فتيات مصريات يقاومن الأزمات النفسية بالكتابة والكلام

طريقة العلاج بالسيكودراما والحكي والكتابة بدأت تنتشر في مصر وتقبل عليها النساء والفتيات من خلال الورش المشجعة التي تجيد تعليم تقنياتها الخاصة كوسيلة للاستشفاء.
الثلاثاء 2018/10/30
بعض الحلول تستحق المحاولة

القاهرة – انتشرت حول العالم العديد من الطرق غير التقليدية لتحسين مزاج الإنسان وخلق بيئة صالحة وإيجابية لمواجهة معاناته، وكان أحد أنجح الطرق في العصر الحديث العلاج بآليات نفسية خاصة، أهمها العلاج بالسيكودراما والحكي والكتابة.

وبدأت هذه الوسيلة تنتشر في مصر مؤخرا، وأقبلت عليها النساء والفتيات وانتشرت بعض الورش المشجعة التي تجيد تعليم التقنيات الخاصة وتطبيقها، واتجهت مجموعات مثل “بصي”، وجلسات “احكي يا نون”، ومجموعة “بيت الحواديت” إلى استخدام الحكي كوسيلة للاستشفاء،  وتخطي أحداث العنف.

 

مازالت كيفية تخطي الأزمات النفسية أكثر اللوغاريتمات البشرية تعقيدا، ومع تغير العصر وزيادة الضغط اليومي والتعقيدات يعمل المختصون في العلاج النفسي على البحث على أدوات متطورة تواكب التحولات الراهنة وتساعد في التخفيف من وطأة المتاعب النفسية على حياة الفرد وعلى أسرته.

وأحدث انتشار هذه المجموعات تغيرا اجتماعيا ملموسا في نفسية من شارك فيها، وساهم التغير الذي يفرضه أسلوب الحكي والكتابة والتمثيل والدراما في تصحيح السلوكات التي تطغى على الشخص أثناء أزماته الأسرية.

ويعتمد أصحاب تلك المجموعات على فلسفة أن حكي القصص عن طريق السرد أو الكتابة أو الدراما أسلوب فطري في التفاعل والتواصل، بدءًا من الرسومات الموجودة على جدران المتاحف والمعابد، إلى الحكايات الشفهية التي تنقل من جيل إلى جيل، وحتى القصص الرقمية الموجودة على منصات التواصل الاجتماعي.

ويعكس الحكي طبيعة الهوية، ويسمح بالتقاط القصص وتسجيلها والمشاركة فيها، ما يضفي معنى للخبرات التي يعيشها الإنسان. وأثبتت دراسات علمية حديثة الأثر الإيجابي الدائم للحكي والكتابة وغيرهما على الصحة الجسدية والنفسية. وأوضح عالم النفس ريك واري أن المشاركة بقصة يمكن أن تساعد الآخرين في إيجاد الراحة، فقد تتشابه صراعاتنا الشخصية واليومية مع بعضنا، ومعرفة أنك لست وحدك في ما تمر به يمكن أن يقلل من حدة الألم والمعاناة، كما أن مشاركة القصص تعني أيضاً مشاركة الخبرات، وتنتقل خبرة التعامل مع المشكلة والحكمة منها من شخص عاشها بالفعل إلى شخص لا زال يعايشها.

وأكدت سارة حرب، 30 عاما، أنها تعرفت على هذه الطريقة العلاجية للمشكلات النفسية للمرة الأولى أثناء عرض حكي ضمن فعاليات اليوم العالمي للسلام عام 2016، فانبهرت بالعرض وشعرت بحماس شديد تجاهه، وواصلت متابعة مجموعة “بيت الحواديت” المنظمة للعرض، إلى أن أعلن عن فتح باب الانضمام لورشة جديدة.

وتقول سارة لـ”العرب” إنها انضمت مؤخراً لمجموعة “بيت الحواديت” في مدينة الإسكندرية، وقدمت عددا من العروض تناولت فيها جوانب من تجاربها الشخصية، أبرزها انفصالها عن خطيبها وتجربتها السلبية في علاقتها به. وأضافت أن “الحكي من أكثر الأدوات التي تشعرك بأنك أمام متنفس حقيقي، كما أنه يساعد على تفريغ الطاقة السلبية، فكلما رويت أكثر حكاية ما، زاد تقبلك لها، وفي المرة الأولى تخرج القصة كأنها جزء من روحك، لكن بزيادة مرات الحكي، تزيد إمكانية التعامل مع الموقف حتى يتحول كما لو كان مشهدا في فيلم أو قصة تعاطفت معها لفترة ثم تجاوزتها”.

