فخ المقارنات يحرج الحكومة المصرية

القاهرة - تحاول الحكومة المصرية ودوائر قريبة منها التخفيف من وطأة الأوضاع الاقتصادية عبر التركيز على عوامل وإخفاء أخرى سلبية والانغماس في المقارنات مع دول يمكن تصنيفها على أنها فاشلة اقتصاديًا، ما يستهدف توصيل رسائل مفادها أن ما تمر به البلاد حاليا أفضل حالاً من دول أخرى تعاني أزمات أكبر.
واستغرق وزير المالية محمد معيط السبت في رصد إيجابيات الحكومة مع قرار مؤسسة ستاندرد آند بورز الإبقاء على التصنيف الائتماني لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية كما هو دون تعديل عند مستوى (B).
وكان التقرير محل إشارة أيضا من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خلال مؤتمر صحافي عقده في العاصمة الإدارية (شرق القاهرة) نهاية الأسبوع الماضي.
وتجاهلت الحكومة ذاتها تقريرا آخر أصدرته قبل أسبوعين مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني وأشارت فيه إلى أن “الجنيه المصري سيظل تحت ضغط في مواجهة الدولار خلال 2023، بسبب الالتزامات المالية الخارجية على البلاد”.
ولم يركز وزير المالية على الأسباب التي أوردتها مؤسسة ستاندرد آند بورز للإبقاء على التصنيف الائتماني دون تعديل، إذ أرجعت السبب إلى “الدعم المالي الجديد من صندوق النقد الدولي وهيئات دولية أخرى سوف تساعد الحكومة المصرية على حل الأزمات التمويلية على المدى القريب”.
وتسير وسائل إعلام محلية على النهج ذاته، إذ أنها تسلط الضوء على تجارب اقتصادية إما فاشلة للتأكيد على أن الدولة ما زالت تحصد مكاسب ، ما يبرز عبر مقارنة بعض الإعلاميين بين الحالتين المصرية واللبنانية، أو إبراز تجارب دول حققت نجاحات بعد أن طبقت إصلاحًا اقتصاديا، وتتغافل ذكر دولة مثل باكستان لديها نفس ظروف مصر تقريبًا وتعجز عن حل أزمتها الاقتصادية.
ولدى باكستان تاريخ طويل مع برامج الإنقاذ الاقتصادي لصندوق النقد الدولي الضرورية لمعالجة أزمات ميزان المدفوعات الخاص بها والاختلالات الاقتصادية الهيكلية، وترجع الأزمة الرئيسية للدولة التي تقع في قارة آسيا في اعتمادها على الواردات وافتقادها إلى سلة تصديرية تنافسية للسلع ذات القيمة المضافة الأعلى.
ويشير مراقبون إلى أن الحكومة والدوائر الإعلامية القريبة منها يقعان في فخ المقارنات التي تكون لديها عوائد سلبية، وقد تضع الحكومة في موقف محرج إذا ما أدرك الجمهور أنها تعمل على تزييف الواقع وخلق صورة إيجابية مؤقتة، وفي حال الفشل من جديد فإن كلامها لن يجد صدى لدى المواطنين، مثلما هو الحال الآن.
ومن وجهة نظر هؤلاء المراقبين تبدو الحكومة كمن يحرق نفسه دون قصد، لأن المواطنين ينتظرون عوائد المقارنات والتصريحات عليهم، وحال لم تتحقق فالسخط الشعبي سيكون أكثر حدة، وعليها البحث عن مبررات جديدة لتقديمها دون أن تحافظ على قدر من الثقة بينها وبين فئات ما زالت ترى أنه بالإمكان إحداث إصلاح شامل شريطة الاعتراف بالأزمة الراهنة وتعريف المواطنين بالسبل السليمة لمواجهتها.
وقال وزير المالية المصري إن تقرير ستاندرد آند بورز أبقى على النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر، ما يعد شهادة ثقة دولية جديدة بأن الاقتصاد بدأ في التعافي من تداعيات الظروف العالمية والمحلية الاستثنائية العام الماضي، والتي تتشابك فيها تبعات الحرب في أوروبا مع الآثار السلبية لكورونا.

