فرنجية يتجه إلى التسويات السياسية مع تضاؤل حظوظه في الفوز بالرئاسة

بات رئيس تيار المردة سليمان فرنجية أكثر بعدا عن الكرسي الرئاسي مع خسارة داعميه في لبنان وسوريا، ويسير في طريق بناء تحالفات مع قوى سياسية لاختيار مرشح رئاسي آخر تحت عنوان الحفاظ على المصلحة الوطنية.
بيروت - يرسل رئيس تيار المردة اللبناني سليمان فرنجية، أحد الأسماء التي كانت مطروحة بقوة للفوز بالمنصب الرئاسي، رسائل متباينة بشأن استمرار ترشحه بعد خسارته أبرز داعميه الرئيس السابق بشار الأسد إضافة إلى ضعف حزب الله بعد مقتل أمينه السابق حسن نصرالله، ما يجعل دوره منحصرا في التوافق وبناء تحالفات مع قوى سياسية لتزكية مرشح آخر.
وتستند تقارير إعلامية محلية إلى مصادر مطلعة على الملف ومقربة من القوى السياسية، قالت إن فرنجية لا يزال مستمراً في السباق الانتخابي الرئاسي كمرشح طبيعي لرئاسة الجمهورية في لبنان.
وأوضحت أن فرنجية لم يقدم على ترشيح نفسه بشكل شخصي، بل إن رئيس مجلس النواب نبيه بري هو من بادر إلى طرح اسمه كمرشح للرئاسة. وبالتالي فإن بري ملتزم أخلاقياً بتأييد هذا الترشيح من دون أن يتراجع عنه.
غير أن المصادر نفسها أفادت بأن فرنجية لن يعارض دعم أي تسوية سياسية تؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية، شريطة أن يكون هذا الرئيس حائزاً على الشرعية السياسية من مختلف الأطراف.
وفي الواقع يدرك فرنجية أنه خارج التوافق السياسي مع ضعف حلفائه الذين يدعمون ترشحه بينما يبدو التأكيد على استمرار ترشحه أقرب إلى حفظ ماء الوجه، حيث أظهرت كل اللقاءات السياسية التي جرت مؤخرا أنّ البحث جدّي عن مرشح لرئاسة الجمهورية يحظى بتوافق الكتل النيابية الوازنة وهو ما لا يتوافر في فرنجية.
وذكرت مصادر أن رئيس تيار المردة ابتعد خلال الفترة الأخيرة عن حلفائه التقليديين، وسط مؤشرات تفيد بأنه عاتب رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لأنهما اتفقا مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على التوجه إلى انتخاب رئيس للجمهورية، ينسجم مع أحد التكتلين المسيحيين حزب القوات اللبنانية أو التيار الوطني الحر، ما يعني استبعاد فرنجية نهائياً، رغم استخدام اسمه كمرشح أساسي.
وتؤكد التطورات السياسية في كل من لبنان وسوريا أن حظوظ فرنجية تراجعت إلى أدنى مستوى، خصوصا بعد اغتيال إسرائيل أمين عام حزب الله السابق حسن نصرالله، ثم سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهما أبرز داعمي رئيس تيار المردة سياسيا ومعنويا.
وتكثّفت الاتصالات مع بري للاتفاق معه على مرشح وازن يحظى بتأييد أغلبية نيابية، وتقدّم رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل نحو عين التينة التي شكّلت مركز ربط سياسي بين كل من ميقاتي وباسيل وجنبلاط، وسط الانفتاح على الآخرين.
وبحسب المصادر فإن مطلب برّي الأساسي هو أن يحظى أي رئيس مقبل بأكبر عدد من الأصوات النيابية، لذلك كان يحيل رئيس المجلس كلّ مرشح جدّي يفاتحه في أمر ترشّحه إلى التواصل مع حزب القوات.
واجتمع فرنجية الأربعاء مع النواب إلياس بوصعب، وإبراهيم كنعان، وسيمون أبي رميا وآلان عون الذي أكد أن “الزيارة هي في إطار استكمال اللقاءات مع الكتل النيابية من أجل البحث في عملية فتح ثغرة في الاستحقاق الرئاسي المقبل، لاسيما قبل موعد الجلسة الانتخابية في 9 يناير المقبل ولحساسية المرحلة وضرورة أن يحجز لبنان موقعا له في الشرق الأوسط الجديد.”