وكانت أول حكاية لسارة تتعلق بالمشاهد الأخيرة في انفصالها عن خطيبها، وقدمتها عن طريق أسئلة وأجوبة مع جمهور العرض الذي لم يكن يعرف عمن تتحدث، إلى أن أخبرتهم في النهاية عن بطل قصتها. وتعلمت سارة خلال الحكي الكثير من الخبرات، ورأت أن الحديث عن القصة مكنها من الحكم على جوانبها، بالإضافة إلى شعورها بالمتعة لأنها تؤثر في الآخرين.

ظهرت اتجاهات طبية لاستخدام الكتابة كوسيلة للاستشفاء، وتخطي الصدمات النفسية، والتعامل مع القلق المزمن

وبعد العرض وتكرار القصة العديد من المرات، شعرت سارة أنها تخلصت من العبء كأن القصة المزعجة تلاشت بهدوء، وكانت اللحظة الفاصلة بالنسبة لها حين رأت خطيبها بعدها، وقتها كان شعورها تجاهه أنه واحد من أبطال قصصها التي ترويها على المسرح وفي الورش.

وتواصل سارة استخدام تقنيات الحكي في حياتها اليومية، وفي كتابتها على فيسبوك، وفي مقابلات العمل، وتلاحظ أنها بهذا تجذب انتباه المستمع إليها، وتستحوذ على اهتمامه بما تقوله وترويه، كما تعتقد أن الحكي يجعلها ترى الجميع متشابهين، وعبره يسهل مساعدة الآخرين ويشعر الناس بالمواساة تجاه تجاربهم وآلامهم.

ولا يمثل الحكي والسرد وحده وسيلة مثالية للتخلص من أعباء الحياة، وظهرت اتجاهات طبية حاليا لاستخدام الكتابة كوسيلة للاستشفاء والتجاوز، وتخطي الصدمات النفسية، والتعامل مع الاكتئاب والقلق المزمن، أشهرها الطب السردي أو الطب القصصي، وهو تقنية يشجع فيها الأطباء مرضاهم على كتابة قصصهم، وتضمين مشاعرهم وأحاسيسهم تجاه صدماتهم.

وكشفت دراسة حديثة أن الجنود الذين عادوا من مناطق الحروب ثم تعرضوا إلى تجربة علاج صدماتهم القاسية بالكتابة، تحسنت حالاتهم النفسية، وأن مرضى القلق المزمن حين يضعون عواطفهم في كلمات  تنخفض مستويات هرمون التوتر لديهم.

وجربت فتاة مصرية تبلغ من العمر 21 عاماً، استخدام الكتابة اليومية لمدة شهر لمواجهة مشاعر القلق المزمن والإلحاح المستمر للأسئلة التي تحاصرها، وقسمت سجلها اليومي إلى تمرين كتابة لمدة 10 دقائق يوميا، وصور مفرغة للتلوين.

وتقول الشابة بأنها شعرت بعد انقضاء شهر بأنها استطاعت أن تبلور بوضوح مشكلاتها، وهو الشيء الذي كانت تظن أنها عاجزة عنه تماماً قبل أن تبدأ بالكتابة.

ويعد التمثيل الدرامي أو العلاج بالسيكودراما مادة جاذبة أخرى لكثير من الأفراد مؤخرا، خاصة عندما تعرفت عليه مجموعة من السيدات ضمن مشروع هيئة الأمم المتحدة للمرأة “التمكين الاقتصادي للمرأة الوافدة والمرأة المصرية”، وأُطلقت دعوة لورشة تمكين باستخدام السيكودراما لمدة 3 أشهر بالقاهرة.

وهدفت الورشة إلى تمكين المشاركات من التعرف على مصادر القوة الخاصة بهن وتطويرها، ما يجعلها أداة تساعدهن في أوقات الأزمات، ومعالجة تأثير العنف المبني على النوع في الحياة اليومية واكتشاف وتطبيق حلول عملية تعزز من الصحة.

21