فجوة رقمية تزيد معاناة سكان غزة

غزة – وسط الثورة التكنولوجية التي يُبشّر بها الجيل الخامس من الاتصالات، مازال قطاع غزة غارقا في ظلام رقمي، مستخدما تقنية الجيل الثاني التي تجاوزتها الأحداث في العالم الخارجي.
وتمنع إسرائيل إدخال الأجهزة اللازمة لبناء شبكات الجيل الثالث في غزة، حيث مازالت شركتا الاتصالات الخلوية العاملتان في القطاع تقدّمان خدمات الجيل الثاني في تزويد مشتركيها بالإنترنت.
وتتيح الشركتان للفلسطينيين شراء باقات وحزم إنترنت ضمن سرعات محدودة وأسعار مرتفعة، لاستخدام هواتفهم الذكية في الأماكن العامة التي تخلو من وجود الإنترنت الثابت.
ويشكو الفلسطينيون من عدم فاعلية تلك الباقات في تنفيذ الأعمال المختلفة عن بعد، حيث يقتصر اعتمادهم عليها على إرسال واستقبال الرسائل القصيرة واستخدام بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي.
كما يقول مسؤولون إن حرمان غزة من تقنيات الجيل الرابع والخامس يخلق فجوة رقمية كبيرة تمنع من النمو الاقتصادي في كافة القطاعات التكنولوجية والصناعية والحيوية.
وسط الثورة التكنولوجية التي يُبشّر بها الجيل الخامس من الاتصالات، مازال قطاع غزة يستخدم تقنية تجاوزتها الأحداث
وفي 2018 بدأت الضفة الغربية باستخدام تقنية الجيل الثالث (3G) على أجهزة المحمول، بعد مرور 11 عاما من المطالبات والمفاوضات للحصول على هذه الخدمة.
ويعتمد الفلسطينيون في منازلهم على الإنترنت الواصل من شركة الاتصالات (الأرضية) الوحيدة في القطاع، أو على بعض الأشخاص الذين يزوّدونهم بخطوط إنترنت مأخوذة أصلا من الشركة.
كما يشتري البعض باقات ورقية يتم بيعها في المحال التجارية والشوارع بقيمة متدنية لاستخدام الإنترنت في الأماكن العامة التي تدعمها تلك الباقات، أو لضمان وصولها إلى المناطق المهمشة.
وتلجأ بعض العائلات الفقيرة المحرومة من خدمة الإنترنت المنزلية الدائمة إلى التعامل مع تلك الباقات زهيدة الثمن، للوصول إلى الخدمات التي تريدها بشكل مؤقت وفق حاجتها.
لكن تلك الباقات بالكاد تمكّن المشتركين من تبادل الرسائل فيما يعجزون عن استخدام المتصفحات أو برامج المحادثات المرئية والمسموعة لاستكمال أعمالهم أو القيام بواجباتهم.
ويقول عزيز أبونجيلة (شاب فلسطيني يبيع تلك الباقات) إنه “بدأ ببث إشارة الإنترنت وبيع الباقات الورقية منذ نحو ثلاث سنوات”.
وأضاف أن “هذه الباقات توفّر الخدمة اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية للفلسطينيين الذين لا تصلهم الخدمة، أو الراغبين في استخدام الإنترنت في الشارع”.
ويوضح أن إصدار هذه البطاقات في العادة يكون إما عبر شركات متخصصة أو عبر أفراد.
وبدورها تقول الفلسطينية ريم عفانة إنها تنتظر اليوم الذي ترى فيه إشارة تردد الجيل الثالث على هاتفها الذكي، ما يتيح لها القيام ببعض أعمالها في الخدمات الإلكترونية في الخارج.
وتضيف عفانة أن “غزة تبعد عن العالم الرقمي الجديد مسافات كبيرة، وهناك ضرورة ملحة للحاق بالركب الرقمي العالمي”.
وتوضح أنها تعاني كثيرا بسبب الإمكانيات الضعيفة التي توصل إليها خدمة الإنترنت على جهازها النقّال، خاصة أثناء ضغط العمل أو في أوقات الحروب التي تفقد فيها الخدمة بشكل شبه كامل.
وقال زياد الشيخ ديب، مدير عام التراخيص في وزارة الاتصالات الفلسطينية بغزة، إن “القطاع مازال يعمل بالجيل الثاني في ظل التكنولوجيا العالمية والوصول إلى الجيل الخامس”.
