فاغنر تشعل سباق التسلح بالمسيّرات في الساحل والصحراء

نواكشوط – أعلن الجيش الموريتاني، للمرة الأولى، امتلاكه طائرات مسيّرة استطلاعية وهجومية، في رسالة مبطنة موجهة إلى مالي لكنها تشير إلى أن تمركز مجموعة فاغنر الروسية يجر دول الساحل والصحراء إلى سباق التسلح ويحولها إلى منطقة حرب بالوكالة مع عمل الغرب على وقف تقدم فاغنر وسعي روسيا للتمدد.
وقال بيان صادر عن الجيش الموريتاني، بحضور الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، إن هذه “المسيّرات قادرة على تغطية كامل الحوزة الترابية الوطنية، بما في ذلك المياه الإقليمية على مدار الساعة”.
ووفق بيان للرئاسة اطلع ولد الشيخ الغزواني، خلال زيارة إلى المنطقة العسكرية السادسة بالعاصمة نواكشوط مساء الأحد، على “ترسانة عسكرية تم اقتناؤها مؤخرا”.
وتتكون هذه الترسانة من “وحدات مدرعة وأخرى مدفعية ميدانية ووحدات مضادة للدروع وأخرى مضادة للطائرات وطائرات ومحطات رادار ومسيّرات استطلاع وهجوم ذات فاعلية عالية”.
تركيز موريتانيا على فاعلية المسيرات والأسلحة المتطورة يتضمن تأكيدا على وجود داعمين غربيين
ويوحي التركيز الموريتاني على فاعلية المسيرات والأسلحة المتطورة وتنوعها بأن الأمر يتجاوز مجرد شراء أسلحة محدودة ليشمل خطة أوسع تريد من خلالها نواكشوط تأكيد أنها قوية، وأن لديها داعمين سيساعدونها على الحصول على الأسلحة التي تريدها لمواجهة التحرش المالي الذي حصل قبل أسابيع، ولكن الأهم قطع الطريق أمام تسلل مجموعة فاغنر إلى الأراضي الموريتانية تحت مسوغ مطاردة الجهاديين وتهيئة مناخ يمكنها من التأثير في الشأن الداخلي.
ويهدف التصعيد من جانب موريتانيا، خاصة أن ذلك يتزامن مع إجراء مناورات على الحدود تحت عنوان “الوقوف على جاهزية الوحدات المقاتلة ومستواها العملياتي”، إلى تأكيد أنها لن تتسامح مطلقا مع أي محاولة لجرها إلى مربع النفوذ الروسي الجديد الذي بدأ يتشكل في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ولا شك أن موسكو تريد أن توسع دائرة الحلف، وهذا سر تخوف موريتانيا وردة فعلها السريعة حتى لا ينظر إليها كخاصرة رخوة يمكن اختبارها.
وكانت مالي حصلت، وفق تقارير مختلفة، على مسيرات البيرقدار التركية واستعملتها في مواجهتها الحركات الانفصالية، كما أشارت إليها بيانات الحركات الأزوادية. وفي الجهة المقابلة للحدود الموريتانية حصلت الجزائر على مسيرات إيرانية، ما يهدد أمن نواكشوط التي تحرص على عدم الانضواء تحت أي تحالف إقليمي، خاصة بعد عرض الجزائر كيانا بديلا عن الاتحاد المغاربي يستثني المغرب.
وقبل أيام كشف تقرير صادر عن موقع “ميليتاري أفريكا”، المتخصص في الشؤون العسكرية الأفريقية، أن عدد الطائرات المسيرة في ترسانة الجيش الموريتاني حوالي أربع مسيرات، ليحتل بذلك المركز الـ28 أفريقيّا والأخير مغاربيّا.
وقال التقرير إن المغرب يتصدر قائمة الدول المغاربية الأكثر امتلاكا للمسيرات بما مجموعه 233 طائرة مُسيّرة، وبعدها الجزائر بـ121 مسيرة، تليها تونس بحوالي 59 طائرة.
