فرنسا أمام اختبار التصنيف العادل لخطاب الكراهية بعد تصريح ساركوزي ضد الجزائر

الجزائريون يترقبون تعاطي وزير الداخلية الفرنسي مع خطاب لويس ساركوزي.
الأربعاء 2025/02/19
الأنظار تتجه إلى برونو روتايو بشأن التعامل مع خطاب الكراهية

صعّد خطاب ابن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي من حدة التشنج بين باريس والجزائر، ووضع معايير فرنسا بشأن خطاب الكراهية والتحريض على العنف أمام الاختبار لاسيما بعد الموقف المتشدد لوزير الداخلية مع الناشطين الجزائريين.

الجزائر - وضع لويس ساركوزي، ابن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، حكومة بلاده أمام اختبار بشأن التصنيف العادل لخطاب الكراهية، بعد التعبير عن استعداده لحرق السفارة الجزائرية لو كان رئيسا لبلاده، في تصريح يستوجب المساءلة القانونية كما حدث مع ناشطين جزائريين مهاجرين في وقت سابق حرضوا على أعمال عنف ضد معارضين للنظام، وواجهوا حملات توقيف وترحيل قسري.

وقدمت الجمعية الجزائرية المهاجرة “الاتحاد الجزائري” شكوى للقضاء الفرنسي ضد ساركوزي الابن، في أعقاب تصريح أدلى به لصحيفة “لوموند” الفرنسية، ذكر فيه أنه “سيحرق السفارة الجزائرية في بلاده، وسيلغي التأشيرات للجزائريين”، والذي اعتبر تصريحا صادما وخطيرا ينم عن خطاب متطرف ضد الجزائر، في وقت يسود فيه التوتر بين البلدين.

ويرى محللون أن السلطة الفرنسية ستكون أمام موقف محرج في التعاطي مع ما تصفه بخطاب الكراهية الذي رفعته في حملاتها الأمنية والقضائية المفتوحة ضد ناشطين جزائريين على أراضيها، بينما ابن الرئيس الفرنسي السابق أعاد نفس الخطاب ويعد أحد أقطاب التطرف في فرنسا تجاه المهاجرين، خاصة الجزائريين منهم.

وذكر المحامي الجزائري نبيل بودية، الذي قدم الشكوى باسم جمعية الاتحاد الجزائري، أن تصريحات لويس ساركوزي ستكلفه "عقوبة خمس سنوات سجنا وغرامة مالية تقدر بأكثر من 40 ألف يورو." ويأتي هذا الموقف في سياق جو من التوتر السياسي والدبلوماسي بين البلدين بدأ منذ عدة أشهر، ولم تتمكن الأصوات المعتدلة في البلدين من احتوائه في ظل التصعيد والشحن المتفاقم بين مختلف الدوائر، والتي كان آخرها دخول ابن الرئيس لويس ساركوزي على خط الأزمة غير المسبوقة.

◙ السلطة الفرنسية ستكون أمام موقف محرج في التعاطي مع ما تصفه بخطاب الكراهية الذي رفعته في حملاتها ضد ناشطين جزائريين على أراضيها

وصرّح رئيس مرصد مكافحة الإسلاموفوبيا في المجلس الفرنسي عبدالله زكري بأن “تصريحات ابن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي تعكس الانحطاط الذي وصلت إليه بعض الطبقات السياسية الفرنسية، وأن تهديده بحرق سفارة الجزائر في باريس يعكس حالة تدهور وانحدار سياسي لدى دوائر معينة في فرنسا."

وأضاف "هذه الخطابات تهدف إلى تشويه صورة الجزائر وصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية التي تعيشها فرنسا، وأن تصريحات ابن رئيس معروف، هي جزء من محاولات مستمرة لصرف الانتباه عن الأزمات الداخلية في فرنسا، لاسيما وأن هذه الأزمات تشمل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تمر بها فرنسا."

ولفت إلى أن الحكومة الفرنسية، منذ وصول إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه، لم تتمكن من معالجة هذه القضايا بفاعلية، مما جعلها تمثل تحديات كبيرة أمام المواطنين، فهناك دوائر "نوستالجية" في فرنسا ترفض الاعتراف باستقلال الجزائر، وهي دوائر متطرفة لا تزال تمارس تأثيرا على الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية في البلاد.

