فرص ضئيلة لنجاح الوساطة القطرية في تشاد

القاهرة- تحاول الدوحة أن تكون ضلعا في التوجهات الدولية الساعية لعودة الحركات المتمردة التشادية إلى بلادها والبحث عن توقيع اتفاق شبيه بما وقعته حركات مسلحة سودانية في جوبا مع الخرطوم برعاية دولة جنوب السودان، والإيحاء بأنها تملك قدرة على التحكم في الفصائل المسلحة في تشاد وتستطيع إقناعها بجدوى المصالحة، وهو ما يرى مراقبون أن فرص نجاحه ضئيلة.
وتراهن قطر على وساطتها الجديدة في الملف التشادي أملا في امتلاك أوراق ضاغطة في المحيط الإقليمي والعودة إلى تفعيل دورها في الأزمة الليبية من جهة تشاد، ما يمكّنها من دعم حليفها التركي الساعي لتقوية حضوره السياسي في ليبيا. ويقول مراقبون إن جهود قطر تصطدم بعقبة الارتباط القبلي بين الحركات المسلحة التشادية في الجنوب الليبي وشمال تشاد وسكان هذه المنطقة، وإن محاولات دفعها للعودة إلى الداخل ليست سهلة بسبب العلاقة القوية بين الجانبين.
ومن المرجح أن تواجه الدوحة مشكلة حادة جراء عدم قبول بعض الحركات ذات النفوذ اللافت في الجنوب الليبي العودة إلى تشاد، كما أن القوى السياسية التي قادت المظاهرات ضد ديبي الابن ترفض بقاء نفس الوجوه القديمة على رأس المعارضة، ما يشي بأن المعارض تيمان إرديمي المقيم في الدوحة منذ سنوات لن يحظى بالقبول من جانب قوى مدنية إذا بدت قطر حريصة على أن يكون رقما في أيّ معادلة جديدة للسلطة.

ويرأس إرديمي اتحاد قوى المقاومة، وهو أحد قادة التمرد الرئيسيين المناهض لسلطة نجامينا، ويضم تحالفه كوادر فرت إلى المنفى بعد الانشقاق عن نظام الرئيس الراحل إدريس ديبي الذي لقي مصرعه في اشتباكات مع معارضين أطلقوا هجماتهم من الحدود الليبية في أبريل من العام الماضي.
وقالت أستاذة العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة هبة البشبيشي إن الوساطة القطرية هي “جزء من الصراع على النفوذ في وسط أفريقيا التي أضحت روسيا المحرك الأول للأحداث فيها عبر ميليشيات فاغنر التي تنطلق من الجنوب الليبي إلى دول قريبة منه”.
وأضافت لـ”العرب” أن الدوحة تلعب دوراً لصالح تركيا وبالتنسيق معها لإحداث توازن مع النفوذ الروسي المتصاعد في المنطقة من خلال دعم وصول ميليشيات تشادية مسلحة إلى السلطة انطلاقًا من قناة الحوار القطرية مع المجلس العسكري.
وأوضحت أن قطر توظف رغبة ديبي الابن في تفكيك الحركات المسلحة التي اعتادت شن هجمات على النظام الذي ترأّسه والده ويسعى لضمان عدم حدوث ذلك بعد أن باتت بعض الميليشيات قادرة على شن هجمات قوية في الداخل والعودة مرة أخرى إلى معسكراتها في جنوب ليبيا دون أن تملك الحكومة القوة الكافية لردعها.
وتقف أمام المفاوضات التي ترتّب لها الدوحة بهمة ونشاط حاليا العديد من العقبات بسبب صعوبة جسر الهوة الممتدة بين الحركات المسلحة والنظام التشادي، حيث تتطلب تقديم تنازلات سياسية وعسكرية صعبة من الطرفين.
ويسعى ديبي الابن لإضفاء شرعية على نظام حكمه الذي تعتبره قوى خارجية انقلاباً عسكريا على المعارضة التي كان من المفترض أن تتولى الحكم عقب مصرع والده، لذلك يعمل على منح مبادرته للسلام التي طرحها في أغسطس الماضي فرصة للنجاح، حيث شكل لجنة مهمّتها التحضير لحوار خطّط لانطلاقه نهاية العام الماضي.
ووعد رئيس المجلس العسكري الانتقالي عندما تولّى السلطة بإجراء انتخابات حرّة وشفافة خلال 18 شهراً قابلة للتجديد مرة واحدة، مؤكدا أن الحوار سوف تنفّذ نتائجه بالكامل، وبعد نهايته يتم اعتماد دستور جديد عن طريق الاستفتاء.
وأكدت البشبيشي لـ”العرب” أن السمعة السيئة للمصالحات القطرية وتوظيفها الخاص في دعم نفوذها السياسي والاقتصادي من العوامل التي تقلل فرص نجاحها في تشاد.

هبة البشبيشي: الدوحة تلعب دورا لصالح تركيا لإحداث توازن مع النفوذ الروسي
وستشهد الدوحة قريبا مفاوضات بين ممثلين عن المجلس العسكري الانتقالي وحركات مسلحة وأحزاب مدنية على رأسها “الاتحاد الوطني من أجل الديمقراطية” وحزب “الحريات والتنمية”، ومنظمات المجتمع المدني في الفترة من العشرين إلى التاسع والعشرين من يناير الجاري بعد مناقشات جرت حول الصيغة النهائية للقضايا محل التفاوض بين الحكومة ومعارضيها.
وقالت اللجنة الحكومية المكلفة بالتحضير للحوار بين الحركات المسلحة والمجلس العسكري الحاكم في تشاد الجمعة إن وفدا يقوده وزير الخارجية محمد زين شريف يجري مشاورات مع مسؤولين قطريين لمناقشة آليات تنظيم حوار ترعاه وتستضيفه الدوحة للوصول إلى تفاهمات تمهد الطريق أمام عقد مصالحة شاملة نوّه إليها رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد إدريس ديبي من قبل.
ويتباحث وفد تشادي آخر في الخرطوم مع مجموعة من الحركات المسلحة حول سبل المشاركة في اللقاء المنتظر أن تستضيفه قطر قريبا.
وتعمل الدوحة على نجاح هذه الجولة لتحصين نفوذها الاقتصادي في تشاد عقب دخولها على خط الصفقة التي عقدها نظام الرئيس الراحل إدريس ديبي مع شركة glencore السويسرية التي تقوم بالتنقيب عن النفط قبل أن يلجأ النظام التشادي إلى الاستدانة منها مقابل حصولها على عوائده.
ووظفت الدوحة أزمة الديون المتراكمة في ابتزاز السلطة الانتقالية وأجبرتها على تليين موقفها من مسألة احتضان معارضيها.
ولعب امتلاك جهاز قطر للاستثمار الحصة الأكبر في الشركة السويسرية دوراً خفيًا في فرض شروط سياسية على نجامينا من وراء المفاوضات بين الحكومة والشركة، وهو ما يفسر عودة العلاقات بين البلدين بعد فترة وجيزة من قطعها عام 2018.
ووضعت بعض الوفود التشادية التي توافدت على الدوحة مؤخرا مجموعة من الخطوط العريضة لمذكرات تفاهم واتفاقيات بين الجانبين في قطاعات مختلفة.
وطرحت الدوحة سابقا مبادرات لحل أزمات مثل إقليم دارفور في غرب السودان وتسوية الخلاف بين جيبوتي وإريتريا، وبين الحركات التشادية نفسها ونظام ديبي الأب، لكنها أخفقت في تحقيق نتائج ملموسة بعد أن حادت كل تدخلات قطر عن الطريق السليم.