غلاء تكاليف التعليم المدرسي هاجس يؤرق الأردنيين

يسيطر القلق هذه الفترة على العائلات الأردنية مع بدء العام الدراسي بسبب الصعوبات الاقتصادية، التي قد تحول دون تمكنها من الوفاء بالتزاماتها على أكمل وجه جراء ضغوط التضخم وضعف المداخيل وسط موجة نزوح إلى المدارس الحكومية.
عمان - تواجه الأسر الأردنية، بسبب العودة المدرسية، عبئا حصلت على راحة منه مدة ثلاثة أشهر، تمثلت في العطلة الصيفية، لتأمين لوازم هذه العودة ومصاريفها، فيما شرع البعض في التقشف عبر نقل أبنائه من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية.
ومع بدء انتظام نحو 2.3 مليون طالب وطالبة على مقاعدهم من مختلف المدارس استأنفت المدارس الحكومية دوامها اعتبارا من الأحد الماضي، بينما يبدأ دوام المدارس الخاصة في مطلع سبتمبر المقبل.
ويلقي موسم الدراسة على الأهل مسؤولية مالية كبيرة ما بين الأقساط والمستلزمات وحتى المصروف اليومي. وهذه جميعا أعباء تثقل الموازنات التي هي بالكاد تكفي لتغطية تكاليف المعيشية للشريحة الأكبر من الأردنيين، وسط تضخم مرتفع للعام الثاني تواليا.
ويرى الخبير حسام عايش أن الإنفاق على التعليم المدرسي ومستلزماته يؤثر على سلم أولويات الأسر نتيجة زيادة الإنفاق على المعتاد، وزيادة الأعباء المالية في وقت تضطر فيه الأسر إلى التضحية على حساب نفقات أساسية أخرى.
وتعيد مصاريف المدارس والكتب واللوازم، وفقا لعايش، إلى الأسر فكرة جدولة الإنفاق، حيث تستنزف نفقات المستلزمات نحو نصف دخل الأسر. ولا يخلو الأمر من مصاريف أخرى لا مفر منها، وسط ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات مقابل ثبات الأجور.
وتشير تقديرات رسمية تتطابق مع مؤشر منصة نامبيو لتتبع مستوى الرواتب في دول العالم، إلى أن متوسط الأجور في الأردن يبلغ حوالي 444 دينارا (626.5 دولارا).
وقال عايش للأناضول إنه "لا يمكن إغفال أمر دخول فصل الشتاء بعد بداية العودة المدرسية وما يحمله ذلك من مصاريف وقود وتدفئة وغيرها، الأمر الذي قد يدفع الكثيرين إلى التكيف السلبي مع هذه النفقات مثل التوجه إلى الاقتراض".
وتعتبر أقساط المدارس إلى جانب الفواتير الشهرية عبئا لا يمكن التخلص منه وسط استمرار ارتفاع تكاليف المعيشية، ما يجعل الكثيرين يعيدون ترتيب سلم أولوياتهم بعيدا عن أيّ رفاهية.
وارتفع المؤشر العام لأسعار المستهلك في أول سبعة أشهر من 2023 بنسبة 2.68 في المئة. وتتوقع الحكومة أن يبلغ معدل التضخم خلال هذا العام 3.8 في المئة مقارنة مع 2.5 في المئة في العام السابق.
وجراء ارتفاع مصروفاتهم بنحو عشرة في المئة اضطر مأمون منصور، وهو رب أسرة مكونة من ستة أفراد، إلى نقل أبنائه الثلاثة من مدرستهم الخاصة إلى إحدى المدارس الحكومية غرب العاصمة عمّان.
وقال لرويترز "رغم أني خائف جدا على مستواهم التعليمي وحالتهم النفسية بعيدا عن أصدقائهم إلا أن الحل الوحيد أمامي هو نقلهم إلى مدارس حكومية موجودة في الحي، فلم أعد قادرا على دفع أقساط المدارس الخاصة".
وارتفاع تكاليف المعيشة من جهة والمغالاة في متطلبات المدارس الخاصة من جهة أخرى هما من أبرز الأسباب التي دفعت منصور إلى نقل أبنائه.
وأوضح أنه “ليس فقط الأقساط التي ارتفعت وإنما أسعار الكتب والمواد المكتبية والزي الموحد وبدل النقل وأشياء أخرى جانبية كنشاطات تطلبها المعلمة كل أسبوع تقريبا”.
