فتح وحماس في القاهرة بحثا عن تنسيق وليس لإنجاح المصالحة

توازن الضعف يخيم مع تراجع دور السلطة وبحث حماس عن حضور سياسي.
الأربعاء 2024/10/09
مباحثات القاهرة لن تكون مرنة

لا يراهن الفلسطينيون كثيرا على المفاوضات الجارية بين حركتي فتح وحماس في القاهرة لإنهاء الانقسام وإنجاز ملف المصالحة المتعثر منذ سنوات، لاسيما مع تشبث حماس بأيّ مكاسب تضمن لها حضورا فاعلا في حكم قطاع غزة.

القاهرة - تشهد القاهرة اجتماعات بين قيادات من حركتي فتح وحماس، بمشاركة عدد من الفصائل الفلسطينية، بعد فشل الفرقاء في تنفيذ ما جرى التوصل إليه في مباحثات بكين الأخيرة، ما يجعل مباحثات القاهرة تدور في فلك تنسيق المواقف وليس توافقات ترمي لإنهاء الانقسام، في ظل حالة الضعف التي تعانيها جميع الفصائل حاليا.

ووصل وفد قيادي من حركة حماس إلى القاهرة، مساء الاثنين، برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي للحركة خليل الحية، للقاء وفد من حركة فتح والمشاركة في اجتماعات الفصائل التي تجري برعاية مصرية، ومن المزمع عقدها اليوم الأربعاء.

ولم تعلن الحركتان برنامج اللقاءات، غير أن دوائر قريبة منهما لفتت إلى أنها ستبحث الوصول إلى رؤية موحدة لإدارة قطاع غزة بهدف قطع الطريق أمام محاولات إسرائيل لإعادة التمركز في بعض مناطقه وتفريغ شماله من السكان، ما يؤشر على أن الخطر الذي يواجه الطرفين دفعهما للتحرك بدلاً من الظهور في صورة المسهّل لإجراءات قوات الاحتلال بسبب انقسامهما.

ورغم جهود عديدة لإنهاء الانقسام بينهما، إلا أن المسافات متباعدة، فرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يرى أن ما تم التوصل إليه في الصين يجب البدء في تطبيقه بعد انتهاء الحرب وغير معروف موعده، بالتالي فموازين القوى قد تشهد خلافات في وقت تحاول فيه حماس التموضع بما يمكّنها من الاستمرار في إدارة القطاع.

عمرو الشوبكي: المصالحة لن تتحقق في وجود القيادات الحالية داخل الحركتين
عمرو الشوبكي: المصالحة لن تتحقق في وجود القيادات الحالية داخل الحركتين

وتنطلق اجتماعات القاهرة على أساس توازن الضعف بين جميع الفصائل، مع تراجع دور السلطة الفلسطينية ومحاولات إسرائيل الانقضاض على مساعي الوصول إلى حل الدولتين، والوضع الغامض لحركة حماس التي تعرضت لضربات قوية بعد حرب غزة، وتحاول التشبث بأي مكاسب تضمن لها حضوراً في حكم القطاع.

وتأتي مباحثات القاهرة هذه المرة في وقت تواجه فيه أطراف إقليمية، كانت من بين أسباب فشل الاجتماعات السابقة، حالة ارتباك، في مقدمتها إيران وقطر وتركيا. ويعول فلسطينيون على أن يكون الدافع الرئيسي نحو التوصل إلى تنسيق مشترك بشأن ملفات مختلفة يضع في الأولوية القضية الفلسطينية التي تضعضع حالها، مع رفض الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة فكرة التسوية على أساس حل الدولتين.

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عمرو الشوبكي إن حركتي فتح وحماس لم تتعاملا بالجدية المطلوبة منذ سنوات مع ملف المصالحة، واجتماعات القاهرة الجديدة لن تكون الأخيرة لمحاولة الوصول إلى تفاهمات مشتركة، خاصة أن إخفاق الطرفين في إنزال مخرجات بكين وكانت على مستوى أعلى من الوفود، لا يوحي بالوصول إلى تقدم، وهو ما يجعل الموقف أشبه بمشاورات لتنسيق المواقف، وليس الدخول في مصالحة تُنهي الانقسام.

