غياب التنسيق الأفريقي يدفع مصر للبحث عن حلول فردية لأزمة المياه

مخاوف مصرية من تشييد إثيوبيا لسدّ جديد.
الجمعة 2025/05/30
في حاجة للبحث عن حلول من خارج الصندوق

تواجه مصر تحديات كبيرة في التعامل مع أزمة شح الماء لاسيما بعد أن نجحت إثيوبيا في التحكم بشكل كبير في تدفق المياه إلى دولتي المصب (مصر والسودان)، وتجد القاهرة نفسها مجبرة على البحث عن حلول فردية في غياب التوافق مع الدول الأفريقية المعنية بالأزمة.

القاهرة - تسبب استمرار أزمة سد النهضة بين إثيوبيا وكل من مصر والسودان في تفاقم أزمة المياه بين الدول الثلاث، ووصل تأثيرها إلى نشوب مشكلات تتعلق بتوزيع المياه وتعظيم الاستفادة منها بين دول حوض النيل، ما دفع القاهرة إلى البحث عن حلول فردية قد تُمكنها من التعامل مع الشح المتوقعة زيادته الفترة المقبلة، وسط غياب التنسيق مع دول أفريقية، واتجاه بعضها إلى عدم تفضيل الحلول التوافقية.

وتحدث وزير الري والموارد المائية المصري هاني سويلم أخيرا عن زيادة الاعتماد على التكنولوجيا في إدارة المياه مع وجود تحديات متزايدة لتغير المناخ، مشددا على أهمية التركيز على التقنيات المبتكرة قليلة التكلفة.

وحذرت دراسة علمية أعدها أستاذ الأراضي والمياه بجامعة القاهرة نادر نورالدين عرضت في مؤتمر “الاستثمار في أفريقيا”، الاثنين، من أن الاستثمارات الأجنبية في دول منابع نهر النيل تشكل تهديدا غير مباشر للأمن المائي المصري، وأن سكان القارة لا يستفيدون سوى بنسبة 9 في المئة من مواردها المالية.

عباس شراقي: التوتر الأكبر يتعلق بإمكانية إنشاء إثيوبيا سدا جديدا
عباس شراقي: التوتر الأكبر يتعلق بإمكانية إنشاء إثيوبيا سدا جديدا

ويُعد شمال القارة من أكثر المناطق جفافا، بينما تستأثر دول منابع النيل الأبيض بأكثر من نصف المياه ما يجعلها قبلة لاستثمارات زراعية مكثفة، خصوصا أن المياه لا يتم توزيعها بشكل عادل، حيث يتركز أكثر من نصفها في المناطق الاستوائية.

وأخذت مشكلات توزيع المياه بعدا أمنيا ودبلوماسيا في ظل استقطاب مستمر بين القاهرة وأديس أبابا، ويسعى كل طرف لجذب دول أخرى إلى صفه، وعكس قيام إثيوبيا بتنظيم زيارات دبلوماسية واستخباراتية إلى سد النهضة مؤخرا، حجم الخلافات، وتراجع جهود التنسيق حول الأمن المائي.

وتتجه أديس أبابا لإدخال دول شرق أفريقيا والهضبة الاستوائية كشركاء معها بعد أن مضت في تنفيذ اتفاقية عنتيبي بإقناع جنوب أفريقيا بالتوقيع عليها، ما يخصم من المساعي المصرية للوصول إلى اتفاق قانوني ملزم للتشغيل بعد الانتهاء تقريبا من تشييد بناء السد.

قال خبير المياه الدولي ضياءالدين القوصي إن المخاوف المصرية من عدم كفاية المياه المتاحة مشروعة، غير أن البلاد لن تتأثر بشكل كبير هذا العام، لكن الحذر واجب في ظل عدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل، بعد أن تحكمت إثيوبيا بشكل كبير في تدفق المياه إلى دولتي المصب (مصر والسودان)، ولا تملك القاهرة معلومات كافية عن آليات عمل التوربينات التي قامت إثيوبيا بتركيبها، ولماذا لم تعمل حتى الآن، وماذا عن منافذ السد التي يجب فتحها لتدفق المياه قبل موسم الأمطار؟

وأضاف القوصي في تصريحات لـ”العرب” أن إثيوبيا تقوم بفتح البوابات في توقيتات غريبة، وليس معروفا أسباب ذلك، ما يجعل مصر على قناعة بأن هذه التوجهات مغرضة وتهدف للإضرار بالمصالح المائية المصرية، أو عدم وجود خبرات إثيوبية لإدارة منظومة المياه في سد النهضة، وعرضت القاهرة المساعدة في عملية التشغيل لكن طلبها قوبل بالرفض.

