غياب الاستثمار يُفقد النفط في كردستان العراق قوة الدفع

تراجع الإنتاج في حقول طاوكي وخورمالة وطق طق.
الأربعاء 2022/08/31
من بمقدوره فضّ كل هذه التقاطعات المعقدة؟

تعطي الهواجس جراء قلة الاستثمار في قطاع النفط في كردستان العراق بالتوازي مع نضوب البعض من الحقول لمحة عن مدى الانتكاسة التي قد يتعرض لها الإقليم في السنوات المقبلة باعتباره المصدر الأهم للدخل، وأن الحكومة قد تكون في ورطة حقيقية قد تزيد معها متاعبها المالية.

أربيل - أظهرت وثائق حكومية أن إنتاج النفط في إقليم كردستان العراق قد ينخفض إلى النصف تقريبا بحلول العام 2027 إذا لم تكن هناك استكشافات جديدة أو استثمارات كبيرة في القطاع.

وقال دبلوماسيون ومسؤولون وخبراء في الطاقة إن التراجع الحاد في عائدات النفط، وهو شريان حياة لحكومة الإقليم، قد يفاقم المشاكل الاقتصادية لمنطقة تعاني بالفعل من متاعب مالية في ظل عدم استقرار الأوضاع في العراق.

ووفقا للمعلومات الرسمية يمكن أن يرتفع إنتاج الإقليم إلى 580 ألف برميل يوميا في غضون خمس سنوات إذا جاءت الاستثمارات على الوجه الأمثل، مما يعني توفر 530 ألف برميل يوميا للتصدير.

لكن الوثائق، التي لم يتم الكشف عنها من قبل، تظهر أنه دون استثمارات جديدة لن يتوفر للمنطقة شبه المستقلة سوى 240 ألف برميل يوميا لتصديرها مع نضوب الآبار القديمة.

كروان غازناي: القلق سيتبدد إذا سوينا مشاكلنا مع الحكومة المركزية

وفي حين لم تعلق حكومة إقليم كردستان على ذلك، قال عضو البرلمان الكردستاني كروان غازناي، وهو عضو في لجنة النفط والغاز بالإقليم، لوكالة رويترز إنه “أمر خطير جدا”.

وأضاف “يجب أن يعترينا القلق بسبب ذلك، لكنه لن يكون مشكلة حقيقية إذا ما سوينا مشاكلنا مع الحكومة العراقية، عندها يمكن لكردستان تطوير مناطق جديدة وزيادة الإنتاج. لدينا الكثير من المكامن”.

وبموجب الدستور العراقي يحق للمنطقة الحصول على جزء من الميزانية العامة. لكن الترتيب انهار في 2014 عندما انتزع الأكراد السيطرة على حقول النفط في كركوك، وهي الحقول الرئيسية المنتجة للخام بشمال العراق، من تنظيم داعش وشرعوا في بيع الخام من هناك بشكل مستقل.

وفي عام 2018 استعادت القوات العراقية الأراضي المتنازع عليها، بما في ذلك مدينة كركوك النفطية، واستأنفت بغداد بعض مدفوعات الميزانية لكن بشكل متقطع. وأرسلت للإقليم دفعتين هذا العام بقيمة 200 مليار دينار عراقي (137 مليون دولار).

انخفاض طبيعي

قال مسؤول حكومي، لم تذكر رويترز هويته، إن “ديون حكومة إقليم كردستان تبلغ حاليا نحو 38 مليار دولار”، فيما ذكر النائب غازناي أن صادرات النفط تمثل 85 في المئة من ميزانية الإقليم.

وتحسن الوضع المالي لحكومة الإقليم هذا العام بفضل الارتفاع في أسعار النفط في أعقاب اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لكن التراجع الحاد في الإنتاج سيزيد بصورة كبيرة من وطأة الصعوبات المالية التي تعاني منها.

وبحسب تقارير ديلويت تراجع إنتاج المنطقة من النفط بالفعل من حوالي 468 ألف برميل يوميا في 2019 إلى 445 ألفا العام الماضي و434 ألفا في الربع الأول من عام 2022.

وقال مصدر في حكومة كردستان العراق “يعود سبب انخفاض إنتاج النفط حاليا إلى عدم قدرة وزارة الثروات الطبيعية على جلب استثمارات إضافية في الوقت المناسب للتغلب على الانخفاض الطبيعي في إنتاج كل بئر بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة سنويا”.

