غياب المعارضة عن الانتخابات يقوض البديل الديمقراطي في مصر

فشلت الحركة المدنية بمصر في طرح نفسها بديلا يمكن الرهان عليه، في ظل غياب التناغم بين القوى الممثلة داخلها، الأمر الذي يصب في صالح السلطة الحالية وأيضا الأحزاب ذات المرجعية الدينية، على الرغم من كون الأخيرة لا يسجل لها نشاط بارز.
القاهرة - غابت الحركة المدنية الديمقراطية التي تمثل المعارضة المصرية عن مشهد انتخابات الرئاسة التي اختتمت مرحلتها الأولى في الخارج الأحد، وستنطلق في الداخل مطلع الأسبوع المقبل، ما طرح تساؤلات عدة حول تأثير هذا الغياب بعد أن بزغ نجمها خلال انعقاد الحوار الوطني قبل أن يخفت مع بدء الاستعداد للاستحقاق الانتخابي.
وأصدرت تسعة أحزاب، من بين 12 حزباً داخل الحركة، بياناً مع بدء الحملات الانتخابية مطلع الشهر الماضي، أعلنت فيه عدم دفعها بأي مرشح رئاسي، وأن “الانتهاكات” التي صاحبت إجراءات الترشح وأهدرت ضمانات الحياد وقواعد المنافسة حولت الانتخابات إلى “استفتاء مقنّع”.
ولم تتخذ الأحزاب موقف مقاطعة الانتخابات، ولم تعلن تأييدها لفريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الذي يخوض السباق الانتخابي، والعضو في الحركة المدنية، واكتفى حزب التحالف الشعبي الاشتراكي بإعلان مقاطعته.
ويؤكد متابعون أن حرق الحركة المدنية، التي كان يمكن أن تصبح بديلاً يسد الفراغ السياسي العام، يخدم مباشرة جماعة الإخوان والتنظيمات ذات التوجه الديني التي تجيد العمل في الخفاء وتستفيد من استمرار الفراغ السياسي، كما أن ذلك يؤشر على أن عملية الإصلاح لم تبدأ بعد والجهود التي اتخذتها الحكومة طوال الأشهر التي سبقت بدء الانتخابات تعرضت لانتكاسة بفعل هذا الغياب في وقت كان يمكن أن تلعب فيه دوراً مهماً لتسخين أجواء المنافسة الانتخابية.
وقد لا يكون مناسباً أن تعود الحركة المدنية بنفس تشكيلتها السابقة بعد أن ضمت طيفا من الأحزاب والقوى المدنية من اتجاهات مختلفة، وسط توقعات بأن تشهد المزيد من الانقسام، وأن ما تعرضت له من تشكيل جبهات داخلها، مثل تدشين “التيار الحر” الذي ضم أحزابا ليبرالية أو تشكيل “كتلة الحوار” التي ضمت شخصيات لها توجهات قريبة من الحكومة، مقدمة لتفسخها. وهو ما يدفع نحو تراجع تأثيرها.
وفشلت الحركة المدنية في أن تقدم نموذجاً مقنعاً لشرائح من المواطنين لها تحفظات على الحكومة وتصرفاتها، ما يعزز قناعة مفادها أن القوتين التنظيميتين الأكثر قوة في المجتمع هما السلطة والدوائر القريبة منها، والتيارات التي تصل إلى الجمهور بخطاب يغلب عليه الطابع الديني.
ورغم عدم وجود أثر قوي لهذه التيارات واتجاه السلفيين مثلا إلى دعم النظام الحاكم إلا أن ذلك لا يمنع من ترسيخ حقيقة أن الأحزاب المدنية مازالت خارج المعادلة.
ولا يعول الكثير من السياسيين على منافسة قوية يشكلها فريد زهران في المشهد الانتخابي، لأن حزبه يفتقر إلى الثقل الشعبي، وهو شخصية غير معروفة لدى أغلب المواطنين، ومشاركة حزبه على قوائم حزب مستقبل وطن في انتخابات مجلسي النواب والشيوخ دفع البعض إلى تفسير ذلك على أنه نوع من الشيزوفرينيا السياسية، ويؤثر في طبيعة النظر إليه كمعارض قوي.
وقال الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أحمد كامل البحيري إن “وصول الحركة المدنية إلى التوافق أمر صعب، لأنها تتشكل من أحزاب اتجاهاتها متفاوتة بين اليمين واليسار”.
وأوضح البحيري في تصريحات لـ”العرب” أن “مشاركة فريد زهران وغيره من رؤساء الأحزاب في السباق الانتخابي تعزيز للمسار الديمقراطي في ظل حالة التراجع الشديدة في المشهد السياسي، ومطالب الحركة بشأن الانفتاح والإصلاح واحدة ويتفق عليها الجميع”.
وأضاف أن “الحركة المدنية كانت ترى أن هناك معوقات تعيق المشاركة في الانتخابات بفاعلية، ولم تعلن في الوقت ذاته مقاطعتها، والحزب الوحيد الذي أعلن ذلك هو التحالف الشعبي، وتراجعها يرتبط بتعليق الحوار الوطني والخلاف حول استنتاجات مشهد الانتخابات إثر فشل المعارض أحمد الطنطاوي في جمع توكيلات تؤهله للمنافسة”.
وأشار إلى أن جماعة الإخوان تستغل الأحداث السياسية التي تتعرض لها البلاد، سواء أكانت تتعلق بتطورات إيجابية أم سلبية، ويظهر ذلك في توظيف الأزمة الاقتصادية لصالح توجيه المزيد من الضربات للحكومة، والوضع ذاته بالنسبة إلى الحوار الوطني؛ فعلى الرغم من إيجابياته إلا أنه كان محل تشكيك، ووصولا إلى الموقف الخاص باعتراض الدولة المصرية بشكل قوي على تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
ولفت نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي (معارض) زهدي الشامي إلى أن غياب الأحزاب المدنية لا يصب في صالح إحراز تقدم في بناء بديل مدني، ما يشكل خطراً داهما على البلاد، بغض النظر عن استفادة الإخوان من عدمها، في ظل تراجع التنظيم بصورة كبيرة وعدم قدرته على التواجد على الأرض.
وشدد الشامي في تصريح لـ”العرب” على أن “استمرار حالة الفراغ السياسي أمر سلبي للغاية ويدفع لأهمية التحرك نحو إعادة تصحيح المسار، ووجود ظهير مدني قوى للحكومة يساعدها في التعامل مع الأزمات الاقتصادية، في وقت تتعرض فيه البلاد لتحديات عدة، وهي بحاجة إلى سند شعبي يدعمها، والتوحد خلف موقف الدولة في مواجهة أخطار الجبهة الشرقية التي تذوب في مواجهة الأخطار القومية، بالتالي فضعف الأحزاب وغيابها عن المشهد يضران بالجميع، ولا يتعلق الأمر فقط بمدى استفادة تنظيم الإخوان”.
وتأسست الحركة المدنية عام 2017 وكان يمكن أن تشكل ظهيراً سياسياً مطلوباً للمعارضة، وتراجعها في المشهد الحالي عملية تدفع الحكومة ثمنها بسبب تحميلها مسؤولية عدم تهيئة الأجواء المواتية في الفضاء العام.
كما أن المعارضة فشلت في التوافق على مرشح موحد يخوض الانتخابات باسمها وكانت أمام أحزابها فرصة لتحقيق مكاسب سياسية كبيرة وتثبت أنها قادرة على التماسك والتوحد لإعادة تقديم نفسها بصورة جديدة، وهو أمر لم يحدث.