فخ الأيديولوجيا
عندما يجد شعب من الشعوب نفسه في وضع عصيب، يتساءل عن الحلول، ويتجه بأنظاره إلى منقذين يبشرونه بالحل. قد لا يملكون الحقيقة كاملة، ولكنّ لهم قناعة راسخة بأنها طوع أيديهم. هؤلاء هم مبتكرو المعنى كما يقول أستاذ العلوم السياسية الأميركي روبرت رايش، ومنتجو الأيديولوجيا، وينقسمون على مرّ التاريخ إلى فئتين: مثقفون، وزعماء سياسيون.
وأيا ما يكن تأثير هذه الفئة على تلك، فإن ما يجمعهما أو يفرقهما هو الأيديولوجيا. فالمثقف المنظّر يحتاج إلى من يضع فكرته موضع تطبيق، والسياسي يحتاج إلى من يهديه إلى ما يعتقد أنها السبيل القويمة. ذلك أن الأيديولوجيا ليست فقط فكرة أو مشروعا أو مثلا أعلى، بل هي أيضا حركة سياسية، ومعركة تدار في الغالب ضد أيديولوجيات أخرى.
هذه الرؤية لا تعدو منطقية ولكن لها حدودها، وقد أثبتت التجارب ألا وجود لحل وحيد، وإن فُرض آل إلى نتائج وخيمة. فعندما يواجه مجتمع من المجتمعات أزمات حادّة، غالبا ما تُطرح أمامه سلسلة من الحلول يختار منها الأنسب، كما هي الحال عند اندلاع الثورة الفرنسية، حيث شمل الرد على المشاكل عدة حلول، متناقضة أحيانا ومتصارعة في أغلب الأحيان، تراوحت بين بقاء الوضع، والرجعية، والإصلاح، والثورة، والطوباوية، والمنقذ.
ومن ثَمّ، فإن الداعين إلى فرض هذه الأيديولوجيا أو تلك كحلّ لمشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والبيئية، إنما يريدون إيقاعنا من جديد في فخّ الأيديولوجيا، التي تثبت وقائع التاريخ، البعيد والقريب، جوانبها التوتاليتارية، حتى وإن تجملت بالديمقراطية.
كاتب من تونس مقيم بباريس