فرق شبابية تصنع من الموسيقى جسر العبور إلى عالم أكثر إنسانية

يتشابه حضور الفرق الموسيقية الشبابية في العالم العربي، تماما مع واقع أصحابها، يحاولون إثبات وجودهم ويبحثون عن الفرصة لتغيير تقاليد مجتمعية لم تعد تمثلهم أو تعنيهم، فيما يرتفع لديهم الحس الإنساني ويعبّرون عنه بنغمات وكلمات متمردة ترفض معايير باتت تنتهك كرامة الإنسان رجلا كان أم امرأة.
الأحد 2017/11/26
البساطة عنوان القرب من الجمهور

لكل منها تجربتها وأحلامها، هواجسها وأوجاعها وطموحاتها، أفكارها الهادئة والمجنونة، البعض منها اختار نغمات متمردة لا تشبه الواقع المتردي، والبعض الآخر استلهم من التراث جمالا يغطي القبح. وبدلا من أن يلعنوا الظلام قرروا أن يشعلوا بالموسيقى شمعتهم الخاصة.

تتشابه الفرق الموسيقية الشبابية في العالم العربي مع واقع أصحابها، تبحث عن بصيص أمل وهوية ومكان ومن يستمع إليها، وأحيانا يكفي أن تكون فسحة أو متنفسا تعبر من خلالها أفكارهم نحو مجتمع مليء بالتناقضات، كإعلان للرفض والحماس لتغيير ما عفا عليه الزمن ولفظته الإنسانية.

و”صعاليك” الزمن الحالي متعددو الجنسية متوحدون في الهدف والمشروع والرؤية، رسالتهم “كلنا شركاء في الحياة.. الأرض لنا والموسيقى للجميع”.

خلقت الفرقة في البداية من رحم الحرب السورية وافتقاد معنى الإنسانية في دائرة العنف التي لم تعرف نهاية، مع مجموعة شباب سوريين موجودين في بيروت، يعيشون الهزيمة وصدمة الحرب والقتل وما صاحبها من مآس، فكان لا بد من وسيلة يدافعون بها عمّا يؤمنون به في مواجهة بشاعة ما يجري، بحسب ما يؤكد أحمد نفوري أحد مؤسسي الفرقة وعازف الغيتار فيها.

فرقة 'بنت المصاروة' قوبلت من البعض برفع القبعات والتحية لرفض كل 'عفن' المجتمع وفي الوقت نفسه شكلت للبعض الآخر صدمة واستنكارا

ويقول نفوري في تصريحات لـ”العرب”، “انطلقت فكرة تأسيس الفرقة من منطق البحث عن بديل للموسيقى الموجودة في الساحة العربية وبدايتها كانت عفوية من مجموعة شباب وجدوا أنفسهم متورطين بالموسيقى وبفرقة يعبّرون من خلالها عن أنفسهم”.

ويضيف، “هكذا بدأت الفكرة… الفرقة خلقت لتعبّر عن نبض الشارع، عن بساطة الناس وسلاسة موسيقانا العربية، عن غنى التراث والتنوع الثقافي وأهمية الموروث السمعي في هذه المنطقة من العالم”.

ويتابع “نحاول إعادة صياغة التراث بطريقة حديثة تتناسب وتتماشى مع العصر والبساطة وهي واضحة في تسجيلات الفرقة”.

وتمثل الفرقة عملا فنيا متكاملا يتقاطع مع التراث والتاريخ ابتداء من اسمها الذي لم يطلق بشكل اعتباطي، ويشير نفوري إلى أن ما يجمع بين هذه المجموعة أنهم شباب ينتمون إلى المجتمع ويعانون من مشاكله ذاتها، ولديهم نفس الأحلام، حتى أن اسم صعاليك يعبّر عن توجههم الحقيقي. ويؤكد “نحن بالفعل صعاليك بالموسيقى… فالصعاليك في زمن الجاهلية كانوا يسرقون من الأغنياء لإطعام الفقراء. ويهجون ويمدحون ويستخدمون الشعر في توصيف الحال وما آلت إليه أحوال المجتمع فأصبح شعرهم من عيون الشعر العربي”.

أحمد نفوري: للصعاليك نغمتهم الخاصة التي تتحدث عن قضايا اجتماعية وأخلاقية منتقدة وساخرة تطالب المجتمع بإعادة النظر للواقع المرير

ويتابع نفوري “لصعاليك اليوم نفس التوجه بأدوات مختلفة ألا وهي الموسيقى وللصعاليك أيضا نغمتهم الخاصة التي تتحدث عن قضايا اجتماعية وأخلاقية منتقدة وساخرة تطالب المجتمع بإعادة النظر للواقع المرير الذي تمر به الأمة العربية”.

