فبركة خبر كاذب تفتح معركة ضد الشائعات والتضليل في المغرب

الرباط - دعت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري “الهاكا” في المغرب إلى صون حق المواطن في مضامين إعلامية يقظة وآمنة، وذلك على خلفية قضية “اختلاق جريمة وهمية وبث معلومات زائفة” في برنامج إذاعي، والتي أثارت جدلا واسعا في البلاد ودفعت الهيئات والجهات المسؤولة عن الإعلام إلى التحرك لمواجهتها سريعا.
وأبرزت “الهاكا” في بيان لها الخميس أنها ”عاينت تطورات المتابعة القضائية لمواطنين في قضية ‘اختلاق جريمة وهمية وإهانة هيئة منظمة وبث معلومات زائفة’ خلال المشاركة في برنامج إذاعي”.
وكانت الجهات الأمنية بالدار البيضاء فتحت تحقيقا في فيديو تم تداوله على نطاق واسع، يعود للمحطة الإذاعية “هيت راديو”، يتحدث فيه أحد المتصلين بـ”الراديو” عن تعرضه لعملية سرقة هاتفه أثناء إجرائه اتصالا به، مع تأكيده عدم تفاعل الأمن مع شكايته.
ومكنت الأبحاث التي أجريت تحت إشراف النيابة العامة المختصة من توقيف المتورطين في اختلاق جريمة وهمية، ونشر خبر زائف يمس بالإحساس بالأمن لدى المواطنين بواسطة الأنظمة المعلوماتية، وإهانة هيئة منظمة عبر الإدلاء ببيانات زائفة.
وقرر القضاء المغربي متابعة المقدم الإذاعي في إذاعة “هيت راديو” محمد بوصفيحة، المعروف باسم “مومو”، في حالة سراح مع أداء كفالة 10 ملايين سنتيم. كما أقر متابعته بتهمة المشاركة في الإهانة وبث معطيات يعلم بعدم وجودها.
نقابة الصحافيين تحذر من الواقعة معتبرة أنها ستقوي الشكوك حول صدقية البرامج المباشرة على الإذاعات الخاصة
وقررت النيابة العامة، عقب الاستماع إلى المتهمين في هذه القضية الثلاثاء الماضي متابعة شخصين بتهمة اختلاق جريمة وهمية وإهانة هيئة منظمة، لتتم إحالتهما على السجن المحلي عين السبع (عكاشة).
وأوضحت الهاكا أنه “أخذا بعين الاعتبار احترام مبدأ قرينة البراءة الذي يعتبر كل مشتبه فيه أو متهما بارتكاب جريمة بريئا، إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به، تذكر الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ببعض المبادئ والأسس والغايات التي تحكم عمل الخدمات الإذاعية والتلفزيونية، لاسيما في إطار المسؤولية المنوطة بها في مجال حفظ أمن وسلامة المواطنين، على ضوء فلسفة وروح الدستور والمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل والتراكم المعياري للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، دون أن يشكل ذلك بطبيعة الحال، مسا بحريتها التحريرية التي تشكل أساس الممارسة الإعلامية وقاعدة لضمان الحق في الإعلام”.
وتعتبر الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري أن “تنصيص المشرع على مبدأ المسؤولية التحريرية للخدمات الإذاعية والتلفزيونية وواجبها في التحكم في البث، ليس هدفا في حد ذاته، بقدر ما هو وسيلة لصون حق المواطن المستمع والمشاهد في مضامين إعلامية يقظة وآمنة، مما لا يتنافى مع مبدأ حرية الاتصال السمعي البصري ولا مع اختيارات المتعهدين في مجال أسلوب التنشيط وإنتاج البرامج”.
والغاية الفضلى من السهر الدائم للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري على ضمان احترام نزاهة الأخبار والبرامج، سواء على مستوى المضمون التحريري الذي ينتجه ويقدمه المتعهد أو عندما تسمح البرامج باستقبال وبث شهادات مواطنين، تبقى هي درء تغليط المستمع/المشاهد بشأن صحة الخبر أو المعلومة المقدمة أو حتى بشأن هوية وأهلية المشاركين المستجوبين، من جهة، وجلب منفعة إعلام ذي جودة، ملتزم بأخلاقيات الممارسة المهنية، من جهة ثانية.
