غموض مصير ممر الهند – الشرق الأوسط - أوروبا يمنح مشروع طريق التنمية قوة دفع إضافية

وزير البنية التحية التركي: تنفيذ المشروع ينطلق في 2025 بشراكة تركية - عراقية - إماراتية – قطرية.
الخميس 2024/09/19
الانطلاق في الطريق بقوة دفع رباعية

مشروع طريق التنمية بما ينطوي عليه من إمكانية تحويل العراق إلى نقطة ربط بين الخليج وأوروبا مرورا بتركيا يمثّل فرصة تنموية نادرة للعراق الذي عانى على مدى أكثر من عقدين حالة من الجمود التنموي شبه الكامل. كما يمثل للبلد مقدمة لربط علاقات إقليمية مختلفة على أسس المصالح المشتركة كون المشروع يتم بالشراكة مع ثلاثة بلدان إقليمية.

بغداد- يتجه مشروع طريق التنمية الذي يقوم على ربط مياه الخليج في جنوب العراق بالحدود التركية بسكة حديد وطريق سيارة متعددة المسارات، نحو مغادرة مربع التفاهمات الأولية بشأنه بين الدول المشتركة فيه واستكمال مناقشة التفاصيل التقنية والمالية  لإنشائه، باتجاه دخول مسار تنفيذه الفعلي على الأرض.

وأعلن وزير النقل والبنية التحتية التركي عبدالقادر أورال أوغلو عن اقتراب خطط مشروع الطريق من الانتهاء، متوقّعا البدء بتنفيذه العام القادم 2025.

وينطوي المشروع على فرصة تنموية هامة للعراق الذي شهد على مدى أكثر من عقدين جمودا تنمويا كبيرا وعانى تهالك بناه التحتية نتيجة عدم تجديدها وإثرائها بما يلائم تغير أوضاعه وتزايد عدد سكانّه وتطوّر حاجاتهم.

ويمتلك الطريق فرصة حقيقية للإنجاز يوفرها له تضافر العديد من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية، إذ يعتبر نتاج وفاق متنام بين العراق وتركيا حول العديد من الملفات من بينها الملف الأمني وما أظهره الجانب العراقي من استعداد للتعاون مع الجانب التركي لحسم الصراع مع حزب العمال الكردستاني الذي يتّخذ مقاتلوه من مناطق بشمال العراق ميدانا للمواجهة ضدّ القوات التركية.

عبدالقادر أورال أوغلو: المرحلة الأولى من ميناء الفاو الذي بناه العراق في محافظة البصرة سيتم تشغيلها العام المقبل
عبدالقادر أورال أوغلو: المرحلة الأولى من ميناء الفاو الذي بناه العراق في محافظة البصرة سيتم تشغيلها العام المقبل

كما وفّر اشتراك دولتين خليجيتين غنيتين وتمتلكان تجارب ناجحة في المجال التنموي عموما وفي إقامة البنى التحتية الضخمة والمتطورة على وجه الخصوص، سندا إضافيا لانطلاق مشروع طريق التنمية على أسس صلبة.

وتظل أكبر نقاط قوة الطريق أنّه يتيح الربط بين منطقة الخليج وأوروبا عبرالعراق وتركيا ومياه المتوسّط، ليكون بذلك بديلا ممكنا عن مشروع ممر الهند – الشرق الأوسط – أوروبا، الذي يقول الخبراء إنّ إنشاءه يتعثّر بسبب الصراعات الجيوسياسية في المنطقة وخصوصا الحرب في قطاع غزة وتداعياتها على الصراع بين إسرائيل وكل من إيران وحزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين في اليمن.

وكان يؤمل أن يمتد مسار الممر إلى السعودية ويصل إلى جنوب الأردن ثم إلى مدينة حيفا الساحلية الإسرائيلية، ومنها إلى ميناء بيرايوس اليوناني بحرا، ومنه إلى أوروبا برا. ويختصر هذا المسار في حال تنفيذه طريق التجارة بين الهند وأوروبا بنسبة 40 في المئة. ويتضمّن إنشاء خطوط للسكك الحديد وربط الموانئ البحرية لتعزيز التبادل التجاري وتسهيل مرور البضائع. وكذلك تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز أمن الطاقة ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة، إضافة إلى تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.

ويمكن تقنيا لمشروع طريق التنمية أن يقوم بالجزء الأكبر من تلك الوظائف وتحقيق الأهداف المرتبطة بها إذ يحتوي على طرق برية وسكك حديدية تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها بطول 1200 كيلومتر داخل العراق.

وقال الوزير التركي، الأربعاء، في تصريحات لوكالة الأناضول إن المرحلة الأولى من ميناء الفاو الذي بناه العراق في محافظة البصرة كجزء من مشروع طريق التنمية، سيتم تشغيلها العام المقبل.