وأكد المتحدث أن هذه الدوائر التي تضم سياسيين وإعلاميين وناشطين، تروج لأفكار بعيدة عن الواقع، مما يجعلها في حالة انفصال عن الحقائق على الأرض، وأن الحملة العدائية ضد الجزائر تخفي وراءها أهدافا غير معلنة، ولو أنها لا تمثل إلا مجرد زوبعة في فنجان، وما قام به لويس ساركوزي فعل يعاقب عليه القانون ويجب أن تتحقق العدالة بشأنه.

وفيما لم يصدر أي تعليق في فرنسا بشأن التصريح المذكور، وجه ناشطون جزائريون أصابعهم إلى وزير الداخلية برونو روتايو، على خلفية ما يصفونه بـ"حرصه الشديد على متابعة شأن المؤثرين الجزائريين في فرنسا، وترحيل كل من تخول له نفسه الترويج لخطاب الكراهية"، وتساءلوا عن كيفية تعامله مع خطاب لويس ساركوزي، هل يواصل نفس الحرص والاهتمام، أم يغض الطرف عن فعل ابن رئيس فرنسي سابق؟

◙ الأصوات المعتدلة في الجزائر وفرنسا لم تتمكن من احتواء الأزمة في ظل التصعيد والشحن المتفاقم بين الدوائر

وأثار برونو روتايو جدلا في البلدين بسبب تمسكه بترحيل ناشطين جزائريين قسرا إلى بلدهم الأم، بدعوى خطاب الكراهية والعنف والإرهاب، رغم رفض القضاء المحلي ترحيل بوعلام نعمان، حتى مثوله أمامه وتمكينه من فرصة الدفاع عن نفسه. وكان وزير الداخلية الفرنسي المنحدر من تيار اليمين المتطرف أمر بتشديد الرقابة على المحتويات الإلكترونية، وتشديد العقوبات ضد كل من ينتهج خطاب الكراهية.

وينوي لويس ساركوزي (28 عاما) العائد من الولايات المتحدة الأميركية بعد رحلة دراسة، دخول المعترك السياسي الذي رسمه والده المحكوم عليه بارتداء السوار الإلكتروني، والمتابع في قضايا أخرى، وقد يكون مساره قد باشره بموقف معاد للجزائر، التي هددها بحرق سفارتها وتوقيف التأشيرات لمواطنيها، ورفع الضريبة الجمركية إلى 150 في المئة.

ويأتي هذا الجدل بينما تمر العلاقات الجزائرية - الفرنسية بمرحلة معقدة، تفتح معها جميع الخيارات بما فيها القطيعة بين البلدين، رغم جهود أطراف معتدلة في باريس كاليساري جون بيار شوفانمان، الذي كشف لتلفزيون “الجزائر الدولية” عن مساعي تهدئة تقودها شخصيات وازنة، من أجل إعادة الوضع بين البلدين إلى طبيعته. وكان اعتقال الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال في الجزائر قبل ثلاثة أشهر من بين الأسباب الرئيسية لتوتر العلاقات، وقد كشف محام فرنسي الثلاثاء إصابة صنصال بمرض السرطان.

وقال المحامي فرانسوا زيمراي لوسائل الإعلام في فرنسا إن بوعلام مصاب بأحد أمراض السرطان الذي يصيب الرجال في سن متقدمة من العمر. وأوضح زيمراي أن "بوعلام في المستشفى ويتلقى العلاج لكن تمنع السلطات أن يلتقيه محاميه بشكل مباشر"، مضيفا أن "هذا بحد ذاته يمثل مشكلة بالنسبة لهيئة الدفاع."

واعتقل صنصال (75 عاما) الذي عرف بانتقاداته للسياسات الحكومية في الجزائر والإسلام السياسي، في مطار هواري بومدين بالعاصمة الجزائر في نوفمبر الماضي. ورجحت تقارير اعتقال بوعلام بسبب تصريحات له شكك فيها بملكية الجزائر لأراض على الحدود مع المغرب. ويقول الإعلام الرسمي في الجزائر إن بوعلام “يخدم سياسات اليمين الفرنسي المناهض للجزائر.”

 

نشر في العدد السابق:

       • عاصفة غضب جزائرية ضد تصريحات ابن ساركوزي العدائية

4