غفوة عربية في مونديال "مجنون"

العرب في مونديالهم وعلى أرضهم ساعون لنتيجة تبعث الآمال وتبدد الذكريات المخيبة الماضية وتحفزهم أكثر.
الاثنين 2022/11/28
روح قتالية عالية

يصحّ النطق بعبارة “مجنون” وصفا للمونديال الذي تدور أطواره على أرض قطر هذه الأيام. لا غرابة في هذا التوصيف قياسا بحركة الكرة ونتائج المنتخبات في حدود الجولتين الأوليين بانتظار ما ستؤول إليه نتائج المباريات الختامية الفاصلة في حسم مقاعد الدور الثاني.

كشفت الجولات الافتتاحية بعد حفل الافتتاح المبهر الذي شدت به الدوحة العالم وأخذته للحظات في متاهة الإطراء وحسن التنظيم عمق الحدث الكروي وأطواره الغريبة. فجأة انتفت جميع النظريات وعزف نشيد الملاحم الكروية غريبة الأطوار التي غيرت الأعراف والقواعد فاتحة الباب لعزف نشيد الوطنية الجارفة التي تحلت بها جميع المنتخبات عدا البلد المستضيف للحدث.

أسئلة غريبة طرحت ونقاط استفهام كثيرة صنعها الحدث الكروي. قطر البلد المستضيف تودّع المونديال مبكرا؟ خسارتان متتاليتان ضد منتخبين كان في متناول القطريين على أقله بعاملي الجمهور والأرض ليفكوا نقطتي تعادل تبقيهم في السباق. لكن تلك هي أحكام الكرة وقد جاد “العنابي” بما عنده مكتفيا بنيل شرف الاستضافة.

المفاجأة الأبرز فجّرها المنتخب السعودي أو ما يطلق عليه السعوديون “الأخضر”. فوز سعودي نادر على منتخب مقتدر في حجم الأرجنتين يضم أبهى النجوم العالمية بدءا من ليونيل ميسي وليس انتهاء بإنخل دي ماريا وغيرهما من مروّضي كرة القدم في أعتى الأندية الأوروبية.

هنا انتفت القاعدة الأساسية التي لطالما حكمت كؤوس العالم السابقة وحضرت قريحة جادة من لاعبين شبان أبهروا العالم بنزولهم في شوط ثانٍ سيخلده التاريخ ويكتب في ديباجته “الأخضر يعود في المباراة ويسقط ميسي من عليائه”.

ليس عيشا على الأوهام أو إثراء مبالغا في تضخيم المنتخب السعودي ولكنها كرة القدم حين تفصح عن جانب مظلم لتكشف للعالم أنها جلد مدوّر فعلا.

في المباراة الثانية للسعوديين والذين تشاركوا فيها مع التوانسة الهزيمة في الجولة الثانية من دوري مجموعات المونديال فقد قدموا كل ما يشفع لهم بأنهم يستحقون الدور الثاني على أقله ولمَ لا الأدوار متقدمة.

العرب في مونديالهم وعلى أرضهم ساعون لنتيجة تبعث الآمال وتبدد الذكريات المخيبة الماضية وتحفزهم أكثر على العطاء بلا كلل أو ملل.

Thumbnail

ربما هذا ما تتداوله الصفحات المهتمة بأغلب المنتخبات العربية المشاركة على مواقع التواصل. لكنّ شدّا غريبا وعدم تقدير لحجم الخصم الحقيقي وارتباكا وغفوة كروية.. كلّها مسميات لعنوان واحد مخيب لآمال الجماهير الواسعة الحاضرة بمدرجات الملاعب الأسطورية التي جهزتها قطر للحدث العالمي.

عندما تشاهد الجماهير الحاضرة لتشجيع السعودية أو تونس أو المغرب أو قطر البلد المستضيف يصيبك الذهول لتتخمّر معها على مقعدك بإحدى المقاهي مثلما يجلس أي مواطن تونسي أو مغربي أو ليبي أو يمني أو فلسطيني عاشق لكرة القدم ومحب لعروبة يجسدها أولئك الفتيان على المستطيل الأخضر.

العرب اليوم ممثلون بأربعة منتخبات غادر منها إلى حد الساعة العنابي فيما لا يزال مصير الثلاثة الآخرين معلقا على انتصار مشروط أو هزيمة تبدد الآمال. جميع المنتخبات التي انتصرت إلى حد الآن وضمنت مقعدا لها في الدور الثاني ليست أعلى قيمة مما تجود به المنتخبات العربية من لاعبين مميزين وحضور قوي على الأرض والأهم من ذلك الروح القتالية العالية وحب الانتصار.

ربما يكون المغرب أكثر المنتخبات العربية حضورا وفرادة من حيث قيمة اللاعبين الذين يمتلكهم والعناصر الوازنة التي تنشط في أوروبا، والذي ذهب مديره الفني وليد الركراكي إلى حد توصيفه بـ”المنتخب الأوروبي لكن بثوب أفريقي”.

غالية هي كرة القدم حين تسحر الشعوب وتبقيها تعيش على أمل الانتصار دون سواه لتزرع الفرحة بينها رغم الوضعيات الاقتصادية والسياسية الحرجة التي تمر بها والظروف الاجتماعية الصعبة التي تعيشها.. لكن التقدير متروك للاعبين على الميدان وما يجودون به تحقيقا للذات وإسعادا للآخرين والأهم من هذا وذاك رفع الراية الوطنية والعربية عاليا بين أمم كرة القدم.

18