فراغ مؤسساتي غير معلن في الجزائر: من يخلف رئيس مجلس الأمة

الجزائر- لا زال خليفة رئيس الغرفة العليا للبرلمان (مجلس الأمة) يثير التساؤلات في الجزائر، بسبب التأخير في الإعلان عن تنصيب الرئيس الجديد للهيئة، بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي صالح قوجيل، وحتى عدم تنصيب الأعضاء الجدد، الأمر الذي يرجّح فرضية عدم وجود إجماع لدى دوائر القرار حول هوية الخليفة، خاصة وأنه يحمل صفة الرجل الثاني في الدولة بموجب الدستور، وهو الذي يقود البلاد لفترة انتقالية في حالة حدوث شغور رئاسي قسري.
ويستمر الغموض حول هوية الرئيس الجديد لمجلس الأمة الجزائري بسبب التأخر اللافت في انتخاب خليفة الرئيس الحالي المنتهية ولايته صالح قوجيل، وهو ما يعطل حتى تنصيب الأعضاء الجدد الذين أفرزتهم انتخابات التجديد النصفي التي جرت خلال شهر مارس الماضي، أو الذين عينهم الرئيس عبدالمجيد تبون، في إطار ما يعرف بـ”الثلث الرئاسي”.
ويصب التأخير الذي أفضى إلى فراغ مؤسساتي غير معلن، في فرضية غياب الإجماع لدى دوائر السلطة، حول هوية الرئيس المنتظر، قياسا بوزنه في مفاصل الدولة ودوره في تحقيق التوازن أمام إمكانية ميلان الكفة داخل الغرفة النيابية لصالح سيناتورات الأحزاب، رغم أن أغلبيتها تنحدر من معسكر الموالاة.
◄ المحكمة الدستورية قد قضت شهر ديسمبر الماضي، بحكم وصف بـ"المفاجئ"، قضى بعدم التجديد لقوجيل مستندا في ذلك لما أسماه، بـ”البند 122 من الدستور
وتتردد العديد من اللوائح والأسماء، سواء بالنسبة إلى ما يعرف بـ”الثلث الرئاسي”، أو رئيس الهيئة، لكن السلطة تفضل الصمت إلى حد الآن، رغم دخول الهيئة في حالة فراغ، ومرور أربعة أشهر على نهاية ولاية الرئيس الحالي، وحوالي شهرين على انتخابات التجديد الجزئي.
واكتفى الرئيس تبون بالإعلان عن تعيين ستة أعضاء في الثلث المذكور، منهم وجوه حزبية، كمحمد الغوتي من جبهة المستقبل، ووجوه مستقلة، على غرار الضابط المتقاعد والقاضي في المحكمة العسكرية بالبليدة بلقاسم بوخاري، في انتظار استكمال النصاب الذي يسمح بانتخاب رئيس الغرفة، ولو أنه في الغالب يتم بإيعاز فوقي لترجيح كفة شخصية معينة تحقق الإجماع لدى دوائر السلطة.
ورغم انتهاء عهدته، يواصل صالح قوجيل، البالغ من العمر 94 عاما، ممارسة مهامه على رأس المجلس، استنادا إلى المرسوم الرئاسي الصادر سنة 2019 عن الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، الذي حدد مدة العهدة بست سنوات.
ويعد قوجيل من الحرس القديم في النظام السياسي الجزائري، فهو أكبر المسؤولين سنا في البلاد، الأمر الذي يطرح انتقادات المعارضين السياسيين، والمعلقين في مواقع التواصل الاجتماعي، حول مسائل التغيير والتداول على السلطة، وموعد تحقيق شعار تسليم المشعل للجيل الجديد الذي تتغنى به السلطة.
وعلى الرغم من صدور النتائج النهائية لانتخابات التجديد النصفي ونشرها في الجريدة الرسمية بتاريخ 19 مارس 2025، إلا أن المجلس لم يعقد بعد جلسة علنية لتنصيب النواب الجدد، بسبب غياب رئيس جديد للمجلس يشرف على مراسيم التنصيب.
وكان قوجيل، قد ترأس منتصف شهر مارس الماضي، جلسة علنية خُصصت لإجراء قرعة لتجديد نصف عدد أعضاء المجلس عن الولايات العشر الجديدة، وذلك استناداً إلى رأي المحكمة الدستورية الصادر في 5 فبراير بشأن تفسير مواد الدستور المتعلقة بمسار التجديد النصفي.
◄ غياب الإجماع حول رئيس مجلس الأمة، خاصة أنه هو من يقود البلاد لفترة انتقالية في حالة حدوث شغور رئاسي
وتستحوذ أحزاب السلطة على الأغلبية داخل مجلس الأمة، بينما لا تملك الأحزاب الأخرى إلا أقلية محدودة جدا، كما هو الشأن بالنسبة إلى جبهة القوى الاشتراكية أو الإسلاميين، ويعتبر مصفاة تشريعية لوقف أيّ نصوص لا ترضى عنها السلطة، من طرف المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى) التي يتوسع فيها التمثيل إلى قوى وأحزاب أكبر عددا.
وكانت المحكمة الدستورية، قد قضت شهر ديسمبر الماضي، بحكم وصف بـ”المفاجئ”، قضى بعدم التجديد لقوجيل مستندا في ذلك لما أسماه، بـ”البند 122 من الدستور، الذي ينص على أن عهدة عضو مجلس الأمة لا تتجاوز ست سنوات، ولا يجوز لأيّ عضو أن يتولى أكثر من عهدتين، سواء متتاليتين أو منفصلتين”، ما يضع وضعية صالح قوجيل في خانة عدم الشرعية بعد نهاية عهدته.
وقد تم تبليغ هذا القرار إلى السلطات العليا في الدولة، بما فيها رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس الشعبي الوطني والوزير الأول، ما جعل استمراره في المنصب موضع تساؤلات قانونية ودستورية.
وشغل قوجيل، المنحدر من حزب جبهة التحرير الوطني، سابقا عضوية المجلس الشعبي الوطني خلال العهدة التشريعية 2007 – 2012، قبل أن يُعين عضواً في مجلس الأمة سنة 2013، ويجدد له العهدة في 2019، ليترأس المجلس بالنيابة في أبريل من نفس السنة، ثم يُنتخب رئيساً له في فبراير 2022 لمدة ثلاث سنوات.
ويتكون المجلس من 174 عضوا، يُنتخب ثلثاهم عن طريق الاقتراع غير المباشر من أعضاء المجالس المحلية، في حين يُعين رئيس الجمهورية الثلث الأخير، وهو الوعاء الذي يتم منه عادة اختيار رئيس المجلس.