غياب محاسبة الوزراء والمسؤوليين الحكوميين يوسع دوائر الفساد في مصر

البرلمان المصري غير قادر على تفعيل دوره الرقابي ومحاسبة المخطئين.
الاثنين 2022/06/20
حكومة لا رقيب عليها

تثير استقالة أو إقالة مسؤولين سامين في الحكومة المصرية دون محاسبة جدلا داخل الأوساط المصرية، خاصة وأن المؤسسات التي كانوا يديرونها تحوم حولها العديد من شبهات الفساد. ويشير مراقبون إلى أن غياب المحاسبة والمساءلة يوسع دائرة الفساد بدل تطويقه كما تقول الحكومة.

القاهرة – تصدرت المطالبة بإقالة وزير الشباب والرياضة المصري أشرف صبحي اهتمامات الرأي العام أخيرا، على خلفية جملة من الإخفاقات التي تعرض لها قطاع الرياضة من دون الحديث عن المساءلة السياسية عن الأخطاء التي وقعت، وما إذا كانت هناك شبهات فساد حقيقي من عدمه، وهل تنحصر الأزمة في إدارة النشاط الرياضي أم أن هناك ظروفا خارجية تسببت في هذا التدهور؟

واكتفى البرلمان المصري عبر النائب إيهاب رمزي بطلب حضور وزير الرياضة إلى مجلس النواب لشرح أسباب الهزيمة المؤسفة التي تعرض لها المنتخب المصري لكرة القدم من نظيره الإثيوبي في التاسع من يونيو الجاري، والتي فجرت غضب الشارع وكشفت عن ضعف الاتحاد الحالي في إدارة شؤون اللعبة وفضحت تقاعس تعامل وزير الرياضة مع توالي أزمات ملف كرة القدم.

وما يحدث الآن مع وزير الرياضة المصري تكرر من قبل في وقائع وزارية أخرى، إذ أن وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل الذي تقدم باستقالته من منصبه منذ حوالي عام وقبلها رئيس الحكومة لم يعرف لماذا ترك موقعه، وما هي الأخطاء التي وقع فيها واستحقت إزاحته بطريقة أشبه بالإقالة، ولا يزال منصبه شاغرا حتى الآن.

ولم يأخذ استجواب برلماني لحالة وزير الإعلام طريقه للتعرف على أوجه الإهمال والفساد وطبيعة المخالفات التي وقعت في مدينة الإنتاج الإعلامي التي تحدث عنها مقدم الاستجواب، واستمر هيكل في منصبه الثاني كرئيس لمدينة الإنتاج بعد تركه حقيبته الوزارية، ثم قيل إن الاستجواب سقط بمجرد استقالته من الوزارة، وبقي في موقعه الإداري بمدينة الإنتاج إلى أن جرى تغييره منذ نحو ثلاثة أشهر.

وتكرر الأمر مع وزيرة الصحة هالة زايد التي تقدمت في أكتوبر الماضي بطلب إجازة مفتوحة عقب إصابتها بوعكة صحية، وتم تكليف وزير التعليم العالي خالد عبدالغفار بالقيام بأعمال وزارة الصحة بجانب مسؤوليته في وزارته.

وجاءت إجازة وزيرة الصحة المرضية بعد الكشف عن قضية رشوة في مكتبها الرسمي، واتُهم فيها زوجها السابق وأربعة من العاملين في الوزارة.

وبرّأت التحقيقات زايد، مؤكدة وجود أربعة من المتهمين فقط، بينهم طليقها الذي استغل اسمها للحصول على رشاوى، لكن دون أن تعود إلى منصبها مرة أخرى أو تخضع للمحاسبة السياسية من جانب البرلمان أو الحكومة، على الرغم من استردادها عافيتها.

ومن غير المستبعد أن تنتهي أزمة وزير الرياضة مثل غيرها من الأزمات الأخرى التي مرت ولم تعرف الأبعاد التي قادت إلى وأدها، وسواء أكانت هناك إقالة من عدمه فالرأي العام أصبح بمعزل عن كثير من الخبايا التي أشار لها البعض من مقدمي البرامج الرياضية بلا دليل أو إثبات.

جمال أسعد: عدم محاسبة الوزراء نتيجة عدم وجود حياة سياسية

وأصبح أعضاء الحكومة الحالية، وغيرهم من الوزراء السابقين، على قناعة بأنه لا توجد مسؤولية سياسية يمكن أن تلاحقهم وهم في مناصبهم أو خرجوا منها، وأن ضعف البرلمان وتزايد المشكلات التي يواجهونها في أثناء تأدية عملهم يجعلان هناك صعوبة في إثبات وجود إهمال يستوجب المحاسبة أو الإبعاد عن المنصب.

