فرصة حقيقية أمام مصر لقلب مقترح لابيد إلى صالحها

أصوات معتدلة قريبة من ترامب وإسرائيل تطالب بإطار نظري للقطاع.
الخميس 2025/02/27
اعبروه آمنين

القاهرة - لم يعد مصير قطاع غزة يحتمل أن يتقاذفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإسرائيل، أو يتحمل تصورات عربية غير مكتملة، فمصر هي الدولة الوحيدة التي تملك تاريخا ممتدا وخبرة طويلة ومسوغات جيوستراتيجية لوضع حل عملي لأزمة غزة.

وترى أوساط عربية أنه في ظل الخطط المشوهة المطروحة لم يعد أمام مصر من خيار سوى أن تتقدم خطوات وتفكك العقد التي يحاول كل طرف تفكيكها على مقاس مصالحه.

جاءت ردود الفعل من عدة دوائر مصرية غاضبة من مقترح زعيم المعارضة في إسرائيل يائير لابيد أثناء زيارته إلى واشنطن حول إسناد إدارة غزة إلى مصر. وهو أمر مرفوض بالطريقة التي طرح بها لابيد فكرته وتحوي في جوهرها التفافا مكملا لمقترح ترامب السابق وليس نفيا له، لكن يمكن لمصر أن تقلب فكرة لابيد إلى صالحها.

فمن حق القاهرة أن تعيد ترتيب الفكرة بما يتواءم مع هدفها السابق، وتحولها من خدمة لإسرائيل إلى خدمة للدولة المصرية، تضمن لها دورا إقليميا بارزا ومحوريا ومؤثرا، وتمنحها مزايا إستراتيجية، وتعظّم دور القاهرة في خضم تطورات جارفة، كما تسدي خدمة جليلة للقضية الفلسطينية وتقود إلى دولة قابلة للحياة.

وليس هذا الدور بجديد على مصر التي تسلمت مهمة إدارة قطاع غزة لسنوات. وقام فريق عربي بتقديم مجموعة صور وطوابع لقطاع غزة تشير إلى مرحلة إدارة الدولة المصرية له، وتمتد لعقود طويلة، منها صور تعود إلى عهد الملك فاروق، ثم بعد ثورة يوليو 1952، وكلها لطوابع تحمل توشيحات “فلسطين”، وهي الإشارة الرسمية على الطوابع المصرية التي تميزها لحكم غزة.

ويقول مراقبون إنه على مصر أن تتجنب الحساسية المفرطة، لأن إدارة الدول تنطلق من محددات تقود إلى مصالح، وتبدو بعض التصرفات خارقة للعادة، لكنها تؤدي إلى نتائج خلّاقة، وتقاس أوزان الدول بقدرتها على التحرك بشكل سريع في المواقف الحاسمة، وتقديم رؤى تسهم في تحقيق الأهداف في النهاية، ولو غضب البعض في البداية.

ولتنحّي مصر جانبا مقترح لابيد، وهو إعادة إنتاج لفكرة طرحت من قبل أكثر من مرة ورُفضت، تحاول أن تعيد طرح المقترح بالطريقة التي تفيد القاهرة وتحقق الأهداف الفلسطينية المرجوة، وتنحية العواطف والمشاعر جانبا ودراسة الأمر بعقل بارد، وما يمكن أن تفضي إليه استدارة مصرية جريئة من نوعية الوصاية على غزة.

نجحت مصر في تثبيت موقفها بشأن رفض توطين سكان غزة في أرضها، وخلقت بمساعدة عدة دول عربية حالة عامة من الممانعة لمقترح ترامب، الذي أقر بأن ما قدمه هو تصور يمكن الأخذ به أو لا، لكن على القاهرة أن تدرك وجود أصوات معتدلة قريبة من ترامب وإسرائيل تؤكد ضرورة وضع إطار نظري محكم لغزة.

ولم يُكشف حتى الآن عن الفحوى النهائي للخطة المصرية التي جرى الحديث عنها مؤخرا وستعرض على القادة في القمة العربية الطارئة بالقاهرة في الرابع من مارس المقبل، وما تم من تسريبات حولها يقول إنها تواجه صعوبات وقد تخرج مبتورة، ما يمنح إسرائيل فرصة للمزايدة عليها وقطع الطريق على رؤى عربية أخرى، ويعود ترامب إلى استئناف اجتهاداته، وفقا لرؤية اقتصادية وليست سياسية.

