غياب التوافق بين مجلسي النواب والدولة في ليبيا يقود إلى اعتماد آليات بديلة

رغم وعود أطراف عدة بإجرائها، يشكل مرور عام على تأجيل موعد الانتخابات نكسة للشعب الليبي والمجتمع الدولي.
الأربعاء 2022/12/28
هل يكون المجلس الرئاسي الخيار البديل

طرابلس – وجهت الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا إنذارا لمجلسي النواب والدولة الليبيين بإمكانية اعتماد “آليات بديلة” إن لم يتمكنا من التوصل إلى اتفاق لإجراء انتخابات، وسط تصورات تتحدث عن إمكانية العودة إلى سيناريو ملتقى الحوار الوطني الذي جرى في العام 2020.

ولم يتمكن مجلسا النواب والأعلى للدولة من إحراز تقدم مهم بشأن القاعدة الدستورية، وذلك بعد عام من تأجيل الانتخابات الرئاسية الليبية التي كانت مقررة في الرابع والعشرين من ديسمبر 2021.

وتشكل مواقف الدول الأربع التي لم تنضم إليها فرنسا هذه المرة دعما معنويا للمبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي الذي دعا مجلس الأمن الدولي إلى “استخدام آليات بديلة للتخفيف من المعاناة التي تسببها الترتيبات السياسية المؤقتة التي عفا عليها الزمن، والمفتوحة بلا سقف زمني”. وربط باتيلي ذلك بشرط “عدم تمكن المجلسين (النواب والدولة) من التوصل إلى اتفاق سريع”.

وحمّل باتيلي في إحاطته أمام مجلس الأمن في السادس عشر من ديسمبر الجاري بالاسم رئيسي مجلسي النواب عقيلة صالح والأعلى للدولة خالد المشري مسؤولية جعل البلاد رهينة لخلافاتهما.

وقال “لم يعد الخلاف المستمر بين شخصين، رئيسي مجلسي النواب والأعلى للدولة، حول عدد محدود للغاية من الأحكام في القاعدة الدستورية مبررا كافيا لإبقاء البلاد بكاملها رهينة”.

ما يجري من مفاوضات أشبه بحلقة مفرغة من اللقاءات تركزت على تفاهمات على اختيار حكومة جديدة واستكمال تقاسم المناصب السيادية ولو بشكل تدريجي

وجاء الموقف الغربي متماهيا مع دعوة باتيلي إلى “استخدام آليات بديلة”، وشددت واشنطن في بيان صدر بمناسبة الذكرى الـ71 لاستقلال ليبيا على أنه “إذا لم تتمكن المؤسستان (مجلسا النواب والدولة) من التوصل إلى اتفاق سريع بشأن خارطة طريق انتخابية نزيهة، فيمكن بل ينبغي استخدام آليات بديلة لاعتماد قاعدة دستورية للانتخابات”.

ورددت بريطانيا على لسان المتحدث باسم خارجيتها نفس المصطلحات التي استخدمها باتيلي في مجلس الأمن “استخدام آليات بديلة للتخفيف من المعاناة التي تسببها الترتيبات السياسية المؤقتة والتي عفا عليها الزمن”.

واستخدمت إيطاليا وألمانيا الجملة نفسها، ما يؤكد أن هناك اتفاقا بين الدول الأربع مع باتيلي لممارسة أكبر ضغط على صالح والمشري للتوصل إلى اتفاق سريع بشأن القاعدة الدستورية ووضع خارطة طريق لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة.

وعادة ما كانت الدول الأربع إلى جانب فرنسا تصدر بيانات مشتركة عبر سفاراتها لدى ليبيا، لكنها هذه المرة فضلت أن تكون بياناتها منفصلة مع استخدام نفس الصيغة بشأن “الآليات البديلة”، ما يبيّن أن مواقفها منسقة مسبقا، لكنها لا تحظى بدعم فرنسا.

ويشكل مرور عام على تأجيل موعد الانتخابات نكسة للشعب الليبي والمجتمع الدولي، رغم وعود أطراف عدة بإجرائها، لكن عدم التوصل إلى توافق حال دون تنفيذها.

والإنجاز الوحيد الأساسي الذي تحقق هو حفاظ البلاد على سلام هش مع استمرار وقف إطلاق النار، رغم سقوط عشرات من القتلى في مواجهات مسلحة محدودة في طرابلس والزاوية بالغرب الليبي، ووقوع عدة اغتيالات واختطافات في المنطقة الشرقية.

