فتاة تشبه صوت الطائر الغريب الذي يبدأ ما أن ينتهي الزلزال

"طائر الزلزال" قصة شخصية بسيكوباتية تمزقها العاطفة والنزعات الشريرة.
الأحد 2022/04/10
المكان الذي لا تنتمي إليه يحولك إلى شخص شرس

ما بين دراما الجريمة والرومانسية ثمة فاصلة ومسار، حياة تتكشّف من خلالها كيف تكون العلاقات العاطفية خلفية للغيرة والانتقام وصولا إلى ارتكاب الجريمة وخلال ذلك تتكشف تحولات في الشخصية تستحق أن تتوقف عندها لتكتشف ما هو خفي مما في الذات البشرية وهي تعيش احتقانات شتى وبحثا عن الذات والعلاقة مع الآخر، كما نرى في فيلم “طائر الزلزال”.

في فيلم “طائر الزلزال” للمخرج البريطاني واش موستويرلاند سوف نتعرف على الشخصية الرئيسية لوسي (الممثلة السويدية أليسيا فيكاندر) وها نحن في وسط مدينة يابانية مزدحمة ولوسي تلتحق بعملها المعتاد مترجمة في إحدى المؤسسات.

على خلفية تلك المشاهد الافتتاحية سوف يظهر لنا ملصق في الشوارع يعلن عن فقدان ليلي بريجز (الممثلة ريلي كيوغ) ومن ثم لتحضر الشرطة اليابانية إلى مكتب لوسي ويبدأ التحقيق معها لكونها الشخص الأخير الذي التقت معه الفتاة المختفية.

على هذه الأرضية الفيلمية يؤسس المخرج القصة السينمائية ويوالي أحداثها في مزيج ملفت للنظر وينطوي على هارمونية مميزة ما بين أحداث الماضي والحياة الحاضرة، وغالبا من وجهة نظر لوسي، في واحد من أدوار فيكاندر المميزة وهي الحاصلة على جائزة الأوسكار عام 2016 عن دورها في فيلم “الفتاة الدنماركية”.

☚ تطرح من خلال أحداث الفيلم معطيات تتغلغل عميقا في الذات الإنسانية ومنها الذات والآخر والهجرة واختلاف الثقافات

يلتقط الفيلم إشارات ذكية في سياق الأحداث ومنها مثلا تكرار مشاهد الزلازل في أثناء لقاء الشخصيات أو أثناء نومهم وما أن ينتهي الزلزال حتى ينطلق صوت طائر غريب أسماه اليابانيون طائر الزلزال، لكن ذلك يتم النسج عليه بعناية من خلال التماهي بين شخصية لوسي وبين صوت الطائر المشؤوم، فهي تعود إلى ذكريات قاتمة تدفعها إلى النظر إلى نفسها على أنها طائر شرير.

ولكي تمضي بتلك القناعة بالتطير من الذات ها هي وسط مجموعة من النسوة اليابانيات بلباسهن التقليدي وهن يشكلن فرقة للموسيقى، وبينما تنادي لوسي إحداهن من أسفل السلالم ما تلبث أن تسقط تلك المرأة وتموت وبذلك يترسخ الوجود الشرير لطائر الشر الذي تمثله وذلك ما سوف ينسحب على علاقتها بصديقتها المختفية ليلي.

هنا ثم مفترق في مسار الشخصيات فالفتاتان الصديقتان المقربتان من بعضهما سوف يربط بينهما أوغوشي (الممثل الياباني كين يامامورا) وهو مصور فوتوغرافي وعامل في مطعم للوجبات التقليدية في آن واحد، وهو مولع بالتقاط صور البورتريه للنساء تحديدا، وبذلك تتيح له لوسي فرصة التقاط صور لها وهو يختزن ذلك في شقة علوية معزولة حيث يقوم بأعمال التصوير والطبع والتحميض.

تشكل عزلة لوسي سببا كافيا للتقارب بينها وبين أوغوشي، لكنها وفي ذات الوقت تضع علامات استفهام حول شخصيته ولماذا هو مولع بتصوير وجوه النساء، مما يدخل هذا النوع من العلاقة في دائرة من التعقيد ليتفاقم ذلك مع دخول ليلي على خط الأحداث، وهي التي سوف تعجب بأوغوشي وهو سيعجب بها، وسوف ينسجان علاقة ما من وراء ظهر لوسي التي سوف تلتقط تلك الإشارات الغامضة للعلاقة ولتوقن أن في ذلك نهاية ليلي.

تستبطن لوسي دورا سايكوباثيا عميقا وبهذا تكتنز بتعابير وردود أفعال بالغة العمق والتأثير في مزيج صعب ومعقد ومتنافر، ما بين عاطفة الحب والغيرة والمنافسة والكراهية ما سوف يؤدي إلى تأجيج تلك الكراهية الغائرة التي لا تعبر عنها لوسي بشكل مباشر، لكنها تظهر في كل تحركاتها وفي ازدرائها للصديقة التي غدرت بها.

استخدامات متميزة للصورة

على أن خطوط السرد المرتبطة بالجريمة ما تلبث أن تتفاقم مع مضي المخرج في تتبع يوميات الشخصيات وكيف نمت وتطورت علاقة لوسي مع ليلي في موازاة تطور العلاقة مع المصور أوغوشي.

تطرح هنا ومن خلال أحداث الفيلم معطيات تتغلغل عميقا في الذات الإنسانية ومنها الذات والآخر والهجرة والثقافة واختلاف الثقافات مع أن لوسي وجدت ذاتها من خلال حياتها في اليابان بعد خمس سنوات من العيش في ذلك البلد، ولتكمل ذلك ليلي في عزمها البقاء في ذلك البلد أيضا.

الفيلم تعززه عناصر جمالية وطريقة محبوكة في السرد الفيلمي فضلا عن استخدامات متميزة للصورة والمونتاج والموسيقى

وكأن لوسي في غربتها وسيرة يومياتها كمن يهرب من الذات في أخطر أزماتها وتقلباتها لكن ها هي تصطدم بواقع آخر لم يوفر لها السكينة الكافية فمحاولات صديقتها ليلي انتزاع حبيبها الياباني منها سوف تقود إلى المزيد من التحولات وصولا إلى محاولة المصور الياباني قتل لوسي بعدما اكتشف تورطه في قتل ليلي.

الأرشيف الشخصي للصور التي يلتقطها أوغوشي ثم اختفاؤه بالتزامن مع اختفاء ليلي تتكاثف في رأس لوسي التي تجد نفسها في متاهة تسحقها، وهي التي تعلم أن مثل هذه الأجواء سوف تظهر المخفي مما في داخلها، وحتى ليلي وهي تقرأ طالع كف لوسي ثم لتصمت وتمهد الطريق للنهايات القاتمة.

ولعل ما يلفت النظر هو ذلك الوجود الإشكالي للوسي في قلب مكان لا تنتمي إليه ولا يعبر عنها، مع أنها تدعي بأنها مولعة بالحياة اليابانية وأنها اكتشفت نفسها هناك، لكنها في الواقع تعيش اغترابا قاتلا لا تكاد تفصح عنه حتى تتفجر نزعتها شديدة الشراسة فتقتل أوغوشي دفاعا عن النفس.

الفيلم تعززه عناصر جمالية وطريقة متميزة في السرد الفيلمي فضلا عن استخدامات متميزة للصورة والمونتاج والموسيقى.

14