لدى إثيوبيا خطة لإقامة ثلاثة سدود، يمكن أن تخفف الضغط على سد النهضة، وتضمن طول أمد بقائه

ولفت خبير المياه إلى أن القاهرة أمام تحد جديد يتمثل في التغيرات المناخية التي قد تأتي في صالح مصر هذا العام ويمكن أن تفيض كميات المياه عن الحاجة، لكن في الأعوام المقبلة قد يكون هناك شح كبير نتيجة استمرار ارتفاع درجات الحرارة بمعدلات غير مسبوقة بفصل الصيف، ما يبرز مسألة الاستعداد المسبق لكل الاحتمالات عبر تعظيم إجراءات تتخذها الدولة منفردة والبحث عن حل سياسي مع إثيوبيا ودول حوض النيل.

وأوضح وزير الري المصري، على هامش احتفالية نظمتها السفارة الألمانية في ذكرى انطلاق محادثات المناخ بين القاهرة وبرلين، أنه في موسم الصيف الماضي تم تسجيل درجات حرارة قياسية، وشهدت مصر الكثير من موجات الحرارة العالية، ما أثر على مواردها المحدودة.

ويأتي إلى مصر نحو 97 في المئة من المياه عن طريق نهر النيل، بينما تزيد آثار التغيرات المناخية من تأثيرات نقص المياه بها، شمالا وجنوباً وفي الداخل.

وتقدِّر مصر احتياجاتها المائية بـ114 مليار متر مكعب سنويا، ولا تتجاوز مواردها 60 مليار متر مكعب سنويا، وتعمل الحكومة على سد جزء من الفجوة عبر إعادة استخدام 21 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، واستيراد محاصيل من الخارج، بما يقابل نحو 33.50 مليار متر مكعب سنويا، وهو ما يعرف بالمياه الافتراضية.

وأوضح أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي أن بناء سد النهضة انتهى من جهة البناء الخرساني وتخزين المياه، ويبقى التوليد الكهربائي الذي جرى إنجاز نحو 50 في المئة منه، وتم تركيب ثلاث توربينات من أصل 13 توربينا، ولا تعمل بشكل منتظم، ما يعنى أن إثيوبيا لم تحقق استفادة حقيقية من السد، سوى تحكمها في وصول المياه إلى دولتي المصب.

ضياء الدين القوصي: إثيوبيا تقوم بفتح بوابات سد النهضة في توقيتات غريبة
ضياء الدين القوصي: إثيوبيا تقوم بفتح بوابات سد النهضة في توقيتات غريبة

ولفت شراقي في تصريح لـ”العرب” إلى أن الأيام المقبلة سوف تثبت إذا كانت إثيوبيا استطاعت توليد الكهرباء من عدمه، وحال اضطرت إلى فتح البوابات في شهر يونيو، فذلك يعني أنها لم تستخدم حوالي 30 مليار متر مكعب، كان من المفترض توجيهها إلى التوربينات لتوليد الكهرباء، وفي كل الحالات فإن كميات المياه سوف تصل إلى مصر والسودان، من البوابات أو بمرورها من التوربينات، والمشكلة أن أديس أبابا قد تقوم بفتح البوابات مرة واحدة، ما يؤدي إلى غرق مناطق كبيرة في السودان.

وشدد وزير الخارجية المصري السفير بدر عبدالعاطي أثناء مشاركته في المنتدى الاقتصادي المصري-الأميركي، واختتم الاثنين، على أن الموقف من أزمة سد النهضة قد يقود إلى توتر جديد بالمنطقة، في ظل تصاعد الخلاف، وعدم التوصل إلى اتفاق، لافتا إلى أن مصر تعمل على استمرار الاستقرار.

وأكد عباس شراقي لـ”العرب” أن التوتر الأكبر الذي يمكن أن يحدث الفترة المقبلة يتعلق بإعلان أديس أبابا عن إنشاء سد جديد، ولو تطرقت إلى هذا الأمر، من خلال إعلان التدشين فقط، فإن ذلك سيواجه برد فعل مصري عنيف.

ولدى إثيوبيا خطة لإقامة ثلاثة سدود، يمكن أن تخفف الضغط على سد النهضة، ويساهم ذلك في طول أمد بقائه، وتتوقع دوائر مصرية ذلك، ما يتماشى مع قرارات سياسية تتبناها إثيوبيا، وسيكون لذلك أثر سلبي إضافي على إمدادات المياه لمصر.

2