وبعدما جددت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري التأكيد على أن مبادئ وآليات الانضباط الذاتي كما هي محددة في دفاتر تحملات المتعهدين، ليست مجرد ترف تنظيمي، بل مسلك من مسالك دعم ثقافة التقنين في شموليتها، أهابت بسائر متعهدي الاتصال السمعي البصري ترصيد وتعزيز مجهوداتهم في هذا المجال كمدخل من مداخل تجويد الممارسة الإعلامية المستنيرة وسبيل من سبل تحجيم أثر وتداعيات بعض الأشكال التواصلية الجديدة افتراضية المنشأ وواقعية الضرر.
النيابة العامة قررت متابعة شخصين بتهمة اختلاق جريمة وهمية وإهانة هيئة منظمة، لتتم إحالتهما على السجن المحلي عين السبع (عكاشة)
كما شددت الهيئة العليا على أن تذكيرها بهذه المبادئ والأسس والغايات الفضلى للممارسة الإذاعية والتلفزيونية “يندرج ضمن تصورها العام لأدوارها البيداغوجية التي تأتي لتتكامل مع نفاذية اختصاصاتها المعيارية وتتمايز عن اختصاصات باقي المؤسسات الأخرى، كل ذلك بغاية دعم ثقة المواطن في الفعل الإعلامي”.
من جهتها، قالت النقابة الوطنية للصحافة المغربية إنها تتابع تداعيات تقديم منشط في إذاعة خاصة أمام النيابة العامة (مومو)، رفقة شخصين آخرين للاشتباه في تورطهم في فبركة خبر كاذب على برنامج إذاعي مباشر، وادعاء وقائع غير صحيحة بشأن جريمة مختلفة.
وأضاف بيان للنقابة أنه “في الوقت الذي تتريث فيه النقابة الوطنية للصحافة المغربية قبل اتخاذ موقف من الواقعة، احتراما للمساطر القضائية ولقرينة البراءة، فإنها في الآن نفسه تنبه إلى الانزلاقات الكثيرة التي تقترف في عمل بعض الإذاعات الخاصة، والتي تعد انزياحا عن الأسس المهنية وانتهاكا لأخلاقيات المهنة”.
وأكدت أن “هذه الواقعة ستقوي الشكوك حول صدقية البرامج المباشرة على الإذاعات الخاصة، وخصوصا تلك التي تتعلق برواية أحداث أو مشاركة وقائع ومشاكل، وسترفع من وتيرة الشبهات حول إمكان فبركة تلك المكالمات وتضمينها وقائع حافلة بعناوين الإثارة، بغية الرفع من نسبة الاستماع، مما يعد تحايلا على المستمعين، وهو ما يقوض الإضافة المعتبرة التي حملتها هذه الإذاعات في المشهد الإعلامي”.
وأثارت النقابة الانتباه إلى ما تقوم به بعض الإذاعات الخاصة من تفضيل عدم توظيف صحافيين مهنيين، وتعويضهم بأفراد منشطين يقومون بأدوار التنشيط وإنجاز الحوارات والمراسلة وتغطية الأحداث وفق عقود خاصة، مبرزة أن أغلبهم ممن لا تكوين لهم في القوانين المنظمة للمهنة، ولا دراية لهم بأخلاقياتها، ولا اطلاع لهم على أجناسها، مع ما يترتب على ذلك من غياب للمهنية وجهل بأخلاقيات العمل الإذاعي.
ودعا البيان إلى تدخل أكثر فاعلية من قبل (الهاكا) صونا لحقوق المستمعات والمستمعين، وزجرا لكل المخالفات القائمة على الفبركة، والشائعات والتشهير، والإشهار الضمني، وكذلك منع كل أشكال انتحال الصفات خصوصا في البرامج ذات الطابع الصحي بما فيها الصحة النفسية أو القانوني أو الديني أو التوعوي.
وطالبت الهيئة المهنية بإعادة النظر في القانون 03.77 المنظم للقطاع السمعي البصري بما يحد من هذه الاختلالات، وبما يجعل دفاتر التحملات تحدد نسبة معتبرة من توظيف الصحافيين المهنيين، وتقيد عمل الإذاعات الخاصة وفق دفاتر التحملات والقوانين والأعراف المنظمة للمهنة، ووفق الممارسات الفضلى المتضمنة في ميثاق أخلاقيات المهنة.