فرصة فريدة تجمع بغداد وواشنطن نحو شراكة استراتيجية متعمقة

بغداد – في تطور لافت يعكس تحولا في طبيعة العلاقات بين بغداد وواشنطن، أكد مستشار رئاسة الحكومة العراقية للشؤون الخارجية، فرهاد علاء الدين، على وجود "فرصة فريدة" أمام البلدين لتعميق شراكتهما الاستراتيجية.
هذه الشراكة، بحسب رؤية علاء الدين التي عبر عنها في مقال نشرته صحيفة "ذا ناشيونال" البريطانية، لم تعد مقتصرة على التعاون الأمني التقليدي، بل تتجه نحو آفاق أرحب من التكامل الاقتصادي وتعزيز الأمن الإقليمي والاستقرار طويل المدى.
تأتي تصريحات علاء الدين مدعومة بزيارة مرتقبة لوفد كبير من الشركات الأميركية إلى العاصمة العراقية خلال الأسبوع المقبل.
وهذه الزيارة، التي تقودها غرفة التجارة الأميركية العراقية، تحمل في طياتها مؤشرات قوية على جدية الطرفين في استكشاف فرص استثمارية جديدة في السوق العراقية المتنامية.
ومن المتوقع أن تثمر هذه الزيارة عن توقيع العديد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات بين الشركات الأميركية ونظيراتها العراقية، مما يعزز من حجم التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة.
ويستند هذا التوجه الجديد في العلاقات إلى قناعة مشتركة بين بغداد وواشنطن بوجود تطابق في الرؤى والأهداف. فقد أشار علاء الدين إلى أن السياسة الخارجية الأميركية الحالية تركز على تعزيز أمن وقوة وازدهار الولايات المتحدة، وهو ما يتماشى تماماً مع تطلعات العراق وسياسته الخارجية التي يتبناها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تحت شعار "العراق أولاً" و"المصلحة المشتركة". هذا التوافق في الأهداف يمثل أرضية صلبة لبناء شراكة استراتيجية متينة ومستدامة.
ولم يغفل علاء الدين الإشارة إلى النمو المطرد في العلاقات العراقية الأميركية في مختلف المجالات، بما في ذلك الأمن والطاقة والاقتصاد. إلا أنه أكد بشكل خاص على الفرص الهائلة المتاحة للشركات الأميركية الكبرى في ظل تسارع وتيرة الانتعاش الاقتصادي والتنمية الشاملة في العراق، وخاصة في قطاع الطاقة الحيوي.
فالشركات الأميركية، التي تتمتع بمكانة مرموقة وخبرات متقدمة، باتت أمام فرصة تاريخية للمساهمة في تشكيل مستقبل الطاقة في العراق وترك بصمة مؤثرة في تعزيز العلاقات الثنائية.
وقال مستشار السوداني إن هذه الشركات تحظى بمكانة جيدة تتيح لها ان تترك بصمة واضحة ومؤثرة، والمساهمة في تعميق وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
وفي هذا السياق، سلط علاء الدين الضوء على الدور الهام الذي تلعبه بالفعل شركات أميركية رائدة مثل "جنرال إلكتريك" و"كي بي آر" و"بيكر هيوز" و"هاليبرتون" و"هانيويل" في تطوير قطاع الطاقة العراقي.
وكشف عن قرب توقيع اتفاقية تاريخية بين "جنرال إلكتريك" ووزارة الكهرباء لتطوير 24 ألف ميغاواط من توليد الطاقة عالية الكفاءة، وهو مشروع حيوي يهدف إلى سد الفجوة الكبيرة في الطلب على الكهرباء في البلاد والتي تبلغ حاليا حوالي 48 ألف ميغاواط.
بالإضافة إلى ذلك، تطرق علاء الدين إلى الجهود العراقية الرامية إلى إقامة شراكات عبر الحدود في مجال الطاقة، بما في ذلك الانتهاء من ربط 500 ميغاواط بشبكة كهرباء دول مجلس التعاون الخليجي عبر الكويت في العام 2025، في حين يتوقع مساهمة الاتفاقيات مع تركيا والأردن والسعودية بمقدار 2500 ميغاواط اضافية بحلول العام 2027.
وأكد على أن الشركات الأميركية تتمتع بموقع قوي للمساهمة في حل "المشكلة الحرجة" المتمثلة في إصلاح قطاع الغاز في العراق، للحد من هدر الغاز والأضرار البيئية، وتحقيق هدف العراق المتمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة. وأضاف على نحو مماثل، قد تستفيد شركات تصدير الغاز الطبيعي الأميركية من احتياجات العراق المتنامية.
