فتح ملف المال السياسي في الإعلام التونسي.. ضربة البداية مع قناة حنبعل

تونس - أعلنت الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا) في تونس أنّها أحالت ملف القناة التلفزيونية الخاصة “حنبعل” إلى وكيل الجمهورية المختص بعد الاشتباه في “تبييض أموال، وذلك بعد ما سجّلته من تواصل التعتيم على ملفها المالي، خاصة بما يتعلّق بالوثائق المحاسبية التي تبرر مصادر تمويلها وبالتحويلات المالية من وإلى الشركة التركية ‘أرب لاينز’، صاحبة النصيب الأكبر في رأسمال الشركة المستثمرة للقناة، وبالعمليات التي وُظّفت فيها”.
ودعت الهيئة النيابة العمومية إلى التسريع في النظر في هذا الملف وإحالته إلى القطب القضائي الاقتصادي والمالي في أقرب الآجال.
الهايكا أحالت ملف قناة "حنبعل" الخاصة إلى وكيل الجمهورية المختص بعد الاشتباه في تورطها في تبييض الأموال
وكانت الهيئة قد أمهلت “حنبعل” لتقديم مجموعة من الوثائق المتعلقة أساساً بالعمليات المالية وبالشركاء المساهمين في رأسمالها، سواءً من التونسيين أو الأجانب، وخاصة الشركات التركية التي يشتبه في أن ملكيتها تعود إلى عدد من الإسلاميين.
وأضاف بيان الهيئة “ورغم مماطلة مُسيّري القناة سابقاً وخرقهم للقانون وعدم التزامهم بكراس الشروط المتعلق بإحداث واستغلال قناة تلفزية خاصة وبعد الإجراءات التي اتُّخذت تجاهها لحجز تجهيزات البث التابعة لها، فقد منحت القناة فرصة جديدة بمقتضى اتفاقية لفترة استثنائية مؤقتة شريطة الكشف عن حقيقة المعاملات المتعلقة بها وتوفير كل المعطيات والوثائق المطلوبة في ملفها المالي، غير أنها لم تف بتعهداتها المتعلقة بالشفافية المالية رغم انقضاء المدة الاستثنائية في 30 يونيو 2022”.
وسبق أن قررت الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري قطع البث على قناتي “حنبعل” و”نسمة”، ثم منحتهما مهلة لتقديم مجموعة من الوثائق. وفيما سوت نسمة وضعيتها القانونية لم تلتزم حنبعل، التي كانت أول قناة خاصة في تونس وانطلق بثّها سنة 2005، بذلك.
يذكر أن المشهد الإعلامي لم يكن متناسقا مع تطلعات الشعب التونسي ما بعد الثورة، ورغم تخلص القطاع الخاص من الإملاءات، فإن بعض الوجوه النافذة سيطرت عليه، لتحقيق أغراضها الخاصة.
وغالبا ما اتُهمت قناة “حنبعل” مع قنوات أخرى بتلقي تمويلات مشبوهة مثلما صرح بذلك هشام السنوسي عضو الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري. وتشير تصريحات السنوسي إلى أن وسائل الإعلام في تونس تتبع لجهات سياسية داخل تونس وخارجها ولا تحترم القانون. واتهم السنوسي حركة النهضة صراحة بالسيطرة على قناة حنبعل، بالإضافة إلى شبهات تمويلها من قبل جهات أجنبية.
وتعتبر ملكية وسائل الإعلام أحد أهم العوامل التي تفسر انحياز هذه المؤسسات إلى هذا الحزب أو ذاك، لذلك نصت التشريعات السارية في تونس على ضرورة الإعلان عن قائمة واضحة بأسماء الشركات والشخصيات المساهمة في وسائل الإعلام السمعية البصرية والمشرفين عليها لضمان حد أدنى من الشفافية ومعرفة من يملك وسائل الاعلام. وبالنسبة إلى قناة حنبعل فإن هوية مالكيها ضبابية.
وعرقلت التحالفات الحاكمة قبل إعلان الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو 2021 تطبيق القانون على وسائل الإعلام المخالفة.
من جانبها، عبرت قناة “حنبّعل”، الخاصة في بيان عن استغرابها الشديد من بلاغ الهيئة بخصوص الملف القانوني للقناة.
وقالت “حنّبعل” إنّها مدّت الهيئة بكلّ الوثائق في الآجال المتفق عليها، أي قبل نهاية شهر يونيو 2022، مبيّنة أنها منذ ذلك التاريخ لم تتلقّ أي إجابة أو استفسار.
وقالت ”بخصوص الادعاء بالتعتيم على التحويلات المالية من وإلى شركة “أرب لاينز” والتي اعتبرتها الهيئة شركة تركية، يجدر التوضيح بأن الشركة المذكورة تونسية وليست تركية وهي مسجلة بالسجل الوطني للمؤسسات، وتضم ضمن أعضائها شركاء أتراك. وقد تم تمكين الهيئة من نسخ من التحويلات البنكية من وإلى الشركة المذكورة بما في ذلك شهادة الاستثمار خلافا لمزاعم الهيئة التي أمضت بنفسها على وثيقة تسلم هذه الوثائق بتاريخ 13 مايو 2022″.
سبق أن قررت الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري قطع البث على قناتي “حنبعل” و”نسمة”، ثم منحتهما مهلة لتقديم مجموعة من الوثائق
وقالت إنه “وفي موقف متسرع ولا مسؤول من هيئة دستورية، تٌفاجأ القناة بالإعلان عن شبهة تبييض أموال موجهة إليها اعتمادا على ادعاءات مردودة عليها وفي تجن واضح على القناة وإساءة لا حدود لها إلى صورتها وإلى علاقتها مع مؤسسات الإشهار الضامنة لبقائها وموارد العاملين بها”.
وقال القناة في “تهديد مبطن” للهيئة قائلة “كان بإمكان قناة حنبعل أن تنخرط في الحملة التي تٌشن في الخفاء والعلن حول الهيئة المنتهية صلاحيتها وما يتردد من تهم وشبهات خطيرة في صلبها وأساسا في علاقة ببعض أعضائها لكن قناة حنبعل ارتأت عدم التسرع”.
وتابعت “يمثل توجيه تهمة تبييض الأموال في بلاغ للرأي العام ومطالبة النيابة العمومية بـ”التسريع” في النظر في ملف القناة، انتحالا لصفة وصلاحيات المؤسسة القضائية التي تبقى هي الفيصل في البت في مثل هذه القضايا بعيدا عن الإملاءات والتأثيرات وفي كنف الاستقلالية التامة تكريسا لقضاء عادل ومستقل”.
وتساءلت القناة عن “توقيت نشر بلاغ الهيئة وتحديدا مباشرة بعد ختم رئيس الجمهورية للدستور الجديد وبالتالي بعد إلغاء الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري. توقيت يرمز إلى دلالات غير بريئة وفيه رسالة سياسية موجهة إلى أكثر من طرف”.
ويذكر أنه طيلة عشر سنوات تسابق السياسيون وأصحاب المال والأعمال في تونس للسيطرة على وسائل الإعلام، وأصبحت حرية التعبير ثانوية مقارنة بمصالح سياسية واقتصادية وتجارية لا تؤمن بالصحافة كمهنة ورسالة، بل تعتبرها سلاحا للتأثير على الرأي العام ودفعه نحو توجهات بعينها.
وبسبب سيطرة المال السياسي على وسائل الإعلام غابت القضايا التي تهم التونسيين كالغوص في مصادر تمويل الأحزاب.