ولفت المحلل السياسي جمال أسعد إلى وجود فارق بين المحاكمة والمحاسبة السياسية، ومن المفترض تفعيل الأولى بمقتضى قانون محاكمة الوزراء، ويستخدم البرلمان مسؤوليته بما يملكه من أدوات تتيح له في النهاية سحب الثقة بعد استجواب الوزير.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الأسباب الحقيقية لعدم محاسبة الوزراء تتمثل في عدم وجود حياة سياسية بالمعنى الحقيقي في مصر، وأن الدولة تعيش شكلا سياسيا بلا مضمون، حيث يوجد دستور وقوانين وبرلمان، لكن هذه المؤسسات توضع في إطار الشكل في ظل غياب الحياة الحزبية وندرة الكوادر القادرة على مواجهة الوزراء.

وأوضح أن البرلمان الحالي يعبر عن حالة التراجع السياسي، حيث فشل في القيام بمواجهات سياسية مع الوزراء، وبدا غير قادر على استخدام الأدوات الرقابية بفعل أن نوابه يفتقرون للخبرات، مع وجود شكوك حول دخولهم البرلمان بطرق التفافية، فلا توجد محاسبة سياسية إلا مع نواب لهم صلاحية كاملة في استخدام أدواتهم الرقابية.

ولدى العديد من السياسيين قناعة أن حالة انعدام المكاشفة السياسية للوزراء تسهم في توسيع دوائر الفساد، وأن الأجهزة الرقابية التي نشطت السنوات الماضية غير قادرة بمفردها على التعامل مع انتشار الفساد، لأن هناك أدوات رقابية أخرى خاملة.

وأثار حفل زفاف مساعد وزير الصحة المصري والمتحدث السابق باسم الوزارة خالد مجاهد مؤخرا جدلا واسعا في مصر، وتعامل معه الرأي العام المحلي باعتباره أحد أوجه الفساد بفعل تكلفته التي تجاوزت الملايين من الجنيهات.

سعيد صادق: كثرة المشكلات تصعب معها محاسبة كل مسؤول

وتقدم عضو مجلس النواب سعد الصمودي بسؤال إلى رئيس الوزراء، والقائم بعمل وزير الصحة والسكان، لإيضاح حقيقة امتلاك متحدث (موظف) وزارة الصحة السابق لأسهم في 12 مستشفى خاصة، في مخالفة صريحة لأحكام قانون الكسب غير المشروع، وقانون تعارض المصالح الذي يحظر على من يشغل موقعا قياديا في الدولة التربح من مهام وظيفته.

ودائما ما تنتهي طلبات الإحاطة والأسئلة الموجهة بشأن وقائع فساد بالبرلمان دون اتخاذ إجراءات بحق المتسببين فيها، وقد لا يجرى التطرق إلى الطلب ولا يأخذ طريقه نحو التصعيد وصولا للاستجواب الذي يظل عملة نادرة يقترب منها النواب إلا في حالات تُحصى على أصابع اليد الواحدة مؤخرا.

وأكد أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة سعيد صادق أن كثرة المشكلات التي تواجه الجهاز الإداري للدولة تصعب معها محاسبة كل مسؤول، وترى دوائر قريبة من النظام الحاكم أنه من الأفضل الصمت عن بعض التجاوزات فقد تجد الحكومة نفسها أمام إبعاد وزراء بشكل مستمر، وهذا لا يتماشى مع الرؤية الظاهرة لإحداث قدر من الاستقرار الداخلي في هياكل الحكومة.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن الكثير من الوزراء لا بد من محاسبتهم على حالة التردي التي أصابت وزاراتهم، خاصة التي ترتبط بتنفيذ رؤية الحكومة الاقتصادية، وأن التعامل بمنطق صعوبة السيطرة على الأزمات يقود لتكرار المشكلات وتفاقمها وغياب القدرة على إحداث التنمية التي تتحدث عنها الحكومة.

وتضع سياسة تجاهل الأزمات أو البحث عن أدوات سريعة لإطفاء الحرائق بلا حلول جذرية الحكومة أمام أزمة مستقبلية تتمثل في سوء أوضاع الجهاز الإداري وترهله ومن ثم عدم القدرة على تنفيذ أجندة الحكومة.

وهناك دوائر ترى أن تسييس المشكلات التي يقع فيها الوزراء يقود إلى أزمات أكبر يتم توظيفها من قبل قوى معادية لضرب النظام الحاكم، بجانب التعود على التكتم في التعامل مع الكثير من الأزمات بذريعة الخوف من اهتزاز الصورة أمام الرأي العام.

2