ويقدم “الصعاليك” أغاني تراثية سورية من مناطق مختلفة، كجبل حوران والسويداء ودير الزور والرقة لكن بطريقة عصرية، وتحمل لمسات الفرقة الخاصة التي حظيت أغانيها بمتابعة واسعة على يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي.

ورغم أن الفرقة تحمل الهوية الشبابية الحديثة إلا أن “جمهور الصعاليك هو جمهور عريض لأنهم من الشارع ويغنون ويكتبون للشارع كما كان حال سيد درويش في مصر، فالبساطة قرّبتهم من الجمهور والعكس صحيح وهو ما تؤكده رسالتهم” وفقا لنفوري.

وتأسست الفرقة عام 2013 في بيروت، على أيدي كلّ من أحمد نفوري ومحمد خياطة، ثم انضم إليه عدد من العازفين السوريين، إضافةً إلى عازفين من جنسيات مختلفة، وقد غادرها البعض وانضم إليها آخرون، وهي الآن تضم أحمد النفوري ومحمد خياطة وسام عبدلله وانجر هانسدال ومنى المرستاني ونذير سلامة وعبدالله جطل.

وإذا كان الصعاليك أكثر مهادنة وسلاما مع المجتمع رغم اعتراضهم على الكثير من معاييره المتناقضة الموروثة، فإن “بنت المصاروة”، اختارت أن تقابل هذا المجتمع بكل جرأة وتحد دون أيّ حسابات للانتقاد والهجوم والاتهامات.

فرقة “بنت المصاروة” قوبلت من البعض برفع القبعات والتحية لرفض كل “عفن” المجتمع وفق تعبير الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الوقت نفسه شكلت للبعض الآخر صدمة واستنكارا لجرأة لا يتقبّلها المحافظون والمتشددون، فواجهت الفرقة حملة شرسة ضد من أطلقن صرخة على هيئة أغنية “”قولوا لابوها ضحكوا عليك ضحكوا، لا شرفها بين رجليها ولا يحكوا”.

"بنت المصاروة" تغني واقع المرأة المصرية بكلمات جريئة

وتتحدث إسراء صالح مؤلفة كلمات الأغنية، أنها بمثابة رد على ما يجري في منطقة مصرية كالصعيد، حيث “ما زالت تقام حفلات الأعراس “البلدي” التي تختزل كيان المرأة بين فخذيها، وتسمح للجميع بانتهاك كرامتها تحت مسمّى الشرف. لذا قررنا أن تضم الأغاني نقداً شديداً لواحدة من الممارسات العنيفة التي تخضع لها غالبية نساء صعيد مصر منذ سنوات طويلة”.

وانطلقت الفرقة عام 2014 عندما اجتمعت 7 فتيات من القاهرة أصغر واحدة منهن كانت في عمر الـ16 ربيعا وأكبرهن في عمر الـ32 في ورشة كتابة إبداعية، استضافتها مؤسّسة “نظرة” المختصة في الدراسات النسوية.

وكانت الورشة بعنوان “عروستي” تهتم بكتابة كلمات أغان تناقش التمييز الواقع على النساء والفتيات في المجتمع المصري.

وهي شرارة الانطلاق الأولى للفرقة التي قامت فتياتها بكتابة أغان، وتم إنتاج أول ألبوم منها في يونيو 2015، وحمل عنوان “بنت المصاروة”، ثم أصبح الاسم الرسمي للفرقة التي تقلص عددها فيما بعد وهي تضم الآن: مارينا سمير (22 عاماً) وإسراء صالح (28 عاماً) المجازة في الحقوق وتعمل في إحدى شركات القطاع الخاص، ومريم سمير (19 عاماً) الطالبة في “المعهد العالي للموسيقى”، إضافة إلى المنسّقة ميريت عبدالمولى (22 عاماً) التي تتابع دروسها في السياسة والاقتصاد أيضاً.

وبالتأكيد أن الفرقة لم تواجه فقط المجتمع بل جابهت الشابات أولا عائلاتهن، بحسب ما ذكرت إحدى “بنات” الفرقة السابقات. وقالت “لأننا نتغنّى بمشاكل وتجارب للفتيات ليس لها وجود في المجتمع المحيط بنا من تحرش جنسي وتمييز جنسي وغيرهما، يحاول الكيان المجتمعي إنكارها بدلاً من مواجهتها”.

وتؤكد الفرقة في تصريحاتها الصحافية على أنها ليست على درجة عالية من الاحتراف الفني، لكنها تحلم بواقع جديد يحترم المرأة وتحاول كسر المفاهيم البالية على مختلف الأصعدة. وتقول مارينا سمير إنّ الإنتاج الموسيقي والفنّي بالنسبة إلى “بنت المصاروة” يعتبر “ركناً محورياً في عملية تعزيز الوعي الاجتماعي!”.

صحافية سورية

19