أمام المبعوث الأممي عدة خيارات من بينها تكرار نفس تجربة المبعوثة الأممية السابقة بالنيابة ستيفاني ويليامز

وكاد إصدار مجلس النواب لقانون إنشاء محكمة دستورية ببنغازي (شرق) أن ينسف حواراته مع المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، قبل أن يعلن تعليقه في بيان مشترك بين عقيلة والمشري، واستئناف الحوار مجددا.

لكن ما يجري من مفاوضات أشبه بحلقة مفرغة من اللقاءات تركزت على تفاهمات على اختيار حكومة جديدة بدلا من حكومتي عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا، واستكمال تقاسم المناصب السيادية ولو بشكل تدريجي.

ومن المستبعد أن يحقق تكثيف الضغط من الأطراف الدولية على عقيلة والمشري لإنجاز قاعدة دستورية وخارطة طريق للانتخابات نتائج فعلية، خاصة وأن القرار ليس بأيديهما وحدهما.

فقائد الجيش المشير خليفة حفتر يلوح بالحرب للضغط على رئيس مجلس النواب وحتى رئيس مجلس الدولة من أجل عدم استبعاده من الانتخابات، خاصة في ظل رفضه التنازل عن جنسيته الأميركية وعن “منصبه” العسكري.

ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها هو الآخر متمسك بأن تشرف حكومته على تأمين الانتخابات حتى ولو ترشح لرئاسة البلاد، ويضغط من أجل عدم اختيار رئيسي المجلسين لحكومة ثالثة جديدة.

وبينما يراقب المجلس الرئاسي الوضع عن كثب، قال زياد الدغيم مستشار المجلس إن الأخير يرفض القوانين “المفصلة وفق الأشخاص”. ويرى مراقبون أن حديث باتيلي عن آلية بديلة قد يكون الغرض منه في الوقت الحالي الضغط على مجلسي النواب والدولة، لكن قد يصبح مع مرور الوقت الحل الأمثل.

ولم يعلن باتيلي عن شكل الآلية، لكن أمامه عدة خيارات بينها تكرار نفس تجربة المبعوثة الأممية السابقة بالنيابة الأميركية ستيفاني وليامز عندما شكلت ملتقى الحوار الوطني من 73 عضوا، بينهم 26 عضوا من مجلسي النواب والدولة.

انتخابات طال انتظارها
انتخابات طال انتظارها

ورغم نجاح ملتقى الحوار في توحيد السلطة التنفيذية والتشريعية، فإنه أخفق في الاتفاق على قاعدة دستورية لنفس السبب وهو شروط الترشح للرئاسة المفصلة على مقاس شخص بعينه.

ويمكن لباتيلي استبعاد كامل أعضاء مجلسي النواب والدولة من الهيئة المرتقبة لتحل محل السلطة التشريعية بغرفتيها، لكن ذلك سيلقى معارضة من البرلمان الذي لن يتنازل عن سلطته بسهولة.

والاحتمال الآخر أن يتولى المجلس الرئاسي حل مجلسي النواب والدولة بأمر رئاسي وبدعم دولي، ويتولى السلطتين التشريعية والتنفيذية بشكل يتيح له وضع قاعدة دستورية وإصدارها بأمر رئاسي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى قوانين الانتخابات والإشراف على تنفيذ وتأمين الاقتراع.

ووفق هذا السيناريو، سيجد المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي صعوبات في إجراء الانتخابات لعدم امتلاكه قوة مسيطرة على الأرض، فالجيش الليبي يسيطر على الشرق والجنوب، والدبيبة يتحكم في أغلب الكتائب بالغرب، وإذا تم استبعادهما من المشهد فلن يسمحا بإجراء الانتخابات، فضلا عن المعارضة والرفض المتوقع من مجلسي النواب والدولة لمثل هذا القرار، والذي سبق وأن طرح بشدة عندما تم حرق مقر مجلس النواب في مدينة طبرق (شرق) في احتجاجات منددة بعدم إجراء الانتخابات، وإعلان المجلس الرئاسي انعقاده بشكل دائم.

لكن المظاهرات الشعبية في المدن الليبية حينها لم تكن بالكثافة التي تتيح الذهاب إلى حل البرلمان على طريقة الرئيس قيس سعيد في تونس، خاصة وأنه لم يكن يحظى بدعم دولي قوي، وحفتر عارض هذه الخطوة، وعقيلة هدد المنفي ضمنيا بالسعي لتغيير أعضاء المجلس الرئاسي. وفي الأخير فإن الخيارات المتاحة أمام المبعوث الأممي لإيجاد “آليات بديلة” ليست مثالية، لكن انتظار إجراء الانتخابات إلى ما لا نهاية أصبح عبثا.

4