فتاة تلاحق الأشرار من فيتنام إلى لندن

"المحمي" فيلم تقوده فكرة الانتقام والصراعات التي لا تتوقف.
الأحد 2021/09/05
صراع انتقامي شديد الشراسة

يخوض الكثير من الأفلام في الصراعات بين شخصياتها التي تنقسم في الغالب بين شقي الخير والشر، وهي صراعات مشوقة تحبس الأنفاس وتأسر المشاهد، لكنها تتطلب براعة كبرى في كتابة السيناريو والاشتغال على الصورة والأداء والحركة وتأطير الأماكن وتناسل الأحداث وغيرها، وهو ما نجده ماثلا بامتياز في فيلم “المحمي”.

أحيانا تبدو مساحة الإثارة والترقب والحركة في الفيلم السينمائي ممتدة بما يعطي المشاهد انطباعا أنها لن تنتهي، وأن هنالك أحداثا سوف تنتج أحداثا جديدة، وهو أسلوب في السرد السينمائي لا شك أنه يتطلب قدرة كبيرة على الابتكار وخاصة في مجال كتابة السيناريو، ولكنه في نفس الوقت لا يحقق نهاية للصراع في وقت مناسب وإنما يترك الأمر لمساحات زمنية جديدة.

ذلك ما ينطبق على فيلم “المحمي” للمخرج النيوزيلندي مارتن كامبل وهو فيلمه الثامن عشر بعد سلسلة من الأفلام التي فيها الكثير مما هو ناجح ومعروف، ومنها فيلم “العين الذهبية” و”قناع زورو” و”أسطورة زورو” و”حافة الظلام” وغيرها، وهو هنا يكرس خبراته ومنجزه في إنتاج فيلم متشعب في أحداثه ومتعدد في أماكن التصوير والشخصيات ليقترب هذا الفيلم من قائمة الأفلام الأكثر تميزا لهذا الموسم.

فكرة الانتقام

كاتب السيناريو ريتشار وينك ينجح ببراعة ملفتة للنظر في نسج هذا البناء الدرامي والسردي المتشابك

تبدأ أحداث الفيلم من فيتنام حيث يعيش هناك مودي (الممثل صامويل ال جاكسون) وهو قاتل محترف يقوم بحماية طفلة وإخراجها من فيتنام لترحل معه إلى لندن، وهي التي فقدت والديها على أيدي عصابات فيتنامية، إلا أنها تمتلك الجرأة والشجاعة فتنتقم لوالديها وتبدأ قصتها مع القتل وحمل السلاح، وهي لما تتعدى الثانية عشرة من عمرها، وتحت إشراف عرابها مودي الأكثر شهرة.

تتسع فكرة الانتقام في هذا الفيلم لكي تتأسس شخصية درامية أنثوية بارعة في القتال والانتقام وهي الفيتنامية آنا (الممثلة ماغي كيو) وهي بالفعل من أم فيتنامية وأب بولوني، وكلهم يعيشون في الولايات المتحدة الأميركية، والحاصل أن هذا الفيلم يقدم لنا شخصية استثنائية في مهاراتها القتالية بعدما عرفت قبل ذلك في العديد من أفلام الحركة والقتال الفردي.

تشكل العلاقة ما بين مودي وآنا أرضية لاقتفاء أثر أحد الأثرياء وعصابة عالمية مرتبطة به وحيث تجري وقائع المطاردات من بلد إلى بلد، من فيتنام إلى بريطانيا إلى رومانيا في ملاحقات لا تنتهي، يكتشف الثنائي مودي وآنا أحد كبار الأثرياء الذي يقيم منذ عقود في فيتنام وهو منتحل صفة شخص تم اغتياله والسطو على ممتلكاته، ليصبح هو هدفا لملاحقات وقطع أنفاس لا تنتهي.

