غوتيريش لا يملك إلا الدعوة لإسكات الأسلحة في غزة

نيويورك - دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الاثنين إلى "إسكات الأسلحة" في قطاع غزة بمناسبة شهر رمضان. وقال لصحافيين "يصادف اليوم بداية شهر رمضان المبارك، وهو الوقت الذي يحتفل فيه المسلمون في جميع أنحاء العالم وينشرون قيم السلام والمصالحة والتضامن"، مضيفا "لكن حتى مع بداية شهر رمضان، يستمر القتل والقصف والمذبحة في غزة"، مطالبا كذلك بالإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس منذ هجوم 7 أكتوبر وتذليل "جميع العقبات التي تحول دون ضمان إيصال المساعدات المنقذة للحياة بالسرعة والنطاق الواسع المطلوبين" إلى غزة، حيث تحذر الأمم المتحدة من أن ربع سكان القطاع أصبحوا على شفا المجاعة.
وقال للصحفيين "القانون الإنساني الدولي أصبح في حالة يرثى لها"، مضيفا "التهديد بشن هجوم إسرائيلي على رفح يمكن أن يدفع سكان غزة إلى دائرة أعمق من الجحيم".
وتأتي دعوات غوتيريش بينما تعثرت جهود سابقة لوقف إطلاق النار مع تمسك كل من إسرائيل وحماس بشروطهما، بينما كانت الآمال معلقة على هدنة في رمضان الذي حل في غزة وسط تجويع وقصف لا يهدأ.
ويخيم الحزن والبؤس على خيم النازحين في قطاع غزة لا سيما في رفح حيث يتكدّس 1.5 مليون ممن فروا من القصف والمعارك ليجدوا أنفسهم فريسة الجوع والعطش حتى في شهر رمضان.
"حسبي الله ونعم الوكيل"، تقول ميساء البلبيسي (39 عاما)، وهي من مخيم جباليا في شمال غزة وقد وقفت باكية تضرب كفا بكف وطفلتها الرضيعة بين ذراعيها، أمام خيمة بسيطة محتوياتها بالية تقيم فيها مع زوجها وطفليها في ملعب برقة وسط سوق الشابورة في مخيم رفح.
وبدت المرأة المنقّبة المتشحة بالسواد حدادا على أقاربها والدمار الذي لحق ببيوتهم، حائرة ماذا ستعدّ للإفطار في أول أيام رمضان، فلا يوجد في الخيمة سوى حبة طماطم واحدة مع علبة جبن صغيرة دون أي قطعة خبز.
وتقول "كل شيء غال، لا نستطيع شراء الخضار حتى الفاكهة غير موجودة... على السحور تناولنا بضع قطع من لحم المعلبات، فنحن غير قادرين على شراء أي شيء. حتى أبسط وأتفه الحاجات ارتفعت بشكل خيالي... حتى بلالين الأطفال لا نجدها".
وأضافت "هذه ليست حياة، لا ماء للشرب أو لغسل أيدينا أو طهي الطعام... لغاية الآن لا نعلم ماذا سنفطر. كنا في السابق نشتري حاجيات رمضان قبل أيام أما الآن حتى الجبنة سعرها خيالي".
ويروي زوجها زكي حسين أبومنصور (63 عاما) كيف "اقتحمت إسرائيل خان يونس" القريبة من رفح وحيث كانا نازحين في فترة أولى، "بدون إنذار. راحت الدبابات تقصف المنازل واستمر القصف فوق رؤوسنا سبع ساعات. بعدها خرجنا بما علينا من ملابس... الحياة هنا صعبة جدا. حتى أنني فقدت 20 كيلوغراما من وزني وأنا أعاني من السكر والضغط والقلب. نحن غير قادرين على شراء كيلو بندورة... العالم بحكومة ونحن بحكومتين، فتح وحماس يحكموننا والجهتان لا تكترثان بنا".
ويضيف بحسرة "ملينا الطعام والحياة والاستشهاد أفضل. أتمنى أن تقصفني الطائرات وأموت أحسن من هذه العيشة".