ويبين الشيخ ديب أن هذه الفجوة الرقمية التي يعاني منها القطاع “لا تؤثر فقط على المجال التكنولوجي، إنما ألقت بظلالها السلبية على القطاع الاقتصادي والصناعي كاملا”.
وأردف “تقنيات الجيل الخامس توفّر سرعات مهولة لإجراء وتوفير الخدمات الإلكترونية والمالية لشركات البرمجة، هذه التقنية تدفع نحو النمو الاقتصادي في البلاد التي تعتمد عليها في جميع القطاعات”.
وأوضح أن القطاعات الاقتصادية والصناعية في الخارج تعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا التي أصبحت المطوّر الأول لها.
وأرجع الشيخ ديب الفجوة الرقمية إلى “الاحتلال الإسرائيلي وحصاره المتواصل (المفروض) على قطاع غزة للعام السادس عشر على التوالي”.
وبيّن أن تشديد الحصار الإسرائيلي ومنع استخدام تقنيات الجيل الثالث وما جاء بعده في غزة يهدف إلى “منع النمو الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية”.
ولفت المسؤول في وزارة الاتصالات إلى وجود تخوّف إسرائيلي من حدوث “انفراجة في الاقتصاد الفلسطيني”.
وذكر أن الحصار حرم الفلسطينيين في غزة من أدنى “الاحتياجات إلى التكنولوجيا في قطاع الهاتف الخلوي، وحجب عنهم التطورات التكنولوجية في هذا السياق”.
واستكمل قائلا “في غزة لدينا كفاءات وموارد بشرية وخريجون قادرون على العمل ضمن مستوى دولي من خلال منصات العمل عن بعد؛ لكنهم يحتاجون أساسا إلى بنى تحتية تكنولوجية قوية”.
وطالب الشيخ ديب الاتحاد الدولي للاتصالات والأمم المتحدة بـ”وقف الإجراءات الإسرائيلية التي تخلق فجوة رقمية بين قطاع غزة والعالم”.
ويرى سلطان جحا، المختص في الإعلام الرقمي، أن غياب تقنيات الإنترنت الحديثة تسبب في “استنزاف الوقت والجهد لكافة العاملين في المجالات التي تحتاج إلى هذه الشبكة في كافة الأوقات والأماكن”.
وقال جحا “نعاني من عدة تعقيدات رقمية، حيث لا يكتفي الاحتلال بمنع وصول التقنيات الحديثة إلى غزة، وإنما نعاني أيضا من تردي البنى التحتية الخاصة بقطاع الإنترنت، إذ يتم منع تطوّرها”.
ويوضح أن غياب هذه التقنيات أثر بشكل سلبي على “أداء الصحافيين والنشطاء بشكل خاص، الأمر الذي بات يشكّل عبئا كبيرا عليهم”.
إسرائيل تمنع إدخال الأجهزة اللازمة لبناء شبكات الجيل الثالث في غزة، حيث مازالت شركتا الاتصالات الخلوية العاملتان في القطاع تقدّمان خدمات الجيل الثاني في تزويد مشتركيها بالإنترنت
ومن الناحية القانونية يشير جحا إلى أن الحصول على “خدمة الإنترنت حق مكفول بالقانون الدولي”.
وتابع “مازال الفلسطينيون في غزة يستخدمون الجيل الثاني، وسط ثورة رقمية تحدث في العالم الخارجي، والتوجّه نحو رقمنة الحياة بشكل كبير”.
واستكمل قائلا “التطبيقات الرقمية أصبحت جزءا من الحياة، لكن الاحتلال مازال يعيق الوصول إلى تلك التطبيقات ويصعّب الحياة على الغزيين”.
وأردف المسؤول الفلسطيني “التكنولوجيا حلت العديد من المشاكل، لكننا نعجز عن الوصول إليها”. وطالب الجهات الدولية بالضغط على إسرائيل لإلزامها بتمكين الفلسطينيين من الحقوق المكفولة دوليا.
وأقرّ بوجوب تشكيل أداة ضغط على المجتمع الدولي كي يلزم إسرائيل بإدخال تلك الخدمات إلى غزة.
كما دعا جحا وزارة الاتصالات الفلسطينية إلى “بذل المزيد من الجهود لفضح الانتهاكات الإسرائيلية في المحافل العربية والدولية وتقديم شكاوى إلى المحاكم ذات الاختصاص”.
وأشار إلى أن السلطات الإسرائيلية “تمنع وصول معدات وخدمات وتقنيات الإنترنت الحديثة إلى غزة بدعوى أنها مزدوجة الاستخدام”.