فاغنر عنوان توتر جديد بين فرنسا وروسيا في أفريقيا الوسطى

فرنسا تتهم مجموعة فاغنر الروسية بالوقوف وراء محاولات للتلاعب بالرأي العام ضدها في أفريقيا الوسطى والنهب الاقتصادي للقارة تحت غطاء اتفاقات أمنية.
الأحد 2022/12/18
الفرنسيون يغادرون أفريقيا الوسطى

بانغي- أعلنت روسيا إصابة أحد مسؤوليها في جمهورية أفريقيا الوسطى الجمعة بانفجار طرد مفخخ اعتبره رئيس مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية هجوما نفذته فرنسا التي نفت الاتهام.

وتقع جمهورية أفريقيا الوسطى التي تشهد حربًا أهلية منذ عام 2013، في قلب إستراتيجية التأثير الروسية في أفريقيا. كما أدى دور فاغنر المتنامي إلى قيام فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، بسحب آخر جنودها من البلاد الخميس.

ونقلت وكالة الأنباء الروسية “تاس” عن المكتب الإعلامي للسفارة الروسية في أفريقيا الوسطى أن “رئيس البيت الروسي (مركز ثقافي) تلقى يوم الجمعة طردًا من مصدر مجهول وفتحه ووقع انفجار”. وأضافت أن هذا المسؤول دميتري سيتي نُقل إلى المستشفى لمعالجته من “جروح خطيرة”.

وبعيد ذلك أدان الملياردير الروسي يفغيني بريغوجين القريب من الكرملين تورط فرنسا في العملية.

يفغيني بريغوجين: اتصلت بوزارة الخارجية الروسية لبدء إجراء لإعلان فرنسا دولة داعمة للإرهاب
يفغيني بريغوجين: اتصلت بوزارة الخارجية الروسية لبدء إجراء لإعلان فرنسا دولة داعمة للإرهاب

وقال رئيس مجموعة فاغنر “اتصلت بوزارة الخارجية الروسية لبدء إجراء لإعلان فرنسا دولة داعمة للإرهاب”، كما ذكر مكتبه الإعلامي. وأضاف بريغوجين أن دميتري سيتي وقبل أن يفقد وعيه، قرأ ملاحظة مرفقة بالطرد تقول “من أجلك، نيابة عن جميع الفرنسيين، سيغادر الروس أفريقيا”.

من جهتها، نفت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الجمعة الاتهامات التي ساقها رئيس فاغنر، وقالت أثناء زيارتها إلى المغرب “هذا الخبر غير صحيح بل هو مثال على الدعاية الروسية والأوهام الخيالية التي تميز أحيانا هذه الدعاية”.

وأضافت أن “هذه الميليشيا (فاغنر) ترتكب انتهاكات مؤسفة ضد السكان المدنيين وهناك الكثير مما يمكن قوله عنها، لكن الوقت غير مناسب الآن”.

وتتهم فرنسا مجموعة فاغنر بالوقوف وراء محاولات للتلاعب بالرأي العام ضد فرنسا في العديد من البلدان الأفريقية والنهب الاقتصادي للقارة تحت غطاء اتفاقات أمنية.

وأكد بريغوجين أن سيتي تلقى تهديدات في نوفمبر تستهدف ابنه المقيم في فرنسا.

من جانبها، قالت وزارة الخارجية الروسية إن ما جرى “عمل إجرامي” يهدف إلى “الإضرار بتطوير العلاقات الودية” بين موسكو وبانغي، من دون أن تتهم أي جهة بالوقوف وراءه.

وأشار مصدر دبلوماسي روسي في بانغي لوكالة ريا نوفوستي إلى أن سيتي تسلم الطرد في منزله الموجود خارج حرم السفارة.

وقال الدبلوماسي في السفارة الروسية في جمهورية أفريقيا الوسطى إنه “تسلمه ونقله إلى البيت (الروسي) وفتحه”.