في المقابل تمضي آنا جانبا من حياتها في بريطانيا وهي تدير مكتبة لتلتقي مع رامبرانت (الممثل مايكل كيتون) الذي يشكل ظهوره في هذه الدراما الفيلمية المتصاعدة عنصرا إضافيا لاسيما وأنه يتنكر لعلاقته برجل الأعمال فوهل (الممثل باتريك مالاهايد) في محاولة لاستدراج آنا من جهة والوصول إلى مودي الذي يصنف على أنه من القتلة شديدي الخطورة.

صراعات لا تنتهي

قاتل محترف يقوم بحماية طفلة تريد الانتقام لمقتل والديها
قاتل محترف يقوم بحماية طفلة تريد الانتقام لمقتل والديها

التحول الجذري في حياة آنا سوف يقع عندما تتيقن من مقتل مودي على أيدي عصابات مرتبطة بفوهل وصاحبه رامبرانت، ولهذا تنطلق في رحلة انتقامية لا تكاد تنتهي لاسيما وأن نزعتها الانتقامية ممتدة بشكل مباشر باتجاه اللاوعي وما تختزنه من مقتل والديها على أيدي إحدى العصابات، إلى درجة قطع رأس الأم والتلويح به أمام الطفلة وهو ما يبدو أنه راسخ في عقلها.

ينجح كاتب السيناريو ريتشار وينك ببراعة ملفتة للنظر في نسج هذا البناء الدرامي والسردي المتشابك وهو الذي سبق وأن أتحفنا بالجزأين الأول والثاني من فيلم المعادل ومن تمثيل دينزل واشنطن في واحد من أجمل أدواره، والحاصل أن كاتب السيناريو ينجح في نسج كل تلك الخطوط الدرامية وتغدو العلاقات بين الشخصيات مبنية على أساس الانتقالات المفاجئة إلى مناطق غير متوقعة، لاسيما بعد أن تتيقن آنا من مقتل مودي على أيدي عصابة رمبرانت وفوهل.

فكرة الانتقام تتسع في هذا الفيلم لكي تتأسس شخصية درامية أنثوية بارعة في القتال والتفوق على أعدائها

من هنا تنطلق الفتاة باتجاه صراع انتقامي شديد الشراسة تتمكن فيه من قهر خصومها الواحد بعد الآخر وإن هو إلا تمويه يمارسه مودي لتضليل الجميع بأنه قد قتل، بينما هو ألبس القاتل الذي سوف يصبح مقتولا، ألبسه ملابسه، وخرج سالما من تلك المواجهة الشرسة.

أما التطهير الحقيقي وساعة المواجهة فسوف تجري وقائعها في أثناء حفلة يقيمها فوهل وتحت حماية رمبرانت، متوقعين أن تظهر آنا في أي لحظة وبأي شكل، وهو ما يقع فعليا إذ تتنكر في زي خادمة لكنها لن تنجح في إصابة فوهل، ومن ثم يجري اعتقالها وتعذيبها أشد العذاب، حتى ظهور مودي مجددا الذي سوف يصطدم ظهوره بانفراد العصابة للقضاء على آنا، وهو ما لن يتحقق إذ تتمكن من التخلص من سجانيها وقتلهم الواحد بعد الآخر، وصولا إلى لحظة المواجهة الحاسمة بينها وبين رامبرانت.

تنهمك الشخصيات في هذا الفيلم بصراعاتها التي لا تنتهي فضلا عن المطاردات بالسيارات وحيث تختلط أفعال آنا بذكرياتها القاسية وبذلك قدم لنا الفيلم شخصية أنثوية تتميز بديناميكية عالية ومهارات فردية وتمثيل متميز، ليتكامل ذلك الأداء مع شخصيتي رامبرانت ومودي وبينما إشكالية الصراعات تتعدى مجرد الحصول على مكسب مادي إلى فكرة التخلص من الأعداء والأشرار الذي تشتغل عليها آنا بلا هوادة طيلة أحداث هذا الفيلم.

15