فخامة الفراغ اللبناني.. والمحاذير

الخطر الحقيقي هو أن ينتقل الجمود السياسي بعد تعثر انتخاب رئيس جديد إلى نيران تشعل الشارع اللبناني المتضارب والمنقسم أصلاً بفعل الغضب وحينها من الذي يمكنه أن يضمن بقاء النار تحت الرماد.
الاثنين 2022/11/07
انتهاء "العهد"

ليست المرة الأولى التي يعيش فيها قصر بعبدا اللبناني الفراغ الرئاسي دون أفق محدد بانتظار سيده الجديد بعد انتهاء ما يتعارف عليه اللبنانيون بـ”العهد”، وهي مدة حكم الرئيس السابق ميشال عون، والتي عانت منها الرئاسة الثانية (الحكومة) كذلك، وقد لا تكون الأخيرة مستقبلاً في ظل نظام محكوم بالطائفية في كافة تفاصيل الحياة السياسية وغيرها على امتداد رقعة البلد الصغير بمساحته التي تبلغ 10452 كيلومترا مربعا، والكبير بهمومه ومصائبه وأزماته الخانقة التي جعلت أغلب شبابه يعيشون الرغبة بالهجرة كحلم وحيد.

مع وضع اقتصادي رسخ الجوع في حياة أغلب فئات الشعب وتوازنات طائفية هشة، قد يؤدي أي خلل فيها إلى استعادة كابوس الحرب الأهلية (1975 – 1990) مجدداً، والتي على غرار جميع الحروب الداخلية تنسحب آثارها على المستقبل وتحتاج إلى وقت طويل للخلاص منها إذا كان ذلك ممكناً، وانهيار تام في سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار، وعدم وجود أي فرصة للتوافق وغياب دولي شبه تام جراء اليأس من وضعه، وعدم وجود جهة رسمية أو سلطة فاعلة تقف على مسافة واحدة من الجميع ويمكن الاعتماد عليها لتحقيق نقلات جديدة، فإن الموازنة بين مرشحين رئاسيين ينتميان إلى عائلتين عريقتين في السياسة اللبنانية هما ميشال معوض ابن الرئيس اللبناني الأسبق رينيه معوض، الذي اغتيل جراء تفجير في العام 1989 بعد انتخابه رئيساً بـ17 يوماً، وسليمان فرنجية الذي تعرضت عائلته لإبادة شبه تامة نجا منها بأعجوبة عندما كان بعيداً عن مكان الهجوم الذي عرف باسم “مجزرة إهدن” في العام 1978.. حكايات ومناكفات وتصادم سياسي قد يدفع الجميع ثمنها بعد فشل التوافق على تأمين النصاب الكافي في مجلس النواب لانتخاب ميشال معوض، فضلاً عما يشكله ذلك من مضاعفة الجمود الذي يعيشه لبنان ما بين رئاسة أولى شاغرة وحكومة أمر واقع تنحصر مهمتها بتصريف الأعمال، واستمرار الخلافات والتوجهات، وكلٌ يرى لبنان من جانبه.

◘ مع وضع اقتصادي رسخ الجوع في حياة أغلب فئات الشعب وتوازنات طائفية هشة، قد يؤدي أي خلل فيها إلى استعادة كابوس الحرب الأهلية (1975 – 1990) مجدداً

ولاءات متشعبة ومتداخلة ومتضاربة تعكس حال البلد الذي لم يتمكن من الوقوف كما يجب رغم كافة المحاولات منذ اتفاق الطائف في العام 1989، إذ بقي أسيراً لكل ما يتعارض وبناء دولة حديثة ولم يعد ما قامت عليه دولة لبنان الكبير مناسباً بعد أكثر من 100 عام على تأسيسها.

مصلحة لبنان بكل معاناته وقراره المسلوب داخلياً وخارجياً تقتضي تغليب مصلحته واستقراره قدر الإمكان بعيداً عن حوانيت السياسة وبازاراتها بضريبتها الغالية التي أنتجت أمعاء خاوية وآلاماً ومعاناة فوق طاقة الشعب اللبناني على تحملها، وهو الشعب الذي يشير الواقع إلى تجييش طائفي كبير في فئاته إلى درجة التصادم. لكنه يتقاسم المعاناة وعقم السلطة ومفرزات النظام اللبناني المعمول به. ورغم كل ذلك فهو لم يشكل محفزاً لتغيير الآليات يوماً في بلد طالما كان منارة في المشرق بعلومه وفنه وأدبه وانفتاحه قبل أن يؤسس لخرابه منذ أن تم اختياره مقراً لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتلك حكاية أخرى مع التاريخ الذي قد لا يجدي تناوله إلا لأخذ الحكم والعبر بعد أكثر من نصف قرن على سوق البلد إلى سكة التدمير والحرب الأهلية وما سببته منذ قرابة نصف قرن وحتى إشعار آخر، ولم تفلح خلالها كافة محاولات ترميم الجروح كما يجب، وأنتجت دولة شبه فاقدة للمناعة وسريعة التأثر بالأحداث داخلياً وإقليمياً ودولياً.

الكثير من أسباب الظروف المدمرة في لبنان تحدث عنها مئات وآلاف من الإعلاميين والمحللين كثيراً، وباتت معروفة للجميع، وقد لا يكون في تكرارها فائدة ترجى، لكن على وقع المآسي والحاجة فإن الخطر الحقيقي هو أن ينتقل الجمود السياسي بعد تعثر انتخاب رئيس جديد، إلى نيران تشعل الشارع اللبناني المتضارب والمنقسم أصلاً بفعل الغضب، وحينها من الذي يمكنه أن يضمن بقاء النار تحت الرماد دون أن تأتي على ما تبقى من أحلام اللبنانيين، وخاصة شبابهم الذين تضيق أمامهم الدنيا في وطنهم وتحول الكثير من الأسباب دون حصولهم على “تذكرة باتجاه واحد”، وقد تبددت جميع آمالهم في أي تغيير يمكن أن ينعكس على مستواهم المعيشي نحو الأفضل.

8