وساد الهدوء المنطقة المزدحمة قرب المركز الثقافي الروسي الواقع وسط مدينة بانغي على مسافة غير بعيدة من السفارتين الفرنسية والروسية ظهر الجمعة، وفق ما أفاد مراسلو فرانس برس. ولم يكن هناك حضور أمني حول المكان وظلت حركة المرور طبيعية.

وأكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن المركز الثقافي الروسي سيظل مفتوحًا رغم الهجوم.

وقال بوغدانوف “يجب ألا نبدي خوفا في مواجهة الإرهابيين، فهم ينتظرون ذلك فقط”، داعيا إلى تعزيز أمن البعثة الدبلوماسية الروسية في أفريقيا الوسطى.

وغادر آخر 47 عسكريا فرنسيا جمهورية أفريقيا الوسطى الخميس. وكانت فرنسا قد قررت في صيف عام 2021 تعليق تعاونها العسكري مع بانغي، معتبرة أنها “شريك” في حملة مناهضة لباريس تقودها روسيا.

وقاد الانقلاب، الذي شهدته مالي وبعده انقلاب بوركينا فاسو، الفرنسيين إلى الشعور بالخطر الذي تمثله فاغنر الروسية على نفوذهم، وخرج الانتقاد من السر إلى العلن.

◙ خطر فاغنر لم يعد يخص فرنسا وحدها، فالولايات المتحدة تشعر بدورها بأن الوجود الروسي بات يهدد مصالحها ودورها في أفريقيا
خطر فاغنر لم يعد يخص فرنسا وحدها، فالولايات المتحدة تشعر بدورها بأن الوجود الروسي بات يهدد مصالحها ودورها في أفريقيا

واتهم وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان مجموعة فاغنر العسكرية الروسية بـ”نهب” مالي، مؤكدا أنها في المقابل لا تسعى للحلول محلّ فرنسا والدول الأوروبية التي تنشر قوات في منطقة الساحل.

وقال لودريان إن المجموعة المثيرة للجدل “مؤلفة من عسكريين روس سابقين تسلحهم روسيا وتساندهم لوجستية روسية. في أفريقيا الوسطى، وصل الأمر بهم إلى حدّ الضراوة، إذ كانوا يقايضون أمن السلطات بالحق في استغلال موارد المناجم بعيدا عن أي محاسبة”.

وتابع “في مالي، الأمر مماثل. باشروا منذ الآن استخدام موارد البلد لقاء حماية المجموعة العسكرية. إنهم ينهبون مالي”.

وتتهم فرنسا وحلفاؤها الأوروبيون المجلس العسكري في مالي بالاستعانة بمرتزقة مجموعة فاغنر.

وفيما ينفي المجلس العسكري وجودها، أكد رئيس القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا الجنرال ستيفن تاونسند أن “فاغنر في مالي”، مضيفا “إنهم هناك، نعتقد أنهم بضع مئات الآن”.

وبدا أن خطر فاغنر لم يعد يخص فرنسا وحدها، فالولايات المتحدة تشعر بدورها بأن الوجود الروسي بات يهدد مصالحها ودورها في أفريقيا.

ولا تمتلك واشنطن قاعدة عسكرية في مالي، لكنها كانت توفر دعما لوجستيا مهما للقوات الفرنسية، خاصة من ناحية الاستخبارات، حيث تمتلك قاعدة عسكرية في النيجر المجاورة، إلا أنها في السنوات الأخيرة فضلت تقليص تواجدها العسكري في أفريقيا إلى أضيق حدوده.

ولم يتبق لواشنطن من آلية لمراقبة تحركات الروس في مالي سوى “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي”، خاصة بعد انسحاب باماكو من مجموعة الدول الخمس في الساحل، التي تضم أيضا النيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا.

ومن المستبعد أن تحاول واشنطن إرسال قوات إلى مالي لمنع تمدّد روسيا في منطقة الساحل.

لكن قائد القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) حذر من أنه “سيتعين على الولايات المتحدة وحلفائها مواجهة صعود الجماعات المتطرفة العنيفة ووصول المرتزقة الروس إلى منطقة الساحل، مع تزايد عدم الاستقرار”.

4