غلاء الوقود يقسو على أصحاب سيارات النقل في سوريا

دمشق - يواجه أصحاب سيارات وحافلات النقل في مناطق سيطرة الحكومة السورية ظروفا هي الأقسى بالنسبة إليهم مع دوامة غلاء الوقود في السوق التي لم تتوقف.
ومن بين هؤلاء خالد الحصي الذي يتذكر يوم كان يملأ خزان حافلته الصغيرة بوقود رخيص ويسير بركّابها عبر شوارع العاصمة السورية قبل أن يعود لبيته بمبلغ يكفي لتلبية احتياجات الأسرة من طعام وشراب وسبل حياة كريمة.
أما الآن، فلا تترك له أسعار الوقود المتصاعدة والعملة المحلية المنهارة سوى النذر اليسير من المال في نهاية يوم عمل منهك، هذا إن كان لديه من الوقود ما يكفيه للعمل أصلا.
وقال الحصي وهو يسير بركاب حافلته الصغيرة (ميكروباص) في منطقة المزرعة بوسط دمشق لوكالة رويترز إن “المازوت (الديزل) المدعوم الذي أحصل عليه والذي يفترض أن يساعدني في عملي لأيام بات لا يكفي لتسيير عملي لنصف يوم”.
خالد الحصي: كمية المازوت المدعوم لم تعد تكفيني سوى لنصف يوم عمل
ويتحصل صاحب هذه الحافلة من كل راكب على 200 ليرة (أي أقل من خمسة سنتات أميركية) مقابل التوصيلة الواحدة.
ويؤكد الحصي أن أرباحه لا تتخطى 30 في المئة فقط من هذه القيمة. وقال “لو حصلت في اليوم 40 ألف ليرة (نحو 16 دولارا) وبعد خصم المصاريف لا يتبقى سوى 12 ألف ليرة (قرابة خمسة دولارات). وهذا مبلغ لا يكفي”.
ويقول إن الصعوبات التي يواجهها سائقو مركبات الأجرة تزداد عاما بعد عام وسط صراع ممتد منذ أكثر من عقد. وازداد الطين بلّة بعد الحرب الروسية – الأوكرانية وارتفاع أسعار الوقود في أنحاء العالم.
وقبل أسبوعين، رفعت السلطات أسعار الوقود، مما زاد من تكلفة البنزين المدعّم إلى 2500 ليرة (دولار واحد) للتر، أي بأكثر من الضعف.
وتخصص الحكومة لمركبات الأجرة من سيارات وحافلات صغيرة 30 لترا من الوقود المدعم يوميا، وبات حصول حافلات خدمة النقل على الديزل مقصورا على عطلات نهاية الأسبوع.
وبينما يكابد أصحاب هذه المركبات شظف العيش، يتناقص عدد الركاب القادرين ماديا على استخدام سيارات الأجرة.
وتقول سدرة، وهي طالبة ثانوي عمرها 17 عاما، إنها تقطع الطريق لمدرستها سيرا لأن تكلفة استخدام سيارة أجرة، وهي 25 ألف ليرة، تساوي ضعف دخل والدتها اليومي، وما من وسيلة نقل أخرى.
ووسط هذا الإنهاك نتيجة قطع مسافات طويلة صباحا ومساء، رسبت سدرة، وأرجعت والدتها أم محمد التي تتكسب عيشها من بيع فحم النرجيلة السبب الرئيسي في هذا لتعذر استخدام وسائل النقل.
والأم نفسها تجوب أنحاء المدينة ببضاعتها سيرا على الأقدام لتوفير المال.
رفع أسعار الوقود هو أحدث إجراء اتخذته السلطات التي أعادت هيكلة الدعم على الوقود والخبز وسلع أخرى وخفضت في الوقت ذاته عدد المستفيدين منه
وكان رفع أسعار الوقود هو أحدث إجراء اتخذته السلطات التي أعادت هيكلة الدعم على الوقود والخبز وسلع أخرى وخفضت في الوقت ذاته عدد المستفيدين منه لتخفيف الضغط على إيرادات الدولة.
وتشهد سوريا، التي تعيش نزاعا منذ 11 عاما، أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة، وارتفاعا كبيرا في معدلات التضخم والأسعار وندرة في الوقود وانقطاعا طويلا في التيار الكهربائي يصل في بعض المناطق إلى نحو عشرين ساعة يوميا دون وجود بدائل حقيقية.
كما انهارت العملة المحلية من 47 ليرة مقابل الدولار إلى ما يقرب من 4300 ليرة في السوق غير الرسمية، أي نحو واحد في المئة من قيمتها قبل الحرب.
ويرافق ارتفاع أسعار الوقود ارتفاع في أسعار المنتجات الغذائية والمواد الأولية التي تعتمد على المشتقات النفطية لتشغيل المولدات ونقل البضائع.
وقال حايد حايد الزميل الاستشاري بمعهد تشاتام هاوس في لندن “إنها أزمة حقيقية، والمشكلة أن هذه ليست النهاية”. وأضاف “كل شيء أصبح فاحش الغلاء والقدرة الشرائية تضاءلت بقوة”.