غياب امرأة ما بعد الثورات العربية عن الدراما الرمضانية

تحاول المرأة العربية الخروج من قيود الصورة النمطية التي تصورها خاضعة للأعراف الذكورية، وذهب في ذهن البعض أنها ستحقق نهضة كبيرة بعد مجموعة الثورات التي جردت الكثير من الشعوب العربية من الحكم الدكتاتوري. ومن الطبيعي أن يكون حضور المرأة الدرامي تجسيدا حيا لهذا التحرر النسبي لا العكس، خصوصا أن بعض الإحصائيات المبدئية كشفت أن الدراما الرمضانية بمختلف الدول العربية لهذه السنة غلّبت الوجوه النسائية على الرجالية، إلا أن المتابع للأعمال اصطدم بصور نمطية تعمق النظرة الدونية للمرأة بل وتختزلها في جسدها.
الأحد 2016/07/03
مسلسل "أولاد مفيدة" تفنن في تصوير المرأة في ثوب الضعف والوهن

تونس – بدت المرأة في الدراما المصرية شديدة السلبية كرست نمط المرأة السلعة، وكان النصيب الأكبر من القوالب النمطية المعلبة والسائدة في الدراما المصرية يتراوح بين امرأة لعوب متعددة العلاقات وأخرى خائنة أو فتاة ليل.

أما الدراما اللبنانية فإنها لم تخرج المرأة عن صورتها المعتادة العاشقة التي تقيم في أسر عواطفها ولا تجيد إدارتها، وتتعامل معها وكأنها قدر لا يرد.

وفي الأعمال الدرامية التونسية حصرت المرأة في زاوية مخزية تجيز كل محظور من تدخين ومخدرات وجنس.

وتبين من هذا المنطلق أن هذه الصور السلبية غيبت المرأة رغم الكم الهائل من الحضور النسوي في الدراما الرمضانية في 2016 بدل أن تقدمها في صور تليق بواقعها الذي يجسد إرادة متحررة تقطع مع الصور النمطية التقليدية.

وجود نخبة من ألمع وجوه التمثيل النسائية ضمن باقة المسلسلات الرمضانية التونسية، جعل المشاهد يعتقد أن المرأة التونسية وضعت قدما على سلم إثبات الذات والنجاح في إظهار إمكانياتها الفنية.

ومع المشاهد الأولى لمجموع الأعمال الفنية المبرمجة لشهر رمضان لسنة 2016 لاحظ المتابع اتفاق جل هذه الأعمال على تقديم المرأة التونسية في صورة دون المتوقع.كما تبين محاولة أغلب الأعمال حصر صورة المرأة في زاوية ضيقة تعمق النظرة الدونية التي تناضل من أجل تغيّرها بدل إنصافها، لا سيما وأن بعض المسلسلات أجزت صورة الأم العزباء وأخرى خلقت نوعا من المساواة المنشودة بين الرجل والمرأة تجسدت في التدخين بكل أصنافه واحتساء الخمر.

تغيب المرأة الفاعلة في ثنايا الخاضعة لسلطة الرجل حيث حاول أحد الأعمال -الدرامية وهو مسلسل “الأكابر” الذي تغلب عليه الوجوه النسائية، تقديم صورة لصاحبة السلطة المطلقة في البيت والعمل لكنها صورة شوهت مكامن القوة في المرأة لا العكس، حيث جسدت تسلطا منبوذا ظهر في آخر المسلسل أنه قوة تغطي على جرائم الرجل.

ويمكن الاستدلال بهذا العمل الدرامي على جملة من الصور السلبية للمرأة لأنه اشتمل على نماذج مختلفة للمرأة منها التي تريد أن تقيم علاقات حميمية قبل الزواج بدافع الحب، وأخرى مدمنة تحاول إخضاع الأهل لفكرة زواجها من شخص معين، وثالثة تقع تحت سلطة رجل يعيدها بالزواج لتجد نفسها بعد ذلك مشاركة في أعمال تهريب لأنها مهددة بفيديو صور كل لحظات عبثها مع الزوج الموهوم.

