فاتورة إعمار غزة.. والدعم العربي

دخلت الحرب على غزة شهرها السادس مع وجود بارقة أمل بعد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2728 الذي نص على أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس يجب أن يكون فورياً، وهذا بالتأكيد يلـمّح بمستقبل أفضل لغزة في حالة التزام إسرائيل بقرار المجلس.
قرار مجلس الأمن هذا قد يجعلنا نسرح بخيالنا قليلا إلى أنه في حالة التزام إسرائيل فقد تتوقف الحرب على شعب غزة المكلوم، ويعود الاستقرار إلى القطاع ثم تعود الحياة تدريجيا، وقد يتطور الأمر إلى حدوث مفاوضات بين الجانبين تفرز حلا نهائيا للأزمة الفلسطينية – الإسرائيلية بحل الدولتين.
هذا سيناريو تفاؤلي، فقد ينتهي قريبا المسلسل الإسرائيلي الدموي في غزة من سفك دماء وتجويع ودمار شامل وتخريب اقتصاد غزة، إلا أن ذلك ربما لن يحدث إلا في حالة التزام إسرائيل بقرار مجلس الأمن، وكذلك توحّد أبناء الشعب الفلسطيني لإعادة بناء الدولة بعيدا عن القوى السياسية الطامعة في السلطة، وما يعزز ذلك بقوة هو الدعم العربي لغزة والقضية الفلسطينية، فهنا لا يكفي الدعم السياسي والمعنوي، ومن المهم الدعم المادي لغزة بـ“قبلة حياة” تعيدها لنا مجددا.
إعادة الدعم المالي العربي إلى السلطة الفلسطينية مهمة جدا وضرورية في هذا التوقيت الذي يسعى فيه أبناء غزة، في حالة انتهاء الحرب، إلى إعادة بنائها، فإذا كان العرب جادين حقّا في التفكير بمستقبل غزة بعد الحرب فعليهم تقديم الأدلة.
◙ يبدو أن مصر تبذل قصارى جهدها لحماية أهل غزة، ليس فقط بتوفير المساعدات لهم، وإنما أيضا بالتلميح إلى المساعدة في إعادة إعمارها
يدرك كثيرون منا أن ميزانية السلطة الفلسطينية تعاني كثيرا، كما أن فاتورة الإعمار التي تنتظر السلطة، في حال عادت إلى الحكم في غزة، ليست هينة. ولعل من أبرز الأدلة التي تؤكد عجز ميزانية السلطة ما قدمته المفوضية الأوروبية، فقد اعتمدت حزمة مساعدات للسلطة الفلسطينية بأكثر من 118 مليون يورو خلال العام الماضي 2023، وهذا جزء من المخصص السنوي لفلسطين.
هذه المساعدات تساهم في دفع رواتب ومعاشات التقاعد لموظفي الخدمة المدنية في الضفة الغربية، وصرف المخصصات الاجتماعية للعائلات المحتاجة، وتغطية تكاليف التحويلات الطبية إلى مستشفيات القدس الشرقية، ودعم القدرات الإدارية والفنية لمؤسسات السلطة الفلسطينية، ومن الواضح أن الوضع في غزة يحتاج إلى مليارات الدولارات حتى تعود الحياة إليها مجددا؛ ففي الوقت الذي يظل فيه الاتحاد الأوروبي أكبر مقدّم دولي للمساعدات إلى الفلسطينيين، لا بد من دعم عربي حقيقي يؤكد الوحدة العربية وأن القومية العربية مازالت موجودة وباقية.
وتعاني ميزانية السلطة الفلسطينية من أمور عديدة، أبرزها توفير نحو 500 مليون دولار سنويا لتغطية الرواتب خاصة أن 351 ألفا يتلقون أشباه رواتب، هذا إضافة إلى ارتفاع الدين الخارجي إلى حوالي 1.4 مليار دولار، فيما تبلغ مديونية الحكومة للبنوك المحلية أكثر من 2.4 مليار دولار، وتصل المتأخرات المستحقة لموردي السلع والخدمات للحكومة من القطاع الخاص إلى نحو مليار دولار، تضاف إلى ذلك مديونية الحكومة التي تتجاوز 6.5 مليار دولار.
يأتي هذا في ظل توقف الدعم الأميركي تماما منذ عام 2018، وتناقص الدعم العربي منذ عام 2020 حتى توقف بشكل كامل أيضا في 2021. فمن ينقذ غزة ويساهم في إعادة إعمارها؟
مؤخرا تحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وقال إنه كلف بإعداد دراسات لمعرفة كلفة إعادة إعمار غزة، وإن هذه الدراسات انتهت إلى أن الكلفة تصل إلى 90 مليار دولار.
يبدو أن مصر تبذل قصارى جهدها لحماية أهل غزة، ليس فقط بتوفير المساعدات لهم، وإنما أيضا بالتلميح إلى المساعدة في إعادة إعمارها. فهل ينضم العالم العربي إلى المبادرة المصرية بدعم فلسطين وإعادة إعمار غزة؟