"فتنة الربض" رواية موريتانية عن أشهر ثورات الأندلس

الرواية تتناول الثورة الثانية لأهل الربض من زاوية أخرى عكس ما تذكره المصادر التاريخية الرسمية حيث تحلل أسبابها وتخلصها من الكثير من المغالطات.
الثلاثاء 2024/07/30
استعادة ثورة مقموعة (لوحة للفنان علي مقوس)

بيروت- تقوم رواية “فتنة الربض” للموريتاني محمد ولد محمد سالم، على تصور عثور الكاتب فجأة على نص شارك صاحبُه في أحداث ثورة سكان الأرباض (الضواحي) في قرطبة، التي اندلعت سنة 202 للهجرة ضد الأمير الحكَم بن هشام بن عبدالرحمن الداخل، ثالث أمراء بني أمية في الأندلس.

وهو نص مجهول تماماً ومجهولٌ كاتبه، ولا ذكر له في أي من المصادر القديمة. وتكون مهمة الكاتب بعد أن فشل في العثور على أي معلومة عن ذلك النص، أن يهذب أسلوبه ويقربه لقارئ اليوم، ويعيد ترتيب الأحداث وتنسيقها انطلاقا من تقنيات السرد المعاصرة، فيخرجها على شكل رواية حديثة.

تحكي الرواية، التي صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر مؤخرا، عن أحداث تلك الثورة، والصراع الذي تأجج بين الحكَم وأعوانه من جهة وبين بعض رجال الدولة والفقهاء والعامة من جهة أخرى، وحكاية الصداقة العجيبة بين الفقيه طالوت بن عبدالجبار المعافري أحد قادة الثورة وبين الشاب اليهودي النجار حاييم الإشبيلي، الذي أخفى الفقيهَ في منزله بعد الفتنة سنة كاملة.

بوكس

ونقرأ كذلك حكاية راوي القصة مع أبي أيوب الحداد النصراني، وكان الراوي يعمل فتى ضرابا (حدادا) في دكان أبي أيوب حين قامت الثورة، ونشط فيها، وقد نشأت بينهما مودة راسخة. وكذلك حكايات الناس الذين شاركوا في الثورة واحترقوا بنيرانها، وما آلت إليه حياتهم من مصائر مؤلمة.

وبحسب موسوعة “المعرفة الأندلسية” كان الحكم أميراً شديد الحزم، ماضي العزيمة، عظيم الصولة، حسن التدبير، وكان أفحل أمراء بني أمية، وأشدهم إقداما ونجدة وصرامة وأنفة وأبهة وعزة، وكان يشبه أبي جعفر المنصور في شدة البأس وتوطيد الدولة استطاع خلال فترة حكمه أن يقضي على ثورتين كبيرتين كادتا تطيحان بإمارته: الأولى هي ثورة المولدين بطليطلة التي حدثت عام 181 هـ (797 م)، وذلك أنهم كانوا يستخفون بولاتهم ويميلون إلى الثورة على أمراء بني أمية، والانفصال عن سلطان قرطبة، وعرف الحكم كيف يوقع بهم، إذ استقدم عمروس المولد من وشقة، واختصه وقربه إليه، وولاه طليطلة حتى يطمئن إليه سكانها المولدون.

والثورة الثانية هي ثورة أهل الربض بقرطبة عام 202 هـ (817 م)، وكانت السبب في تلقيبه بالحكم الربضي، ذلك أن أباه هشاما كان قد أحاط نفسه بالفقهاء واستسلم لهم، وعظم بذلك شأنهم، وتجاوزوا حدودهم، فلما تولى الحكم الإمارة، حاول أن ينتزع منهم سلطتهم، ويسلبهم ما كانوا يتمتعون به في عهد أبيه، ويكف أيديهم عن التدخل في شؤون دولته، فانقلبوا عليه، وسخطوا من تصرفاته، واستغلوا نفوذهم الروحي في إثارة الناس على الأمير.

ولكن الرواية تتناول هذه الثورة الثانية من زاوية أخرى عكس ما تذكره المصادر التاريخية الرسمية، إذ نجدها تحلل أسباب الثورة الثانية وتخلصها من الكثير من المغالطات.

تتلاحق أحداث الرواية في توليفة متشابكة، ترمي بالقارئ في قلب مشاهد الصراع ومنعرجاته ومواقف شخصياته المتعددة، عبر سرد شيق متواصل. وتُستخدم في ذلك كل تقنيات السرد الحديثة، ويتم مزج الحادثة التاريخية فيها بالخيال، لترسم صورة المجتمع قرطبة في تلك الحقبة، وما امتزج فيها من عناصر بشرية متعددة الأعراق والديانات، مركزة على المشترك الإنساني، وعلى أصالة الحرية البشرية التي ترفض الظلم والاستسلام للأمر الواقع، وتتسلح بالثورة والطموح إلى مستقبل أجمل وأكثر عدلاً.

ويُذكر أن محمد ولد محمد سالم أصدر سابقاً خمس روايات هي: أشياء من عالم قديم، ذاكرة الرمل، دروب عبد البركة، دحان، ألاعيب خالد مع كورونا.

12