غياب الإعلام عن تطورات الساحل يعكس ضمور القوة الناعمة للجزائر

الإعلام الجزائري يبدو خارج التغطية حيال التطورات المتلاحقة التي تشهدها منطقة الساحل في علاقة بالانقلاب العسكري في النيجر، وهذا ما يعكس الفشل الذريع للسلطة الجزائرية في بلورة إستراتيجية إعلامية مؤثرة رغم الأموال الطائلة التي تغدقها على القطاع.
الجزائر- يسجل الإعلام الجزائري غيابا لافتا عن التطورات التي تعيشها منطقة الساحل خاصة بعد الانقلاب العسكري في النيجر، رغم ما للمسألة من ثقل وأهمية في تحديد مصير ومستقبل المنطقة التي تربطها قواسم اجتماعية وجغرافية وسياسية مع الجزائر، بينما يركز الإعلام الدولي بقوة على الوضع لإدراكه أن المصالح تختصر المسافات والجغرافيا.
وتغيب وسائل الإعلام الجزائرية بمختلف تخصصاتها، عن العشرين وسيلة إعلامية التي يقترحها محرك البحث غوغل، عن الباحث لمتابعة أخبار وتطورات الوضع السياسي والأمني في دولة النيجر، وهو ما يعكس حجم الفراغ الذي تتركه الإستراتيجية الإعلامية الجزائرية في الملفات والقضايا المحورية.
ويعيب مختصون الغياب غير المبرر للإعلام الجزائري عن الأوضاع في منطقة الساحل، وعن تفاعلات الانقلاب العسكري في النيجر رغم أن البلاد تقع في المجال الحيوي الجزائري، فالجزائر إلى جانب اقتسامها لألف كيلومتر من الحدود البرية مع النيجر، فإنها تربطها بها أواصر اجتماعية واقتصادية وإستراتيجية
لا يزال الإعلام غارقا في طبيعته المحلية، ويتركز اهتمامه على نقل رسائل المؤسسات الرسمية للشارع الجزائري
ولا يزال الإعلام الجزائري غارقا في طبيعته المحلية، حيث يتركز الاهتمام دائما على الشأن الداخلي، وعلى نقل رسائل المؤسسات الرسمية للشارع الجزائري، في حين تغيب العملية العكسية في نقل انشغالات الشارع أو صوته إلى تلك المؤسسات، بعدما أحكمت السلطة قبضتها بشكل غير مسبوق على وسائل الإعلام.
وفي غياب الرؤية المتخصصة داخل الإعلام الجزائري حول متابعة التحولات الإستراتيجية الاقليمية والدولية، يغيب الإعلام الجزائري حتى على أقرب التغيرات المحيطة به، تاركا المتلقي الجزائري لما يبثه الإعلام الدولي وبشكل أقل الإعلام العربي، رغم ما للمسألة من طابع حيوي يتصل بالحضور الإستراتيجي للدولة في التطورات المتسارعة بالمنطقة.
وتضخ الجزائر مئات الملايين من الدولارات سنويا في شكل دعم مالي لمؤسسات إعلامية حكومية وخاصة، لكنها لم تنجح في بلورة قاعدة إعلامية بإمكانها التأثير أو صناعة ولو نسبية للرأي العام الاقليمي والدولي، لمّا يتعلق الأمر بالعمق الإستراتيجي للدولة، فالشارع الأفريقي والعالم عموما لا زال يتابع تطورات الوضع في النيجر من بوابة مختلف وسائل الإعلام إلا الجزائرية.
وجاءت بيانات محرك البحث غوغل لتؤكد الفراغ الإعلامي الجزائري عن المنطقة، رغم ما يروّج داخليا حول مؤسسات إعلامية حكومية وخاصة لا يتعدى صوتها حدود المبنى الذي تتواجد فيه، وتغدق عليها الحكومة الملايين من الدولارات من أجل التكفل بالشأن الإعلامي الإقليمي والدولي.
