فاليري زناتي: ذاكرة قسنطينية

في روايتها الأخيرة «جاكوب، جاكوب» (صدرت -مؤخراً- في طبعة جديدة، بعد طبعة أولى، 2014)، تكتب فاليري زناتي عن جزائريين منسيين، عن جزائريين سقطواً -سهواً أو عن قصد- من كتب التّاريخ ومن المناهج المدرسية، عن جيل قام بما يجب القيام به، عن الآلاف من الجزائريين الذين شاركوا، في الحرب العالمية الثّانية، ضدّ النّازية، قبل أن تتوارى ذكراهم إلى الخلف، في ظلّ حرب الذّاكرة القائمة بين الجزائر وفرنسا من سنة 1962 إلى اليوم.
بطل الرّواية، التي لاقت اهتماماً نقدياً، منذ صدروها في فرنسا، ونالت جائزة «ليفر أنتر»، جاكوب (أو يعقوب) ملكي، شاب من يهود قسنطينة (الكاتبة نفسها أصولها من قسنطينة)، يضطر إلى مغادرة بيت العائلة، ترك أمه واخوته، هجر حياة البؤس، التي عاش وتربّى فيها، لينتقل إلى بلد (كان يبدو له بعيداً)، لم يكن يعرفه سوى القليل هو فرنسا، هناك خلف البحر الأبيض المتوسط، ليخوض حرباً كان يجهل أسبابها الحقيقية، وخلفياتها، تجنّد، مثله مثل آلاف الآخرين من الجزائريين، لخوض معارك ضد النّازية، في هذه الحرب الفظيعة، سيكتشف أشياء جديدة، لم يكن يعرفها في حياته القسنطينية البسيطة، سيصادف الحبّ، وخصوصا البرد وقساوة الحرب، ورائحة الموت، ويدرك أن الحياة أكثر هشاشة، ممّا كان يعتقد في قسنطينة، كان عليه أن يُضحّي من أجل فرنسا، التي لم تكن تقرّ بحقوق مواطنيه، وتنظر إليهم كصنف أدنى من الفرنسيين المعمّرين في البلد.
فاليري زناتي (1970-) كتبت عن جزائر أربعينات القرن العشرين، من دون أن تسقط في فخّ «تمجيد الاستعمار»، ففي الجزائر، من النّادر أن نكتب عن الحقبة الكولونيالية نصاً إنسانياً، يهتم بالمصائر البشرية، بدل إدانة الاستعمار، من دون التّعرض لجملة من الاتهامات الجاهزة، ومن «التّخوين» أحياناً، خصوصاً إذا كان الكاتب من الضّفة الشّمالية من المتوسط.
|
سبق للمخرج رشيد بوشارب (1953-) أن تحدّث عن هؤلاء «الجزائريين المنسيين»، في فيلمه الشّهير «أنديجان» (أهالي، 2006)، الذي عُرض في المسابقة الرّسمية من مهرجان «كان»، وبعث نقاشاً حاداً حول وضع المحاربين القادمين من شمال أفريقيا، في الحرب العالمية الثّانية، انتهى بقرار من الحكومة الرّسمية بمساواة منح اﻟ«80 ألفا» من أفارقة وشمال أفريقيين، مع نظرائهم من الجنود الفرنسيين السابقين.
كاتب من الجزائر