غوتشي نموذج لتأثر العلامات الفاخرة بتقلبات الاقتصاد العالمي

باريس - شكّلت غوتشي دوما قوة الدفع الرئيسية لمجموعة كيرينغ الفرنسية، لكن مبيعات العلامة التجارية الإيطالية الشهيرة تشهد حاليا انخفاضا ملحوظا، في سوق المنتجات الفاخرة العالمية التي تسجل تباطؤا.
وليس أمام كيرينغ، التي اتبعت سياسة بيع منتجات باهظة السعر لجذب شريحة معينة من المستهلكين إليها، أي خيار آخر الآن سوى إعادة إطلاقها من خلال طرح منتجات أغلى ثمنا.
ويأتي هذا الخيار في ظل منافسة شرسة مع عدد محدود من العلامات الفاخرة ذات السمعة في السوق، ولكنه مع ذلك يجسد نموذج تأثر هذه الفئة من الشركات بتقلبات الاقتصاد العالمي الذي أصبح فيه التضخم مهيمنا على الأنشطة التجارية.
وتعتبر غوتشي، التي لديها 538 متجرا مع أكثر من 17 ألف موظف، وفق شركة ستاتيستا الألمانية، واحدة من أكثر العلامات التجارية للسلع الشخصية الفاخرة قيمة في العالم.
ويوضح إريك بريون، مؤلف كتاب “الفخامة والعالم الرقمي” الذي أصدرته دار دونو لوكالة فرانس برس، أن “اعتماد مجموعة إلى هذه الدرجة على دار معينة أمر خطر”.
وتمثل العلامة التجارية الإيطالية، المعروفة خصوصا بحقائبها وأحزمتها من جلد الثعبان وأيضا الساعات والمجوهرات والعطور والديكور المنزلي، 50 في المئة من حجم مبيعات المجموعة التي يرأسها فرنسوا هنري بينو، وثلثي أرباحها التشغيلية.
لكن الربع الأول من عام 2024 يظهر مسارا تراجعيا، إذ يُتوقع أن تنخفض مبيعات غوتشي بنسبة 20 في المئة تقريبا، وفق ما حذرت كيرينغ في مارس الماضي، مع انخفاض متوقع بنحو 10 في المئة للمجموعة بأكملها.
ويؤكد بريون أن منافس كيرينغ الرئيسي، مجموعة أل.في.أم.أتش فاشن غروب “لديه قوّتان دافعتان هما ديور وفويتون”.
ولكن من الواضح أن خارطة الطريق المقدّمة لمايكل بيرك الرئيس التنفيذي لأل.في.أم.أتش التي تجمع علامات تجارية مثل سيلين وجيفنشي ولوي وكنزو، هي أن يكون لدى المجموعة خمس دور رائدة في خمس سنوات.
وفي مثال آخر، يُسجل الهوس لدى مجموعة برادا الإيطالية المنافسة بتنمية ميو ميو، إحدى علاماتها التجارية.
وتعتمد غوتشي بشكل كبير على الزبائن الآسيويين والزبائن ذوي “التطلعات الكبيرة”، وهم إجمالا أشخاص أصغر سنا وأقل ثراء، فضلا عن محبي المنتجات “العصرية”.
ومع ذلك، فإن سوق السلع الفاخرة الآسيوية لم تستعد نشاطها المسجل قبل الجائحة، فيما يتأثر المستهلكون ذوو “التطلعات الكبيرة” بالتضخم.
وفي عام 2019، أي قبل أشهر قليلة من تفشي الأزمة الصحية العالمية، بدأت غوتشي إستراتيجية تقوم على طرح منتجات أغلى ثمنا، إذ صنعت سلعا “أكثر تعقيدا ورقيا، لزبائن يتمتعون بقدرة شرائية أعلى”، بحسب رئيسها فرنسوا هنري بينو.
وبعد النموّ الذي شهدته خلال مرحلة ما بعد الوباء، شهدت السوق العالمية للسلع الفاخرة تباطؤا العام الماضي، ليصل حجمها إلى 1.7 تريليون دولار.
وتوقعت دراسة نشرتها شركة باين آند كومباني للاستشارات في 2023 أن تواصل السوق نموّها بهذه الوتيرة خلال السنوات المقبلة.
وتقول جولي الغوزي مؤلفة كتاب “دليل المنتجات الفاخرة”، وهو أحد منشورات برس أونيفرسيتار دو فرانس لوكالة فرانس برس إن “ما يُسمّى بإستراتيجية الارتقاء هو الصحيح من الناحية النظرية”.
وبينما الموضة تتغيّر مع الزمن، فإن المنتجات الفاخرة تعمّر أطول. وتوضح الغوزي ذلك بالقول “كان لدى غوتشي في البداية نموذج اقتصادي أقرب إلى نموذج الموضة، ومن الضروري تجديد نفسها بسرعة أكبر”.
20
في المئة نسبة تراجع إيرادات غوتشي في الربع الأول من 2024 بمقارنة سنوية
وأضافت أن “نتيجة لذلك، يُسجّل تناوب (في المشاعر لدى الزبائن) بين الإعجاب بالعلامة التجارية والابتعاد عنها”. وتشير الغوزي إلى أن سياسة الارتقاء “هي القدرة على الحصول على قطع أيقونية عابرة للزمن”.
وإجراء كيرينغ هذه الانعطافة “يعني أيضا إعادة النظر في تموضع في قطاع الأزياء كان قويا للغاية ومفيدا لغوتشي”، خلال حقبة المدير الفني السابق في المجموعة أليساندرو ميكيليه.
وفي الواقع، بفضل المجموعات الأصلية لهذا المصمم الذي غادر كيرينغ قبل عامين، زادت مبيعات غوتشي من نحو 3.9 مليار يورو خلال عام 2015 إلى حوالي 10.5 مليار يورو عام 2022.
وتقول الغوزي إن ثمة قدرا كبيرا من السردية يتعين القيام به حول القطع المميزة، وهو “يجب ألا نجعل المدير الفني نجما، بل المنتجات”.
وفي الوقت نفسه، أعادت كيرينغ النظر في إدارة غوتشي من خلال تعيين أحد أقرب المتعاونين مع فرنسوا هنري بينو، وهو جان فرنسوا بالوس، على رأس العلامة التجارية والذي يُشكّل فريقا جديدا حوله منذ أشهر.
وأعلنت غوتشي الخميس الماضي، تعيين نائب للمدير العام للشركة هو ستيفانو كانتينو القادم من المجموعة المنافسة لوي فويتون، والذي سيكون مسؤولا عن “تحديد وتنفيذ إستراتيجية العلامة التجارية”.
وأوضح بينو في فبراير الماضي قائلا “لم تكن لدينا الخبرة والموهبة الكافية في المناصب الرئيسية في الشركة”، مشددا على أن السلع الفاخرة تتطلب خبرة “قوية جدا” في المبيعات أو الترويج أو تحديد المصادر.