غموض بيانات البطالة يعمق الشكوك في خطاب الحكومة الجزائرية

البطالة تجر الحكومة الجزائرية إلى المساءلة البرلمانية.
السبت 2025/04/05
مسؤولية من؟

طرح البرلمان الجزائري معضلة البطالة في البلاد وسط مطالب النواب بضرورة تقديم الحكومة لأرقام حقيقية عن الظاهرة في الجزائر في ظلّ تباين البيانات الرسمية، فضلا عن الحلول والسياسات التي تتبعها الحكومة لامتصاص البطالة.

الجزائر - شكلت وضعية البطالة محور النقاش المفتوح داخل البرلمان الجزائري بين النواب وممثل الحكومة، وذلك على خلفية تباين البيانات والمعايير المنتهجة في تحديد الظاهرة، فضلا عن جدوى ومفعول منحة البطالة في امتصاص وتهيئة العاطلين عن العمل لسوق الشغل.

وطلب النائب البرلماني عبدالوهاب يعقوبي من الغرفة الأولى (المجلس الشعبي الوطني) من وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، تقديم حصيلة عن وضعية البطالة في البلاد، وفرص الشغل التي وفرتها البرامج الحكومية وسلاسل الاستثمارات العمومية والخاصة.

واستند النائب البرلماني إلى ما أسماه بـ”النقص المسجل في الإحصائيات الواضحة والمثبتة حول معدلات البطالة وتأثير السياسات المعتمدة، لاسيما منحة البطالة، على سوق العمل، والغموض الذي يخيم على معدل البطالة الرسمي في الجزائر لعام 2024، وكيفية تطوره في السنوات السابقة، وتأثير منحة البطالة في الحد من البطالة وتحقيق الاستقرار الاجتماعي.”

تقرير لمجلس المحاسبة صدر منذ أشهر، قدم صورة سوداوية عن واقع البطالة والتشغيل ومنحة البطالة في الجزائر

ويبدو أن النائب عبدالوهاب يعقوبي يملك مقاربة مماثلة لرئيس مجلس المحاسبة السابق عبدالقادر بن معروف، لما قدم تقريرا سلبيا عن دور منحة البطالة التي أقرها الرئيس عبدالمجيد تبون العام 2022، حيث طالب ممثل الحكومة بتقديم التدابير التي تتخذها وزارة العمل لمكافحة التجاوزات المتعلقة بهذه المنحة، خاصة في الحالات التي يستفيد منها الأفراد رغم ممارستهم لأنشطة غير مصرح بها.

وفي هذا الشأن، أكد وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي فيصل بن طالب أن “قياس معدل البطالة يعتمد على معايير دقيقة تم تحديدها وفقا لتوصيات المكتب الدولي للعمل، وتتم عملية القياس عن طريق المسح الوطني الذي يسمح بتحديد معدلات البطالة بشكل دقيق خلال فترة زمنية محددة، ويتضمن هذا المسح دراسة خصائص القوة العاملة وأسباب بطالة الأفراد.”

وذكر بأنه بناء على تلك المعايير، يعتبر الشخص عاطلا عن العمل إذا كان في سن الـ15 عاما أو أكثر، ولم يعمل خلال أسبوع مرجعي، وكان مستعدا للعمل خلال أسبوعين من ذلك، وسبق له أن بحث بنشاط عن وظيفة خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة.

وعلق النائب البرلماني على مداخلة ممثل الحكومة بالقول “أعتقد أن الإجابة تقريبا كافية بخصوص منحة البطالة، لكن الأرقام شحيحة حول معدل البطالة وتصاعدها في السنوات الأخيرة”، وهو ما يترجم الغموض الذي يلف الظاهرة في البلاد، وتكتم المؤسسات الرسمية عن تقديم الأرقام الحقيقية، حيث تكتفي بأقل من عشرة في المئة، بينما الواقع يؤشر إلى أكثر من ذلك، لاسيما في أوساط خريجي التعليم العالي.