ويمكن أن تلتقط مصر الخيط وتتحمل مسؤولية جسيمة، كما هي عادتها في المحكات المصيرية، وتتبنى بجرأة كل ما يهم قطاع غزة، بشكل يتناسب مع مصالحها، وليس وفقا لرؤية يائير لابيد الذي يريد تحويل مصر إلى شرطي لحماية إسرائيل، فإدارة غزة صعبة وحولها هواجس وشكوك واتهامات وانتقادات، لكنها يمكن أن تتحول إلى فرصة لمصر وفلسطين معا، فلن يستطيع أحد أن يزايد على أهداف القاهرة، ولن تضيع القضية الفلسطينية طالما بقيت في حوزة الدولة المصرية.

ولن يستفيد الفلسطينيون من استمرار سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، بل سوف يصيبهم المزيد من الضرر، والسلطة الفلسطينية تقف عاجزة عن القيام بالمهمة، وإسرائيل وبنيامين نتنياهو واليمين المتطرف منشغلون بطموحاتهم التي لا تنتهي، وأغلبيتها تريد تصفية القضية الفلسطينية، ولم تعد مقولة إلقاء غزة في البحر قائمة، فقد حولها ترامب إلى مشروع استثماري قد تتكالب عليه شركات عقارية مختلفة.

وينهي إسناد مسؤولية غزة إلى مصر فكرة التوطين تماما، ويضمن عدم مبارحة سكان القطاع أرضهم، ويوقف زحف مقترحات ترامب، ويضمن تأييدا إقليميا ودوليا، ويضع حدا لطموحات إسرائيل، لأن مصر الأمينة على غزة سوف تكون أمينة أيضا على الضفة الغربية، وبالحفاظ على ركائز القضية الفلسطينية.

◙ مصر تواجه أزمات إقليمية على أكثر من جبهة، وقد تكون جبهة غزة هي المقدمة التي تتولى تفكيك معظمها وحلها أو الحد من مخاطرها

ويرى مصريون في هذا الاتجاه محنة، وهو كذلك إذا لم يتم التفكير بصورة مختلفة، لكن يمكن أن يتحول إلى منحة تنهي بها مصر قصة توطين فلسطينيين في أرضها، وتصبح مسؤولة عن إعادة هندسة قطاع غزة بما يحقق مصالح سكانه وهم راسخون على أرضه، وإيجاد فرص استثمارية لشركات مصرية لديها خبرة في البناء والتعمير.

وأي رؤية مصرية عملية لغزة لن تجد لها منافسين، على العكس ستجد من يدعمونها عربيا وأوروبيا، وإذا كان تمويل إعادة الإعمار مسألة مبهمة حاليا فلأن الخطة المصرية التي رسمت ملامحها سابقا تعتمد على إجهاض مقترح ترامب وتقديم بديل عنه، وليكن هذا البديل منتجا ويستند إلى طريقة غير تقليدية، ويحظى باطمئنان الجهات المتوقع أن تتولى التمويل عن اقتناع.

إن الإعمار هو جزء من خطة تستطيع مصر أن تحولها إلى عملية سياسية ذات فوائد إستراتيجية، عندما تؤدي إلى استتباب الأمن والاستقرار ووضع نواة صلبة لدولة فلسطينية، تبتعد عن الخطط السياسية المعلنة التي تريد إعدام فرصتها.

وتواجه مصر أزمات إقليمية على أكثر من جبهة، وقد تكون جبهة غزة هي المقدمة التي تتولى تفكيك معظمها وحلها أو الحد من مخاطرها، إذا نجحت القاهرة في تجاوز المطبات الإسرائيلية، وأقنعت الرئيس ترامب بقدرتها على تحمل مسؤولية غزة، خاصة أن الرجل معجب بما يصفه بالأفكار التي تأتي من خارج الصندوق.

وتأتي مسؤولية مصر تجاه غزة من داخل الصندوق لأنها ليست بجديدة عليها، حيث تولت المهمة بين عامي 1948 و1967، ولها خبرة طويلة معها، ولم يضجر الفلسطينيون أو يقولوا إن مصر كانت شرطيا لإسرائيل، فالتجربة بحلوها ومرها تعزز الاقتناع بأهمية الدور المصري في هذه المرحلة التي تنعدم فيها الخيارات أو تبدو محدودة، في ظل تنامي دور اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وإسرائيل.

إن ما يجعل هذه المسؤولية من خارج الصندوق هو طبيعة التطورات المتسارعة والأجواء الغامضة التي تحيط بالقضية الفلسطينية وتربص نتنياهو وترامب بها.

1