فاتورة الأجور الحكومية في المغرب تتضاعف خلال 8 سنوات

الرباط - أكد خبراء المجلس الأعلى للحسابات في المغرب أنّ وتيرة ارتفاع فاتورة رواتب موظفي القطاع العام سجلت قفزات كبيرة في السنوات الأخيرة تفوق متوسط المعدلات العالمية.
وأظهر تقرير المجلس، الذي اطلعت عليه “العرب”، أنّ كتلة الأجور في الموازنة ارتفعت من نحو 75.4 مليار درهم في 2008 إلى 120 مليار درهم (12 مليار دولار) في العام الماضي.
وتشير تلك الأرقام إلى أنّ مخصّصات الوظائف الحكومية في العام الماضي أصبحت تعادل نحو 11.84 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهي نسبة مرتفعة جدا بالمقاييس العالمية.
ورجّح التقرير أن ترتفع نسبة كتلة الأجور في العام المقبل لتصل إلى 12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، قبل أن تبدأ في التراجع اعتبارا من 2019 لتصل إلى 11.5 بالمئة بحلول 2021.
وسجّل متوسط الإنفاق على وظائف القطاع العام نموّا كبيرا بين عامي 2008 و2016 بمعدل يبلغ 5.3 بالمئة سنويا، بينما كان متوسط النموّ السنوي للناتج المحلي الإجمالي في حدود 3.92 بالمئة.
5.3 بالمئة متوسط النمو السنوي في رواتب العاملين في القطاع العام في المغرب منذ عام 2008
وأشار التقرير إلى أنّ كتلة الأجور عرفت ارتفاعا قياسيا خلال أربع سنوات هي 2009 و2011 و2012 و2014 يفوق ما تم تسجيله في السنوات الأخرى.
وقال إنّ تلك التطوّرات تعود إلى القرارات الاستثنائية التي تمّ اتخاذها من قبل الحكومة بزيادة أجور الموظفين خلال السنوات المذكورة. وذكر أنّ النموّ المتباين في رواتب الموظفين يسير بإيقاع أسرع بكثير من نموّ الناتج المحلي الإجمالي في المغرب.
وأكد التقرير أن احتواء تداعيات ذلك المستوى المرتفع من الإنفاق على الوظائف العمومية يتطلب تحقيق نموّ اقتصادي يزيد على 3.5 بالمئة سنويا.
واعتبر الخبراء أنّ المقارنة مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي يبلغ متوسط فاتورة الأجور الحكومية فيها نحو 9.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، يظهر ارتفاع تلك الفاتورة في المغرب.
وأرجع سبب تلك الظاهرة إلى الترقية السريعة للموظفين، إضافة إلى القرارات الحكومية الاستثنائية بزيادة الأجور.
وأشار إلى أنّ متوسط أجر العاملين في القطاع العام يعادل 3 أضعاف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بتطابقها في إسبانيا ونحو 1.2 في فرنسا.
12 مليار دولار فاتورة رواتب الموظفين الحكوميين في المغرب العام الماضي، بحسب تقرير حكومي
وذكر أنّ تلك الفجوة تشير إلى غياب رؤية واضحة لدى السلطات العمومية عن إجرائها لمفاوضات الأجور، حيث لا يجري الربط بين زيادات الأجور بأداء الموظفين وجودة الخدمات التي تقدّمها المؤسسات الحكومية.
وخلُص التقرير إلى أنّ الدولة تتحمل أعباء تفوق طاقتها حين لا ينعكس ارتفاع الأجور في إنتاجية الموظفين ونظرة المواطنين إلى الوظيفة في القطاع العام.
ووجّه الخبير الاقتصادي المغربي محمد بدير في تصريحات لـ“العرب” انتقادات شديدة لسياسة الميزانية. وقال إنها يجب أن ترتبط بالمجال الاجتماعي، وتحسين الحياة اليومية للمواطن بشكل عام، وألاّ تقتصر مكاسبها على العاملين في القطاع العام.
وأشار إلى قلة الوثائق الحكومية التي تظهر تفاصيل السياسة المالية في مشروع قانون المالية لسنة 2018 من أجل إماطة اللثام عن ملامحها.
وشدّد على ضرورة بذل المزيد من الجهود للكشف عن تفاصيل السياسة المالية من العائدات إلى النفقات والعجز والمديونية قبل أن تذهب إلى تفسير العجز الهيكلي في الميزانية.
ويُجمع محللون على أنّ النموذج التنموي المغربي بات في حاجة ماسّة لنفس جديد يعطي فرصا متكافئة لكافة الجهات ضمن رؤية شاملة لتحفيز النموّ، لا سيما مع حرص الملك محمد السادس على إدخال بلاده في حقبة جديدة من النشاط الاقتصادي ذي المردود العالي.
ويتوقّع أن تشمل موازنة 2018 تدابير جديدة لإعطاء دفعة قوية للاقتصاد المحلي الذي تعاني فيه بعض القطاعات من مشاكل.
وخصّصت الحكومة في الموازنة موارد مالية وفرص عمل للقطاعات الاستراتيجية، خصوصا في قطاعي التعليم والصحة، كما يرتكز أساسا على دعم القطاعات الاجتماعية وتسريع مسار الإصلاحات.
وسيبلغ عدد فرص العمل نحو 19 ألف وظيفة، بالإضافة إلى 20 ألف وظيفة بالتعاقد في قطاع التعليم، الذي سيبلغ العاملون فيه، في إطار التعاقد، حوالي 55 ألفا بحلول 2020.
ويقول اقتصاديون إنّمحرّك التنمية لأيّ قطاع هو الطلب الداخلي الذي لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل توزيع عادل للثروة، ودعم للفئات المهمشة من المجتمع وعلى رأسها الفئة التي تضمّ الشباب.
وأظهر مشروع الموازنة أنّ الرباط تتوقّع تراجع معدل النموّ إلى نحو 3.2 بالمئة خلال السنة المقبلة مقارنة بـ4.8 بالمئة في السنة الحالية، مع عجز بنحو 3 بالمئة.
وتبدو هذه التوقعات متفائلة قياسا بتوقعات البنك الدولي التي أصدرها في وقت سابق بأن يحقق الاقتصاد نموّا بنحو 4.1 بالمئة هذا العام، بفضل انتعاش القطاع الزراعي.