ونجحت القاهرة في التعامل مع الظروف العالمية بقرارات وإصلاحات متوازنة لضمان استقرار الوضع الاقتصادي، وأن مستقبل الاقتصاد المصري مستقر، في ظل الالتزام بوتيرة الإصلاح المدعوم من صندوق النقد الدولي باتفاق يمتد إلى 48 شهرًا؛ مما يسمح بوجود آفاق للنمو الاقتصادي خلال السنوات المقبلة.
وقال نائب رئيس حزب تيار الكرامة (معارض) عبدالعزيز الحسيني إن نجاح الحكومة يرتبط بترتيب وضعها مع صندوق النقد للحصول على قرض جديد يساعدها على تفادي المشكلات المحيطة بالعملة المحلية، ويمكن القول إنها نجحت في المرور من مرحلة صعبة، لكنه نجاح مؤقت. كما أن الحصول على تمويلات من دول وهيئات عالمية يحمل أبعادا سياسية، وليس ممكنا الإشارة إلى تحقيق نجاح اقتصادي ملموس.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة بحاجة إلى الشفافية والاهتمام بأدوات الخروج من المأزق الحالي وليس الاستمرار في سياسات الدعاية الإعلامية التي كان لها تأثير سلبي على ثقة المواطنين في الحكومة، كذلك في وسائل الإعلام، وأن الانحياز لوجهة نظر واحدة والافتقاد إلى المهنية المطلوبة في مثل هذه الظروف يسهمان في زيادة السخط الشعبي ضد الحكومة باعتبارها مسؤولة عما يتم الترويج له.
ودائماً ما تركز الحكومة على زيادة معدلات النمو والمقارنة مع دول لا تحقق نفس المعدلات للتأكيد على سيرها في الطريق السليم، غير أن ذلك لم يعد مقنعًا لأنها حينما أبرزت المعدلات التي تخطت الأعوام الماضية حاجز 7 في المئة صدمت المواطنين بمشكلات تتعلق بانخفاض قيمة الجنيه وزيادة معدلات التضخم نتيجة الارتفاعات المستمرة للأسعار ولم تحقق معدلات النمو نتائج إيجابية تنعكس مباشرة عليهم.
وأكد خبير الاقتصاد السياسي كريم العمدة أن الاعتماد على المقارنات جزء من ثقافة المصريين الذين تكون لديهم رغبة في التعرف على أوضاع فئات أخرى تقترب منهم في نفس الظروف التي يمرون بها، وتعد ظاهرة اجتماعية، لكن حينما يتعلق الأمر بالاقتصاديات فإن ذلك بحاجة إلى عدة معايير وقواعد لتكون المقارنة عادلة.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أنه لا يمكن مثلاً المقارنة بين الدول المصدرة للبترول ودول أخرى ليس لديها عوائد من الموارد الطبيعية، كما أن عدد السكان يعد عنصرا مهما وكذلك الظروف والأوضاع السياسية، بالتالي فإنه لا يمكن المقارنة بين مصر ولبنان لأن ظروف كل دولة تختلف عن الأخرى بشكل كبير، ولا تصلح المقارنة مع دولة مثل تركيا تتواجد في قلب أوروبا ويشكل استقرارها عاملاً مهماً لاستقرار القارة.
ولفت إلى أن إقدام الحكومات على إبراز أرقام المؤسسات الائتمانية الدولية التي تكون نتائجها إيجابية وإغفال ما يشير إلى وضعية سلبية أمر تطبقه بعض الأنظمة وليس حكراً على مصر، تحديداً الأنظمة الشمولية، بل إن بعض الدول مثل تركيا تقوم بشراء مؤسسات ائتمانية دولية وتطويع نتائجها لخدمة الصورة العامة لاقتصادها، فيما يتهم الرئيس رجب طيب أردوغان المؤسسات الأخرى بتسييس نتائجها.