وأوضح الوزير فيصل بن طالب أن منحة البطالة تم تخصيصها لتشجيع طالبي العمل لأول مرة وتحفيزهم أثناء مرحلة البحث عن عمل، وأن هذا البرنامج هو جزء من السياسة الاجتماعية للدولة الهادفة إلى تقليص البطالة وتحقيق الاستقرار الاجتماعي.

وصرح “منذ إطلاق هذا الجهاز، تم تنصيب أكثر من 71 ألف شخص في مناصب عمل بنهاية 2024، كما تم توجيه أكثر من 460 ألف مستفيد للتكوين المهني، وتم تدريب حوالي 215 منهم حتى نهاية 2024، مع استفادة نحو 2400 شخص من فرص عمل بعد إتمامهم برامج التدريب.”

وتابع “من أجل ضمان نزاهة عمل هذا الجهاز وضبط التسيير، أكدت وزارة العمل على تطوير منصة رقمية باسم ‘منحة’، التي تتيح التحقق من الأحقية الفعلية للمستفيدين ومراقبة التزامهم بالشروط المحددة، كما تُجري الوكالة الوطنية للتشغيل عمليات تدقيق لبيانات المستفيدين مع هيئات مختلفة، مثل السجل الوطني الآلي للحالة المدنية وصناديق التأمينات الاجتماعية، لضمان أن الاستفادة من المنحة تتم وفقا للقوانين.”

وفيما لفت إلى أنه في حالة الاستفادة غير المشروعة، يتم استرداد المبالغ المحصلة، لكنه لم يقدم الأرقام المتعلقة بذلك، مما يوحي بأن الحكومة تتكتم عن المسألة تفاديا لانتقادات الشارع الجزائري، أو أنها لا تحوز على البيانات الحقيقية.

وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي فيصل بن طالب يؤكد أن قياس معدل البطالة يعتمد على معايير دقيقة تم تحديدها وفقا لتوصيات المكتب الدولي للعمل

وأوضح الوزير من جانب آخر، أن توقيف الاستفادة من المنحة لا يعني بالضرورة حرمان الأفراد من فرص العمل الأخرى، حيث يتم توجيههم إلى آليات الوساطة في سوق العمل، مثل عروض العمل التي تتناسب مع مؤهلاتهم.

وكان تقرير لمجلس المحاسبة صدر منذ عدة أشهر، قد قدم صورة سوداوية عن واقع البطالة والتشغيل ومنحة البطالة، فهي علاوة على عدم تحقيق النتائج والأهداف المنشودة، كشفت واقع البطالة، وعجزت المنحة عن تحقيق أهدافها الاقتصادية، وهي مؤشرات تتنافى مع خطاب السلطة، الذي لا يريد سماع أصوات تتحدث عن فشل خياراتها الاجتماعية والاقتصادية.

وكشف التقرير عن تسجيل نحو أربعة ملايين طالب للحصول على المنحة بين 2022 و2024، بينما استفاد منها نحو مليوني مستفيد، مما كلف الخزينة العمومية 3.3 مليار دولار، لكن نسبة الإدماج في مناصب شغل قدرت بـ0.31 في المئة، وكان نصيب المتخرجين في الجامعة 21 في المئة، و15 في المئة لخريجي مراكز التكوين المهني، و64 في المئة دون مستوى دراسي، وعادت الحصة الكبرى (72 في المئة للإناث) والبقية للذكور، كما سجل قرابة أربعة ملايين طالب شغل، لم يتم تشغيل إلا 374 ألفا منهم، وهو ما يمثل حوالي 7 في المئة.

وقال “من ضمن مليون و900 ألف مستفيد من منحة البطالة، لم يتم تشغيل إلا نحو ستة آلاف، وهو ما يمثل 0.31 في المئة، وهي نسبة منخفضة جدا تشير إلى وجود خلل في النظام المطبق، فضلا عن ضعف نسبة توظيف المستفيدين في وظائف تتوافق مع مؤهلاتهم، وهو ما يعكس بوضوح وجود مشكلة كبيرة في فاعلية برامج التوجيه، مما يتطلب إعادة تقييم هذه البرامج وتطويرها لتحسين فرص توظيف الشباب العاطلين”.

4