غياب الحلول ينذر بفوضى اقتصادية أعمق في إيران

طهران - تواجه إيران أزمة غير مسبوقة تجمع بين تضخم جامح وسقوط سريع لقيمة العملة المحلية، فضلا عن سوء إدارة الحكومة الجديدة للوضع القائم الذي يكبحه تشديد العقوبات الأميركية، وخنق مصدره الأول للإيرادات، ألا وهو النفط.
والأمر لا يتوقف عند ذلك الحد، فحكومة الرئيس مسعود بزشكيان لديها تحديات أخرى تتمثل خاصة في نقص الوقود من السوق وضعف تدفقات رأس المال وفقدان العمال المهرة والمتعلمين بسبب الهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة.
ولذلك يؤكد المتابعون أن غياب الحلول الجذرية لإصلاح الوضع المتدهور ينذر بفوضى أعمق، خاصة مع بروز مؤشرات على ذلك، والتي كان آخرها تعليق شماعة الفشل الحكومي على وزير الشؤون الاقتصادية والمال عبدالناصر همتي الذي تمت إقالته الأحد.
وأقال البرلمان همتي بعد بدء إجراءات حجب الثقة عنه بسبب طريقة معالجته أزمة معدل التضخم العالي وتراجع سعر صرف العملة الإيرانية، وفق ما ذكره التلفزيون الرسمي.
وأوضح التلفزيون أن الوزير خسر التصويت على حجب الثقة عنه، مع تأييد 182 برلمانيا من أصل 273 حضروا الجلسة المخصصة لإقالته. وفي السوق السوداء الأحد كان الريال يتداول بأكثر من 920 ألفا في مقابل الدولار الأميركي، مقارنة بأقل من 600 ألف في منتصف عام 2024.
وحاول بزشكيان الدفاع عن الوزير أمام النواب. وقال “نحن في خضم حرب (اقتصادية) مع العدو.” وأضاف “المشاكل الاقتصادية التي يشهدها مجتمعنا اليوم غير مرتبطة بشخص واحد ولا يمكننا إلقاء اللوم فيها على شخص واحد.”
ورفع الكثير من النواب أصواتهم، وتناوبوا على انتقاد الوزير بغضب، معتبرين أنه المسؤول عن الوضع الاقتصادي المزري. وقال العضو في البرلمان روح الله متفقر آزاد “لا يستطيع الناس تحمل الموجة الجديدة من التضخم، ولا بد من السيطرة على ارتفاع أسعار العملات الأجنبية والسلع الأخرى.”
في المقابل قالت النائبة فاطمة محمد بيجي “لا يستطيع الناس تحمل تكاليف شراء الأدوية والمعدات الطبية.” وحاول همتي، الذي كان في السابق محافظا للبنك المركزي، الدفاع عن سياساته بالقول إن “المشكلة الأكبر التي تواجه الاقتصاد هي التضخم. إنها مشكلة مزمنة تؤثر على الاقتصاد منذ سنوات.”
وتولى بزشكيان منصبه في يوليو الماضي، مع طموح معلن لإنعاش الاقتصاد وإنهاء بعض العقوبات التي فرضها الغرب منذ أكثر من سبع سنوات.
لكن تزايدت وتيرة انخفاض قيمة العملة المحلية خصوصا منذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر الماضي، والذي كانت إيران حليفته الرئيسية. وقال همتي “سعر الصرف ليس حقيقا والسعر عائد إلى توقعات تضخمية.”
وبحسب أرقام البنك الدولي ظل معدل التضخم في إيران أعلى من 30 في المئة سنويا منذ عام 2019. ووصل إلى 44.5 في المئة بحلول عام 2023. ومعدل العام الماضي غير معروف.
وأضرت العقوبات الغربية ولاسيما الأميركية المفروضة منذ عقود بالاقتصاد الإيراني، مع تفاقم التضخم منذ انسحاب واشنطن عام 2018 من الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
مؤشرات سلبية
920 ألف ريال سعر صرف العملة الإيرانية أمام الدولار في السوق السوداء
44.5 في المئة نسبة التضخم بحلول 2023 ولا توجد أرقام حينية لأسعار المستهلك
وأعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، إحياء سياسته المتمثلة في ممارسة “ضغوط قصوى” على إيران، ما أدى إلى تشديد القيود على الجمهورية الإسلامية.
وبموجب الدستور الإيراني تصبح إقالة الوزير سارية المفعول على الفور، مع تعيين قائم بأعمال الوزير حتى تختار الحكومة بديلا. وستكون أمام الحكومة بعد ذلك ثلاثة أشهر لتقديم بديل، والذي يتعين التصديق على تعيينه من خلال تصويت آخر في البرلمان.
وفي أبريل 2023 حجب أعضاء البرلمان الثقة عن وزير الصناعة آنذاك رضا فاطمي أمين بسبب ارتفاع الأسعار المرتبط بالعقوبات الدولية. ويؤثر النهج المتشدد من قبل ترامب بشكل كبير على تجارة النفط الإيرانية، حيث قام الرئيس بتقليص تدفقات طهران خلال ولايته الأولى التي انتهت في يناير 2021.
ونسبت رويترز إلى جون إيفانز، المحلل في شركة بي.في.أم أويل أسوشيتس المحدودة للسمسرة في لندن، قوله قبل فترة “ستكون صادرات الخام الإيراني على رأس قائمة العقوبات.” وأضاف “سيكون دليل اللعب مشابها لما شهدناه خلال رئاسة ترامب الأولى.”
ومثل المنتجين الآخرين، تواجه طهران انخفاضا بنسبة 15 في المئة في أسعار الخام منذ أواخر يونيو الماضي واحتمال أن يؤدي فائض عالمي وشيك إلى تباطؤ آخر في العام المقبل.
وتعافى إنتاج النفط الإيراني بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، حيث تلتقط مصافي التكرير في الصين، أكبر زبون لطهران، براميل بأسعار مخفضة، كما خففت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن من فرض العقوبات لكبح تكاليف البنزين.
ومن غير الواضح ما إذا كان التعافي يمكن أن يثبت مرونته في مواجهة ولاية أخرى لترامب، حتى مع الشبكة اللوجستية الهائلة التي بنتها إيران للالتفاف على العقوبات.