وأشار إلى “النظرة المشتركة مع رئيس تيار المردة، فالمطلوب ليس رئيسا دون حد أدنى من الشرعية وإنما يمتلك الشخصية والقدرة اللازمة لقيادة المرحلة المقبلة من إصلاحات ومواكبة للتحديات.”
وحدد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري التاسع من يناير 2025 موعداً للجلسة رقم 13 لانتخاب رئيس للجمهورية. وعكس كلام بري في البرلمان على هامش جلسة التمديد للقادة الأمنيين تلميحا إلى أن الجلسة لن تكون كسابقاتها وستشهد انتخاب رئيس جديد للبلاد، عندما وعد بأنها “ستكون مثمرة وبأنه سيدعو سفراء الدول لدى لبنان إلى حضورها،” وهي العادة البروتوكولية المتبعة عند انتخاب رئيس جديد.
فرنجية لن يعارض دعم أي تسوية سياسية تؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية، شريطة أن يكون هذا الرئيس حائزاً على الشرعية السياسية من مختلف الأطراف
ولفت عون إلى أنه “حصل نقاش عميق حول الخيارات المطروحة في المرحلة المقبلة وستستكمل النقاشات لجمع أكبر عدد ممكن من القوى السياسية من كل الأطراف ولو كانت في مرحلة خصومة لأن لبنان انطلق نحو مرحلة استقرار ولمّ شمل.”
وأكد أنه “لا يجوز العمل على تسجيل نقاط وإعادة إنتاج منطق المحاصصة بل الانطلاق نحو تجربة جديدة لأن طريقة إدارة البلد السابقة لم تعد صالحة أو على قدر تطلعات اللبنانيين،” وشدد على أن “لدى فرنجية الإدراك والوعي والحرص على مصلحة لبنان وهو رجل أصيل وكل همه لبنان،” في تلميح إلى أن فرنجية من الممكن أن يدعم ترشح اسم آخر للرئاسة.
وذكرت مصادر أن النواب الأربعة المذكورين حاولوا ضمنيا أيضاً استمالة فرنجية لتبني ترشيح كنعان، لكن رئيس المردة لم يتخذ موقفاً بعد، في ظل تزايد حظوظ حليفه النائب فريد هيكل الخازن، وإمكانية دعم قائد الجيش العماد جوزيف عون، أو الذهاب إلى اتفاق مع حزب القوات يشكّل نقطة تحول في العلاقة بين الفريقين.
ولا تزال المسارات مفتوحة على خيارات عديدة؛ منها قائد الجيش العماد جوزيف عون، والنائب فريد البستاني، والوزير السابق زياد بارود، والعميد المتقاعد جورج خوري، وآخرون.
وتوحي الاتصالات السياسية المفتوحة بأن الأمور ستبقى رهن الأيام الأخيرة قبل جلسة التاسع من يناير المقبل، في انتظار أن يحسم النواب المستقلون و “قوى التغيير” خياراتهم أيضا، وسط انفتاح الأميركيين والأوروبيين والعرب على أي خيار رئاسي يتفق عليه أغلب اللبنانيين.
وفي تأكيد لعدم حسم اسم المرشح، قال النائب المستقل غسان سكاف في تصريحات صحفية إن الاستحقاق الرئاسي مر بأربع مراحل تبدلت معها مواصفات الرئيس، الأولى كان عنوانها الأزمة الاقتصادية حين برزت أسماء لمرشحين اقتصاديين محتملين للرئاسة مثل النائب نعمة إفرام، ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور، أما الثانية فبدأت بعد حرب غزة ولاحقاً حرب الإسناد وتبدلت الأسماء وسط إصرار حزب الله على رئيس يحمي الجماعة اللبنانية والمسلحين، فلمع اسم رئيس تيار المردة السابق سليمان فرنجية كمرشح وحيد للثنائي الشيعي.
وأضاف “لكن مع تدحرج حرب غزة إلى لبنان دخل الاستحقاق الرئاسي مرحلة ثالثة تبدلت خلالها الأسماء المرشحة للرئاسة فخفت نجم فرنجية وارتفعت أسهم قائد الجيش العماد جوزيف عون، لكن مع بلوغ مرحلة جديدة عنوانها ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار فإن فرنجية لم يعد المرشح المناسب باعتراف من بري عندما دعا إلى انتخاب رئيس لا يشكل تحدياً لأحد.”