إفراغ صور المرأة الغالبة على الدراما الرمضانية من أي مساهمة في الحياة الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية، توظف لأغراض تجارية، دون الانتباه لأهمية هذه الأدوار المسقطة من سجلها النضالي كأم وزوجة وعاملة

ولا تقف النماذج عند هذا الحد بل تصور كذلك تعبير الفتاة لصديقها عن رغبتها في الانفراد به والمبيت معه وكأننا بهذه الدراما نقلب الأدوار لأن الصديق بدا متمنعا في حين شددت هي على رغبتها في ذلك. ولم يستثن المسلسل الصورة التقليدية للسكرتيرة وحصرها في نموذجين أحدهما امراة تقيم علاقة مع مرؤوسها فتخرج في كل صور المجون، والأخرى تحاول إغواءه. كما أن مسلسل “الأكابر” طرح لونا من العلاقات الزوجية الذي يمكن إدراجه ضمن المسكوت عنه، ألا وهو إعراض الزوج عن معاشرة زوجته لأن زواجه منها كان إرضاء لوالدته لا غير، فبدت الزوجة خاضعة تنتظر بادرة من زوجها، وهذه الزاوية بالذات يطل عبرها المشاهد على صورة قديمة من المفروض أننا تجاوزناها ولم يعد الأبناء خاضعين لرغبات الأهل في تزويجهم بل لرغباتهم واختياراتهم.

وفي شكل آخر من أشكال تحدي النظرة النمطية لعلاقة الحماة بالكنة أخرج مسلسل “نسيبتي العزيزة” صورا بدت في أغلبها تؤسس لنوع آخر من العلاقات التي تحكمها قلة الأدب والتطاول على الحماة.

وقدم هذا العمل كذلك صورة المرأة التي تسيطر على زوجها لكنه عمد إلى جعلها في صورة الريفية المهرجة غير المسؤولة عن أفعالها. وفتح المسلسل بابا على إغراق المرأة في التدخين وأشار إلى مسألة جلوسها في المقاهي، لا سيما وأنها ظهرت في صورة مخجلة في إحدى اللقطات بالمقهى.

وهذه الصور لا تعد نقطة في بحر الصور التي جمعها مسلسل “أولاد مفيدة” الذي تفنن في تصوير المرأة في ثوب الضعف والوهن، فهي المرأة التي تسرق وتقتل وتركب الدراجات النارية، المرأة المنغمسة في الفساد والمسؤولة عن شتى أنواعه، كأنما لم تساعد تلك المسلسلات إلا على تعميق النظرة الدونية للمرأة على أنها جسد أجوف ومحل للعبث وإفراغ الشهوة والاستعراض.

ويرى بعض النقاد أن في إفراغ صور المرأة الغالبة على الدراما الرمضانية من أي مساهمة في الحياة الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية، توظف لأغراض تجارية، دون الانتباه لأهمية هذه الأدوار المسقطة من سجلها النضالي كأمّ وزوجة وعاملة.

وفي الوقت الذي أظهرت فيه بعض الأعمال الدرامية التونسية صورة المرأة التابعة للرجل، نجحت السلسلة الدرامية “بوليس″ في جذب التونسيين الذين انبهروا بدور هيفاء الشرطية التي جمعت بين الجمال والقوة والتي لا تقل ذكاء أو اندفاعا عن بقية الفريق المتكون من النخبة. وحرص مخرج البرنامج الشاب مجدي السميري على ترسيخ هذه الصورة الإيجابية عندما غير رئيس الفريق برمته ووضع بدلا منه امرأة تعرف بحزمها وشدتها ويشهد لها بالكفاءة.

إقرأ أيضا:

الدراما اللبنانية والمرأة ذات البعد الواحد

انحياز دراما رمضان ضد المرأة يغضب المنظمات النسائية

20