وتمكّن نحو 500 مصل من أداء صلاة التراويح مساء الأحد في مسجد العودة، وهو الأكبر في رفح. وصلّى نحو مئة آخرين قرب مسجد الهدى المدمر في الشابورة، لكن لم يتمّ توزيع الماء والتمور عليهم كما جرت العادة. ولم تتمّ إضاءة فانوس رمضان لانقطاع الكهرباء. واعتمد المصلون على هواتفهم وسط الظلام.
وإلى جانب ركام مسجد الفاروق في مخيم رفح الذي استهدفته غارة إسرائيلية قبل أسبوعين، مدّ متطوعون الاثنين حصائر تمهيدا لصلاة التراويح، لكن وزارة الأوقاف في غزة قالت إن مئات آلاف المصلين لن يتمكنوا من أداء هذه الصلاة في مساجد القطاع "الجريحة"، بعد أن صارت المئات منها "ركاما وأكوام دمار أو لحقت بها أضرار جراء القصف الإسرائيلي".
وقال مكتب الإعلام الحكومي التابع لحماس إن الجيش الإسرائيلي استهدف "أكثر من 500 مسجد، بينها 220 مسجدا هدمها بشكل كلي و290 مسجدا بشكل جزئي وصارت غير صالحة للصلاة".
بعد ليلة من القصف والغارات الجوية الكثيفة التي خلّفت عشرات القتلى وأكثر من مئة جريح في مختلف أنحاء القطاع، ارتفعت حصيلة الحرب الدائرة منذ خمسة أشهر بين إسرائيل وحركة حماس، وفق أرقام وزارة الصحة في قطاع غزة، إلى 31112 قتيلا و72760 جريحا "72 بالمئة منهم من الأطفال والنساء"، وفق المصدر نفسه.
وخلت سوق رفح من مظاهر الزينة الخاصة برمضان مع فقدان معظم أصناف الطعام والخضروات والحلوى ما عدا بسطات قليلة تعرض بعض القطايف المحشوة بالمكسّرات أو الجبن بسعر يصل إلى 80 شيكلا (22 دولارا) للكيلوغرام، وهو ما يفوق قدرة معظم الناس.
وفي ميدان العودة وسط رفح تعرض بعض البسطات فوانيس صغيرة، ويعرض شبّان معلبات التونة والفول والحمص والجبن وزبدة الفستق وتمورا مصرية اشتروها من نازحين حصلوا عليها كمساعدات. ويعرض آخرون بضعة أرغفة من خبز الصاج المخبوز على موقد حطب.
ويتحدث النازحون بلسان واحد معبّرين عن ألمهم وحزنهم. ويقول جمال الخطيب "لا يوجد أصلا طعام، فكيف سنفطر في رمضان؟ كيف سنفرح ولا مأوى ولا كهرباء ولا ماء؟".
ويقول أحمد خميس (40 عاما) "لا طعم لرمضان في هذه الحرب القذرة والدموية، حرب إبادة، ولا طعام ولا شراب". ويصف عوني الكيال (50 عاما) رمضان بأنه "بدأ حزينا ومتشحا بالسواد وطعم الموت والدم وأصوات الانفجارات والقصف. سمعت صوت المسحراتي... استيقظت في خيمتي البسيطة وصرت أبكي على حالنا".
ويضيف الكيال "الاحتلال لا يريد لنا أن نفرح برمضان. لا نملك أي طعام للفطور. زوجتي قدّمت للأولاد على السحور بعض الجبنة والفول من المساعدات التي تصلنا وهي قليلة، وخبزا قديما. لم نجد حتى شاي لنعدّه لهم".
وتستذكر آية أبو توهة (16 عاما) "الحياة الحلوة في رمضان وأجواءه الجميلة... كان كل شيء متوافرا، الطعام والسلطة والخضار والفاكهة... اليوم لا يوجد سوى دمار... لقد سرقوا منا الحياة".