ومنذ قدوم القيادة السياسية الحالية بعد أحداث الحراك الشعبي في 2019، توجد على الأقل مؤسستان تلفزيونيتان وعدة مواقع إخبارية وصحف ورقية، تزعم أنها متخصصة في شؤون الساحل وفي الشأن الدولي، لكنْ أداؤها يبقى رديئا وغارقا في محيطه المحلي الضيق، ولا يملك لا مصادر ولا موفدين ولا مراسلين في أيّ من دول المنطقة.
ويبقى القائمون على الشأن الإعلامي في الجزائر دون مستوى التحديات الحقيقية التي يضطلع بها الإعلام في صناعة الرأي العام وتوجيهه والدفاع عن المصالح الحيوية للبلاد.
وخلال زمن الحزب الواحد الذي حكم البلاد (1962- 1989)، لم تسقط فاعلية وتأثير الإعلام الجزائري كما يحدث في السنوات الأخيرة، أين تحرص دوائر القرار السياسي على جعله منصات دعائية ووسائل تضليل للرأي العام، الأمر الذي أقعده عن أداء دوره ورسالته، حتى وأن البلاد تواجه تغيرات إقليمية مهددة للدولة برمتها.
سياسات الإعلام الجزائري هي أقرب إلى تكريس الفساد والولاءات السياسية وإبعاد الكفاءات عن الواجهة
ورغم توسع التلفزيون الحكومي إلى عدة قنوات فضائية شاملة ومتخصصة، لكنه منذ الوعكة الصحية التي ألمت بالرئيس عبدالمجيد تبون العام 2020، واضطراره لمخاطبة الجزائريين من مشفاه بألمانيا عبر منصة تويتر، لما أغلق في وجهه، وعمد المقربون منه إلى إطلاق قناة تابعة مباشرة لقصر المرادية، تحت غطاء “قناة الجزائر الدولية”.
وأوعز نافذون في السلطة الى إعلاميين في القطاع الخاص لإطلاق مجمّع إعلامي يتضمن قناة فضائية وصحفا ومواقع إلكترونية، متخصصة في شؤون الساحل والصحراء، لكن الأداء والرؤية القاصرة أنهيا الملايين من الدولارات التي تغدق عليها إلى رماد بارد يكتفي بتوزيع عائدات الإعلان الحكومي على الملاك، بينما المصالح الإستراتيجية للبلاد في معركة الساحل يجري تسويقها عبر عيون الإعلام الفاعل في المنطقة
ويقول متابعون إن سياسات الإعلام الجزائري هي أقرب إلى تكريس الفساد والولاءات السياسية وإبعاد الكفاءات عن الواجهة، أكثر من قربها إلى ضرورات ملء الفراغ ومواكبة طموح السلطة السياسية في مدّ خيوط النفوذ والحضور بالمنطقة، فإلى جانب تغييب وإقصاء الأصوات والأقلام الناقدة والرأي الآخر، يجري الاصطفاف خلف خطاب السلطة بدل أداء دوره كسلطة موازية أو قاطرة تجر الرأي العام.
ويبحث صحافيون جزائريون عن فرص الطلاق مع المهنة، لأن المناخ السائد لم يعد يسمح بالاستمرار في التنازل عن المعايير المهنية، ومن بقي تحوّل إلى أشبه ما يكون بموظف إدارة الذي يؤدي وظيفته خلال ساعات دوام محددة، بلا رغبة ولا بحث ولا إبداع، ما دام رئيس التحرير واحدا فلا مجال للتغريد خارج ما يبثه شريط الوكالة الرسمية.
وفقد القطاع بهذه الممارسات والسياسات بريقه، وفقدت الجزائر معه قوتها الناعمة التي كان بالإمكان أن تحولها إلى بوابة حقيقية للنظر أو الاطلاع أو متابعة ما يجري في الساحل الأفريقي أو دولة النيجر.