ويبين الموظف، الذي يشتغل ضمن شركة خاصة في مجال الأسمدة الكيميائية، أنه يوشك على التقاعد من عمله والتعليم الخاص لم يعد من الأولويات التي يستطيع تلبيتها لجميع أبنائه، مكتفيا بتعليمهم تعليما خاصا ليكملوا باقي السنوات وهم يتلقون تعليما حكوميا.
ويتراوح متوسط معاليم المدارس الخاصة في الأردن بين 2700 دولار وسبعة آلاف دولار في الفصل الدراسي الواحد بحسب المرحلة التعليمية والمدرسة، مقارنة مع معاليم رمزية في المدارس الحكومية.
وبالمثل لم تعد إيمان مظهر بعد تسريحها من العمل أثناء وباء كورونا قادرة على مساعدة زوجها في دفع أقساط طفليها في المدرسة الخاصة. وتقول إن راتب زوجها وحده لا يكفي، مما اضطرهما إلى نقلهما لمدرسة حكومية سمعا أنها جيدة رغم بعدها عن المنزل.
وتضيف أنه "رغم جودة التعليم الخاص التي تعد أعلى مقارنة مع الحكومي، بالإضافة إلى البيئة الآمنة نوعا ما المحيطة بالطفل، كان الخيار الوحيد أمامنا نقل الطفلين على أمل أن أعود إلى العمل براتب جيد لإعادتهما إلى مدرستهما".
وتشير إلى أن تكاليف المعيشة ووجود أولويات أخرى، تتمثل في قسط المنزل ووقود السيارة وطعام الأسرة وملابسها، دفعاها هي وزوجها إلى إعادة التفكير في الاستمرار بالتعليم الخاص.
وتحصي وزارة التربية والتعليم انتقال 230 ألف طالب وطالبة من التعليم الخاص إلى المدارس الحكومية مقارنة مع متوسط 25 ألف طالب تقريبا سنويا في السابق، الأمر الذي تطلب وضع قوائم انتظار.
وقال أحمد المساعفة، المتحدث الإعلامي في الوزارة، إنه رغم أن هذا يشكل ضغطا على بعض المدارس نظرا لعدم وجود طاقة استيعابية فإن "المدارس الحكومية لا تغلق الباب أمام أي طالب يرغب في التسجيل فيها".
ولدى الوزارة 4062 مدرسة حكومية في جميع المحافظات يستوعب الفصل الواحد فيها ما بين 20 و50 طالبا وطالبة وفقا لمساحته، مع وجود 116 ألف مدرس.
ويؤكد قاسم الحموري، أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك، أنه خلال السنوات الأربع الأخيرة باتت عملية انتقال الطلاب من المدارس الخاصة إلى الحكومية واضحة جدا.
ويقول إن "وضع الأسرة الأردنية في تدهور من حيث القدرة الشرائية وأصبحت الأسر تنزلق من الطبقة الوسطى إلى الفقيرة".
ويشير إلى أن التحول الذي تشهده الأسر سواء من حيث مستوى التعليم أو العلاج دليل على ارتفاع تكاليف المعيشة، مع تراجع نسب النمو الاقتصادي.
وتعتقد نقابة أصحاب المدارس الخاصة أن العرض والطلب هما اللذان يتحكمان في الأقساط، وأن المنافسة بين نحو 3400 مدرسة خاصة شديدة لاستقطاب الطلاب.
ويؤكد منذر الصوراني نقيب أصحاب المدارس الخاصة أن الأوضاع المالية للأسر هي التي تغيرت وأجبرت أولياء الأمور على ترك التعليم الخاص والتوجه إلى التعليم الحكومي.
ويرى خبراء أنه لا مجال لأن تزيد الدولة الرواتب في ظل الإمكانات المالية الحالية ومعدل التضخم واحتمالاته، وضعف قدرة المالية العامة على تحمل أي تكاليف جديدة.
ويقول المختص بالاقتصاد السياسي زيان زوانة إن هذا الأمر يتطلب من الأردنيين تعديل سلوكهم الاستهلاكي وتحديد جداول أولوياتهم والالتزام بها قدر الإمكان، لمواجهة النفقات المتزايدة، وبغير ذلك سيجدون أنفسهم في مواجهة تحمل أعباء الاقتراض وأسعار الفائدة.
ولفت إلى أنه رغم تبعات ضعف الرواتب والضغوط الاجتماعية ومتطلبات المعيشة، مازال المواطن يتمتع باستقرار سعر صرف الدينار.