وفي الرابع من مارس الماضي، أعلن وزير النفط حيان عبدالغني أن الوزارة بصدد استيراد منصة عامة لتوريد الغاز بهدف سد الحاجة المطلوبة لمحطات توليد الطاقة الكهربائية.
وقال علاء الدين إنه يجري حاليا طرح عطاء رسمي، ومن المتوقع صدور القرار قريبا. وتفتح هذه المبادرة الطريق أمام الشركات الأميركية المتخصصة في تصنيع وحدات تخزين الغاز الطبيعي المسال وموردي الغاز الطبيعي المسال، وهو ما قد يلعب دورا رئيسيا في مستقبل الطاقة في العراق.
وفي إشارة ذات دلالة، لفت علاء الدين إلى أن العراق منح خلال العامين والنصف الماضيين عدداً غير مسبوق من العقود لشركات أميركية، وشهد التعاون الاقتصادي ازدهاراً ملحوظاً في مجالات متنوعة بدءاً من الواردات الزراعية وصولاً إلى مشاريع البنية التحتية الكبرى. وأكد على أن الحكومة العراقية تولي اهتماماً خاصاً بتسريع هذه المشاريع في قطاعات النقل والمياه والاتصالات، حيث تتمتع الشركات الأمريكية بمزايا تنافسية واضحة.
وأردف انه من الواضح بالنسبة لبغداد وواشنطن ان الطريق للتقدم إلى الأمام يتم تحديده من خلال المصالح والفرض المشتركة، مضيفا ان مسار هذه العلاقة يشير الى تعاون أعمق قائم على الاحترام المتبادل والأهداف الاستراتيجية التي يتم التوافق حولها.
ورؤية علاء الدين لمستقبل العلاقات العراقية الأميركية تتجاوز المصالح الاقتصادية المباشرة لتشمل أبعاداً استراتيجية أعمق. فهو يرى أن تعميق الشراكة بين البلدين يساهم بشكل فعال في تعزيز الأمن الإقليمي والاستقرار على المدى الطويل.
وقد استشهد في هذا السياق بالمحادثة الهاتفية التي جرت بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والرئيس الأميركي دونالد ترامب في 8 نوفمبر عقب الانتخابات الأميركية، حيث أكد الزعيمان التزامهما بتعزيز الشراكة الاستراتيجية وتوسيع التعاون ليشمل مجالات الاقتصاد والمالية والطاقة والتكنولوجيا، متجاوزين بذلك المخاوف الأمنية التقليدية.
ويمثل مقال فرهاد علاء الدين خريطة طريق طموحة لفصل جديد من التعاون العراقي الأميركي، كما يعكس إدراكاً متزايداً لدى الطرفين لأهمية بناء شراكة متوازنة ومتعددة الأوجه، تستند إلى المصالح المشتركة وتساهم في تحقيق الازدهار والاستقرار على المستويين الوطني والإقليمي.
ومع ترقب وصول الوفد الاقتصادي الأمريكي إلى بغداد، تتجه الأنظار نحو ترجمة هذه الرؤى والتطلعات إلى خطوات عملية ملموسة، ترسخ أسس شراكة دائمة تخدم مصالح البلدين وتدعم الأمن العالمي.
يُكتسب مقال فرهاد علاء الدين أهمية مضاعفة كونه يأتي في توقيت تسعى فيه الإدارة الأميركية بشكل حثيث لتعزيز تعاونها مع العراق في شتى المجالات، وعلى رأسها ملف الكهرباء الحيوي.
وهذه المساعي الأميريكية ليست بمعزل عن جهود واشنطن الأوسع لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة. فمن خلال دعم العراق في تحقيق اكتفاء ذاتي مستدام في قطاع الكهرباء، تهدف الولايات المتحدة إلى تقليص اعتماد بغداد على طهران في هذا القطاع الاستراتيجي، خاصة بعد قرار واشنطن الأخير بإنهاء الإعفاءات التي كانت تسمح للعراق باستيراد الغاز الإيراني دون التعرض لعقوبات.
هذا التوجه الأميركي يصب بشكل مباشر في صلب هدف واشنطن الاستراتيجي الأكبر المتمثل في تكثيف الضغوط على إيران بشأن برنامجها النووي المثير للجدل.