وتوترت العلاقات بين نواكشوط وباماكو على خلفية توغل قوات مالية، مصحوبة بعناصر من مجموعة فاغنر الروسية، في مناطق حدودية موريتانية خلال بداية أبريل الماضي. وفي 4 مايو الماضي أجرى الجيش الموريتاني مناورات عسكرية على الحدود مع مالي.
وقال الجيش آنذاك إن هدف المناورات هو “الوقوف على جاهزية الوحدات المقاتلة ومستواها العملياتي، والاطلاع على احتياجاتها اللوجستية، واختبار أسلحة المشاة والمدفعية ومضادات الطيران وراجمات الصواريخ والطائرات المقاتلة”.
وصرح الناني ولد أشروقة وزير الطاقة والناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية بأن “نواكشوط سترد بقوة، وستكيل الصاع صاعين لمن يتغوّل في أراضيها أو يمس بمواطنيها”.
ويعتقد مراقبون سياسيون أن تهديدات المسؤولين الموريتانيين بالرد على أي تدخل خارجي وتقديم الأسلحة الجديدة بحماسة يظهران أن نواكشوط لا تتحرك بشكل منفرد، وإنما تراهن على الدعم الغربي الذي من شأنه أن يساعد على مواجهة فاغنر.
ويعرف الغرب، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا، أن ترك موريتانيا بمفردها في مواجهة فاغنر سيعني آليا خسارة دولة حليفة، والأهم خسارة دولة واعدة في مجال الغاز. وتقول الحكومة الموريتانية إن احتياطيات الغاز المكتشف في البلاد تقدر بأكثر من 100 تريليون متر مكعب.
المغرب يتصدر قائمة الدول المغاربية الأكثر امتلاكا للمسيرات بما مجموعه 233 طائرة مُسيّرة، وبعدها الجزائر بـ121 مسيرة
وقد يدفع التّخوفُ من الأجندة الروسية في دول الساحل موريتانيا إلى الانفتاح على التعاون مع الولايات المتحدة، التي تبحث بدورها عن شريك بديل تنقل إليه قواتها المنسحبة من النيجر وتشاد.
ويرى أمين غوليدي الباحث في الجغرافيا السياسية والأمنية، في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنترست، أن تقوية التعاون الأمني مع نواكشوط يوفر لواشنطن حصنا ضد انتشار عدم الاستقرار صوب الجنوب ويساهم في تعزيز قدرات موريتانيا ويدعم بنيتها التحتية العسكرية.
وقال ريتشارد ويتزر، مدير مركز التحليل السياسي بمعهد هودسون في فرجينيا، إن التقارب بين حلف الناتو وموريتانيا يعكس الاهتمام المتزايد بالوضع في منطقة الساحل وتحديد محاولات روسيا بسط سيطرتها في المنطقة عبر مجموعة فاغنر.
ويخشى الناتو تكرار سيناريو مالي والنيجر وبوركينا فاسو في موريتانيا بأن يتولى سياسي قريب من روسيا السلطة أو يحاول دفع القيادة الموريتانية إلى الاقتراب أكثر من موسكو على حساب الغرب.
وقام الأميرال بوب بوور، رئيس اللجنة العسكرية للحلف الدفاعي الغربي، بزيارة عمل إلى موريتانيا. وأكد المسؤول العسكري في الناتو “أنهم يعملون مع القوات الخاصة الموريتانية على تدريب ما بين 80 و100 فرد، ويقومون بإنشاء وحدة جديدة من القوات الخاصة”.
وفي قمة الناتو لعام 2022 في مدريد وافق رؤساء الدول والحكومات الأعضاء على حزمة بناء القدرات الأمنية والدفاعية لموريتانيا، بهدف دعم جهودها في جعل قدراتها الدفاعية والأمنية أكثر مرونة لمواجهة التحديات الأمنية المتنوعة في المنطقة، ورفع مستوى معايير التدريب للقوات الموريتانية في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.