وأضاف الشوبكي في تصريح لـ”العرب” أن الطرفين من المقرر أن يناقشا مسألة إدارة معبر رفح وكيفية إدخال المساعدات إلى القطاع بشكل يضمن وصولها دون التذرع من جانب إسرائيل بأنها تصل إلى حماس، ودور السلطة الفلسطينية في عملية إدارة قطاع غزة، حال توقفت الحرب، فضلا عن ملف تشكيل حكومة وحدة وطنية.

وعلمت “العرب” أن استضافة مصر لهذه الاجتماعات جاءت بعد تطمينات تلقتها القاهرة من الإدارة الأميركية باهتمامها بوقف إطلاق النار في غزة منعا لتفجر الأوضاع في المنطقة، وكان من الضروري أن تعلم واشنطن شكل الإدارة التي سيكون عليها القطاع كي يتسنى لها إقناع إسرائيل بأن الموقف سيشهد تحولا كبيرا.

وأكد عمرو الشوبكي أن المصالحة لن تتحقق في ظل وجود القيادات الحالية داخل الحركتين، وكلاهما غير مؤهل لدفع ثمن استحقاقات إنهاء الانقسام، ودخول حماس منظمة التحرير الفلسطينية، وأن القدرة على ضخ دماء جديدة في الحركتين ستظل حاسمة في مدى تجاوزهما الخلافات العديدة.

وعبّر خطاب رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل مع مرور عام على اندلاع الحرب في غزة وحديثه عن تحقيق الحركة انتصارات، أنها تعيش على أطلال الماضي وتتمسك بإدارة غزة، في حين تجاوز الواقع ذلك، ما يشير إلى أن فتح وحماس بينهما مسافات متباعدة في هذه النقطة التي تشكل جوهر المصالحة.

أكرم عطاالله: من الصعب أن تشهد اجتماعات القاهرة تطورا لافتا في علاقة الحركتين
أكرم عطاالله: من الصعب أن تشهد اجتماعات القاهرة تطورا لافتا في علاقة الحركتين

ويتفق متابعون على أن اجتماعات القاهرة عليها التعامل وفق أسس منطقية تساعد على تفويت الفرصة على إسرائيل لفرض رؤيتها بشأن إدارة القطاع مستقبلاً، وأن إنكار ما جرى يدفع نحو تقديم المزيد من الهدايا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته.

وأوضح المحلل السياسي الفلسطيني أكرم عطاالله أن اجتماعات القاهرة من الصعب أن تشهد تطوراً لافتا في علاقة الحركتين، لأن أسباب الخلاف مستمرة، وأضافت لها الحرب تعقيدات جديدة، كما أن موازين القوى السابقة التي كان التفاوض يتم بموجبها بين الطرفين اختلفت، وتحتاج إلى البدء من الصفر، وهناك قضايا مستعصية لا يستطيع الطرفان حلها، مثل تحمل أموال موظفي قطاع غزة.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن ما تبقى من سلاح لدى حماس من المسائل العالقة لأنها ليست مستعدة لتسليمه والاتفاق على سلطة واحدة بسلاح واحد كما دعا الرئيس محمود عباس السنوات الماضية، والعودة إلى منطق سلطة مدنية وسلاح تحت الأرض غير مقبول الآن، وحال رضخت حماس لمطالب السلطة ستكون أمام أنصارها استسلمت بعد عام من الدمار الشامل للقطاع.

وشدّد على أن تطورات الأوضاع في غزة سبقت الطرفين، فعند النظر إلى المباحثات الجديدة لا بد من مراعاة أن إسرائيل قد لا تسمح لفتح أو حماس بإدارة قطاع غزة بعد احتلاله، وتراجع دور السلطة الوطنية في حاجة إلى تدخلات قوية لضمان إحياء حضورها، فحينما تضعف الفصائل كل طرف يفقد ثقته بنفسه ما يقود إلى وضعية تفاوضية يسيطر عليها التشدد وليس المرونة.

ووقّعت حركتا حماس وفتح اتفاق مصالحة بالقاهرة في أكتوبر 2017 من دون أن يترجم على أرض الواقع، وشهد يوليو الماضي تحقيق الدبلوماسية الصينية اختراقاً جديداً على مسار المصالحة، مع توصل 14 فصيلاً فلسطينياً، في مقدمتها فتح وحماس إلى إعلان لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية، دون أن يطبق أيضا.

2