وتشير الوثائق الحكومية إلى أن تراجع الإنتاج في ثلاثة حقول نفطية رئيسية، وهي طاوكي وخورمالة وطق طق، هو السبب الرئيسي للانخفاض.

روبن ميلز: حكومة الإقليم تخاطر بعدم تطوير الاكتشافات والإنتاج

ويقتضي الانخفاض المحتمل لإنتاج النفط في إقليم كردستان من الحكومة زيادة إنتاج الغاز، لكن تم تعليق مشروع لتوسيع أحد أكبر الحقول في العراق بسبب مخاوف أمنية.

ويُستخرج النفط في كردستان من تصدعات صخور الحجر الجيري. ويقول خبراء الطاقة إن هذا يدر في البداية كميات كبيرة لكن مستويات الإنتاج القوية يمكن أن تستنزف التصدعات بسرعة وتؤدي إلى تسرب المياه إليها.

وجعل ارتفاع منسوب المياه في عدة حقول، بما في ذلك طق طق، من الصعب الوصول إلى النفط وفقا لمسؤول حكومي وخبراء في الطاقة عزوا النضوب السريع للآبار إلى سوء الإدارة وصعوبة السمات الجيولوجية في المنطقة.

ويقول خبراء الطاقة ومصادر في القطاع إن جذب المزيد من الاستثمار يمكن أن ينقذ المنطقة من الانزلاق إلى الإفلاس، لكن مناخ الاستثمار الصعب يمثل عقبة.

ونسبت رويترز إلى روبن ميلز الرئيس التنفيذي لشركة قمر لاستشارات الطاقة قوله إن “هناك بعض التوسعات في الحقول لكنها بطيئة. الشركات تجد صعوبة في الحصول على الموافقات ولم تحدث اكتشافات مهمة منذ عدة سنوات”. وتابع “دون تطوير جديد كبير فإنهم يخاطرون بالتراجع في المستقبل القريب”.

انتكاسات القطاع

يقول المصدر في حكومة إقليم كردستان إن المنطقة تمتلك احتياطيات نفطية مؤكدة تقل عن ثلاثة مليارات برميل على أكثر تقدير وفقا لأشد التوقعات تفاؤلا، وهو ما يمثل النذر اليسير من إجمالي احتياطيات العراق المؤكدة التي تزيد عن 140 مليار برميل.

وعانى قطاع الطاقة في إقليم كردستان عددا من الانتكاسات في الآونة الأخيرة.

واعتبر حكم أصدرته المحكمة الاتحادية العليا العراقية في فبراير أن الأسس القانونية لقطاع النفط والغاز في المنطقة غير دستورية، مما حمل بعض الشركات الأجنبية، بما في ذلك شركات الخدمات النفطية الأميركية شلمبرجير وبيكر هيوز وهاليبرتون، على المغادرة.

كما أن القرار المرتقب في قضية تحكيم يعود تاريخها إلى عام 2014 بين تركيا والعراق بشأن خط أنابيب تصدير النفط الذي يمتد بين البلدين، يرسل غيوما من الشكوك بين الشركات الأجنبية التي مازالت تعمل في المنطقة الكردية.

445

ألف برميل يوميا إنتاج الإقليم في 2021 بعدما كان عند 468 ألف برميل يوميا قبل عام

ويقول العراق إن تركيا انتهكت اتفاقا من خلال السماح للمنطقة الكردية بالوصول إلى خط الأنابيب دون موافقة بغداد.

وجرت الجلسة الأخيرة في قضية التحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس في يوليو، وسيصدر قرار نهائي في الأشهر القليلة المقبلة، بحسب وزارة النفط العراقية ومصادر مطلعة على الأمر.

وجاء مستثمرو النفط الأجانب لأول مرة إلى كردستان في عهد صدام حسين حينما كانت المنطقة تعتبر أكثر استقرارا وأمانا من بقية أنحاء العراق.

لكن نجم المنطقة بدأ يأفُل، مع عزوف الشركات الأجنبية الكبرى بسبب التوتر بين الإقليم والحكومة المركزية في العراق، وسلسلة من التخفيضات في احتياطيات النفط في الإقليم إلى جانب المشاكل الأمنية.

والآن يعمل في كردستان عدد قليل من الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويشكو الكثير منها من بيئة التشغيل الصعبة. وإذا لم تتحسن بيئة الاستثمار في كردستان فقد يزيد ذلك من احتمال انسحاب شركات أخرى.

وقال المصدر في حكومة إقليم كردستان “الأكراد يعيشون حلما ولا يريدون الاستيقاظ منه”.

11