من تعزيز مراقبة الالتزامات والمدفوعات على المستوى المركزي”. وأضاف أنّ هذا الأمر سيتيح إجراء عملية تقييم أكثر دقّة “لطبيعة القروض الممنوحة ونطاقها، والتحقّق من مدى اتّساقها (…) وتقييم تأثيرها وتوفير أدوات فعّالة لتوجيهها”.
ولبنان الذي يعاني من فراغ في سدّة رئاسة الجمهورية منذ نهاية أكتوبر يشهد منذ 2019 انهياراً اقتصادياً صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850. ويعيش أكثر من 80 في المئة من سكّان لبنان الآن تحت خط الفقر، وفقاً للأمم المتّحدة.