غياب التخطيط الحكومي ينذر باستمرار أزمة المياه في العراق

أغلب محطات الضخ في المناطق العراقية تعاني من الإهمال الحكومي.
الخميس 2019/05/02
أزمات تزيد من معاناة المواطن العراقي

بغداد - ما زالت أزمة المياه قائمة في العراق رغم هطول كميات مهمة من الأمطار وذلك بسبب غياب التخطيط الحكومي، ما يهدد بصيف قائظ على العراقيين والحكومة معا في ظل توقعات بخروج احتجاجات مطلبية كتلك التي شهدها البلد الصيف الماضي.

ويقدر مخزون المياه في بلاد ما بين النهرين العام الحالي بنحو 42 مليار متر مكعب مع بداية الصيف الحار، أي ضعف مستويات العام الماضي الذي اتسم بالجفاف.

لكن ذلك لا يبدد التحديات المزمنة في العراق، لجهة ضعف البنى التحتية، محدودية الأموال، النزاعات مع الدول المجاورة، إضافة إلى التغير المناخي والطفرة السكانية.

وضاعفت كل من تركيا وإيران اللتين تنبع من أراضيهما أهم الأنهار التي تتجه صوب الأراضي العراقية استغلال الثروة المائية وتعبئتها في السدود، وأكبرها على الإطلاق سدّ أليسو الذي أقامته تركيا في المنطقة التي تحمل نفس الاسم على الحدود بين محافظتي ماردين وشرناق، وشرعت في ملئه مطلع الشهر الماضي ما انعكس بشكل واضح على مستوى مياه نهر دجلة في الجانب العراقي.

فنهر الفرات يتدفق من تركيا عبر سوريا إلى العراق، بينما نهر دجلة، الذي يبدأ من تركيا أيضا، تغذيه أنهار من إيران.

ويقول الخبير البيئي العراقي عزام علوش “اعتدنا الحصول على حوالي 15 مليار متر مكعب من المياه سنويا من إيران، لكننا لم نعد نحصل على ذلك” بسبب السدود والأنهار المعاد توجيهها.

ويتفاوض العراق مع كلا الجارتين للتوصل إلى اتفاقيات لتقاسم المياه، لكن موقعه كدولة مستقبلة لا يمنحه سوى نفوذ ضئيل.

وتعاني أغلب محطات الضخ من الإهمال، فمحطة ضخ المشاهدة القابعة وسط أشجار النخيل ونبتات القصب العالية شمال بغداد، لا تزال تحمل آثار الرصاص فيما يكسو الصدأ أنابيبها المعدنية وخزاناتها، وعلى الطريق الترابية المؤدية إليها تتناثر الأنابيب البلاستيكية المحطمة.

في محطة ضخ أخرى على بعد كيلومترات، يتواصل التسرب من الخزان الرئيسي ليل نهار.

ويعود تردي البنية التحتية إلى عقود تحت وطأة الحروب المتتالية التي شهدتها البلاد، بدءا من الحصار وفرض العقوبات التي حالت دون استيراد قطع غيار، ثم الغزو الأميركي في العام 2003، وصولا إلى سنوات الحرب الدامية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

ويؤكد علوش أن أجزاء من شبكة المياه أنشئت قبل 60 عاما في تربة مسببة للتآكل بفعل الرطوبة.

ويوضح “إذن، لدينا شبكة بها مواسير متآكلة مليئة بالثقوب”، وقد يتسرب 60 إلى 70 في المئة من المياه التي يتم ضخها قبل أن تصل إلى المنازل أو الأراضي الزراعية.

Thumbnail

وفي العام 2014، أعد العراق خطة مدتها 20 عاما بقيمة 180 مليار دولار لإدارة أزمة المياه. لكن المشروع ولد ميتا، إذ اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية البلاد في العام نفسه، وبالتالي تدفقت الأموال لتمويل الحرب ضده.

يقول أحمد محمود الذي يرأس موارد المياه في المشاهدة “لقد احتجنا لسنوات إلى محطة جديدة، لكن التمويل تجمد بالكامل في العام 2014 للأغراض العسكرية”.

وأوضح أنه رغم هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2017، لم تأت الأموال الموعودة مطلقا، وتقوم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) الآن ببناء المحطة الجديدة.

ويقول محمود “لم أتمكن من شراء الأنابيب من دونها”.

ويلفت رئيس مشاريع السدود في العراق مهدي رشيد إلى أن ميزانية الوزارة كانت “ما يقارب الصفر” حين كان العراق يقاتل التنظيم المتطرف.

وشهدت عدة محافظات في مايو العام الماضي احتجاجات جراء انخفاض منسوب المياه في نهري دجلة والفرات أدى إلى تردي خدمة التيار الكهربائي، ذلك أن محطات التوليد الحرارية لا تزال بدائية خاصة في بعض محافظات الجنوب، وتعتمد على تدوير المياه بالدرجة الأولى.

وأدت تلك الاحتجاجات إلى تسليط الضوء على مسألة الخدمات، وبدا أن الحكومة العراقية تنبهت إلى ذلك. وعليه، خصصت السلطات ميزانية تقارب 760 مليون دولار لوزارة الموارد المائية في العام 2019، بزيادة 60 في المئة عن 2018، لكن ذلك لا يطمئن العراقيين.

يقول رشيد إن “هذا أمر مطمئن، ولكنه مجرد بداية جيدة”، إذ لا تزال هذه من أصغر الميزانيات الوزارية.

وأقر رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي نفسه بأن شبكات المياه غير جاهزة للصيف، حين يمكن أن تصل الحرارة إلى 55 درجة مئوية. وقال “لن أكون صادقا إذا قلت إن البنية التحتية جاهزة لاستقبال كل ذلك”.

إضافة إلى ذلك، هناك مسألة التغير المناخي، إذ يتوقع البنك الدولي حدوث المزيد من حالات الجفاف الشديد في العراق بدءا من العام 2020.

وينتقد مراقبون تعاطي السلطات مع الأزمة خصوصا مع التوقعات بأن عدد سكان البلاد البالغ 40 مليون نسمة، سيزيد بمقدار عشرة ملايين آخرين قبل العام 2030. وبالتالي فإن ذلك سيؤدي إلى عجز في إمدادات المياه نسبته 37 في المئة، وفقا لمعهد الطاقة العراقي.

3