وتابع قوله “بدءا من هناك، سيدخل خط السكة الحديدية والطريق السريع إلى تركيا عبر بوابة حدودية جديدة في منطقة أوفا كوي التي تبعد حوالي عشرين كيلومترا غرب معبر خابور مع العراق”. وأضاف “هذا خط سيمتد من هناك إلى ولايات شانلي أورفا وغازي عنتاب وقرامان وأسكي شهير وإسطنبول وصولا إلى بوابة كابي كوله مع بلغاريا”.

ويتفادى المسار المرسوم للطريق أبرز مناطق المواجهة بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني، لكن المسؤولين الأتراك يشدّدون على ضرورة “تطهير” مناطق الشمال العراقي من عناصر الحزب، وهي فائدة جانبية من المشروع المشترك بدأت تركيا تجنيها بالفعل حيث أتاح لها تعاون العراق معها والسماح لقواتها بتوسيع عملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقية تحقيق تقدّم في تلك الحرب التي تعذّر حسمها منذ أربعة عقود بسبب ما توفّره تضاريس الشمال العراقي من ملاذات آمنة لمسلّحي الحزب.

◄المشروع أصبح أحد أعمدة التعاون المتنامي بين أنقرة وبغداد
المشروع أصبح أحد أعمدة التعاون المتنامي بين أنقرة وبغداد

ويكتسي التنسيق بين العراق وتركيا بشأن حزب العمّال قدرا من الجدية نظرا لكونه مستندا هذه المرّة إلى مصالح كبيرة بين البلدين يعتزمان دعمها وتطويرها.

وأصبح مشروع طريق التنمية المشترك بين العراق وتركيا والإمارات وقطر أحد أعمدة التعاون المتنامي بين أنقرة وبغداد والذي تأمل الأخيرة توسيعه ليشمل ملف المياه الآخذ في التحوّل إلى معضلة بسبب التغيرات المناخية ولجوء جارتي العراق تركيا وإيران إلى إنشاء عدد متزايد من السدود على الروافد المتّجهة من أراضيهما صوب الأراضي العراقية.

وسعت تركيا من البداية إلى الربط بين فكرة مشروع الطريق وملف حزب العمال على أساس منطقي مؤدّاه أنّ تنفيذ المشروع على الأرض واستغلاله لاحقا يتطلّبان ضمان قدر كبير من الأمن والاستقرار لاسيما في المناطق التي ستمرّ بها سكة الحديد والطريق السيارة المشكّلتان للمشروع.

ولم يعد الجانب العراقي بعيدا عن تبنّي ذلك الربط وهو ما تعكسه تصريحات مسؤولين كبار في حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني. وتحدث السوداني في وقت سابق عن أهمية المشروع معتبرا أنّه يمثّل استعادة لدور بلاده على مرّ العصور كممر تجاري مناسب وسهل.

وقال في تصريحات صحفية إن طريق التنمية يعني وفقا لمعادلات السوق الحالية وحركة التجارة الدولية، ربطا بين الشرق وأوروبا عبر الأراضي العراقية والتركية، موضحا أن “المنطقة تشهد صراعات وتوترات تتراجع حينا وتتأجج حينا آخر، وهذا يدفعنا إلى ضرورة تركيز الجهود على مشاريع التشابك في المصالح والتداخل في المنفعة”.

◄ مشاركة الإمارات وقطر الغنيتين وصاحبتي الخبرة بإقامة البنى التحتية الضخمة والمتطورة نقطة قوة إضافية للمشروع

ومن جهته قال هشام العلوي وكيل وزارة الخارجية العراقية لشؤون التخطيط السياسي إنّ المشروع ستكون له إسهامات ليس في اقتصاد العراق فقط بل لبلدان المنطقة أيضا، مبينا أنه يمكن للشركات والمؤسسات التركية الاستفادة منه، معتبرا أنّ من أجل الاستفادة الكاملة من مشروع طريق التنمية، وخاصة بالنسبة للعراق وتركيا “نحتاج إلى العمل معا ليس فقط لإنشاء البنية التحتية، ولكن أيضا لخلق البيئة المناسبة على المستوى الإقليمي”.

وفي ربط واضح بين الاقتصاد والأمن أكّد العلوي اهتمام بلاده بالعمل مع جيرانها من أجل الاستقرار الإقليمي، قائلا “هذه هي خلفية رؤيتنا للعمل معا لإنهاء الصراعات والحروب في المنطقة، إذ إنه بدون السلام لا يمكننا تحقيق التكامل الاقتصادي”.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد زار العراق في أبريل الماضي حيث رعى مع السوداني توقيع بلاده والعراق وقطر والإمارات مذكرة تفاهم رباعية للتعاون حول مشروع طريق التنمية.

وبشأن الأطراف الشريكة في مشروع طريق التنمية قال أورال أوغلو إن قطر والإمارات العربية المتحدة شاركتان في المشروع بفضل الجهود المكثفة التي بذلها الرئيس رجب طيب أردوغان في هذا الخصوص. ولفت إلى أن الوزارات والمؤسسات المعنية بالمشروع تدرس حاليا إمكانات تمويله.

3