غضب مغربي واسع.. وكالة الأنباء الفرنسية تحوّل القذف والسبّ إلى انتقاد

استغراب شديد في المغرب من المقال الذي أفردته وكالة الأنباء الفرنسية للحكم القضائي الصادر عن المحكمة الابتدائية بالحسيمة في حق الناشط ربيع الأبلق. واعتبرت وسائل إعلام مغربية أن الوكالة تجاوزت حدود الإخبار لتمتهن التشريع في مجال الجريمة والعقاب.
الرباط - أثارت وكالة الأنباء الفرنسية غضبا مغربيا واسعا على خلفية مقال عن إدانة الناشط المغربي ربيع الأبلق، قالت وسائل إعلام مغربية إنه احتوى “تحريفا للحقائق” بعدما “ابتدع جريمة جديدة اسمها انتقاد المؤسسات الدستورية”.
وأدين ربيع الأبلق، وهو ناشط سابق في حراك الريف، بالحبس النافذ أربع سنوات، وغرامة مالية قدرها عشرون ألف درهم، بتهمة “الإخلال بواجب التوقير والاحترام للمؤسسة الدستورية العليا للمملكة” على خلفية تدوينات ومقاطع فيديو، نشرها على حساباته في مواقع التواصل تضمنت سبا وقذفا للعاهل المغربي الملك محمد السادس.
وقال محامي الأبلق عبدالمجيد أزرياح، في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية إن المحكمة الابتدائية بالحسيمة “قضت بالسجن أربعة أعوام في حقه، بعد ملاحقته بتهمة بالإخلال بواجب التوقير والاحترام للمؤسسة الدستورية العليا للمملكة”. وأوضح أن الأبلق الذي يحاكم في حالة سراح، لم يعتقل لأن هذا الحكم ابتدائي، وأكد أنه سيستأنف الحكم.
وانبنى الحكم، على وقائع ملموسة مثبتة بأدلة تفيد بتطاول ربيع الأبلق على العاهل المغربي الذي يعد مؤسسة دستورية يحميها دستور 2011 ويحصنها كباقي المؤسسات الدستورية. وسبق للأبلق أن استفاد من عفو ملكي، كما حصل على 10 ملايين سنتيم في إطار المبادرة الوطنية للتنمية.
عمر الشرقاوي: إذا كان لفرنسا مشكلات مع المغرب فالحل ليس في الابتزاز
واتهمت مصادر قضائية وكالة الأنباء الفرنسية بـ”الاجتهاد” في القانون الجنائي المغربي وهو أمر “لا يحق لها وهي تسوق تكييفا وهميا للتهم المنسوبة إلى ربيع الأبلق”، وتصنفها “انتقادا ونقدا” والحال أنها سبّ وقذف يستوجب العقاب تماشيا والفصل 179 في القانون الجنائي.
ونقلت صحيفة “هسبريس” الإلكترونية عن مصدر قضائي قوله إن القانون المغربي لا يعاقب على “الانتقاد والنقد”، معتبرا أن ما قامت به وكالة الأنباء الفرنسية يعد تطويعا معيبا لنصوص قانونية، خاصة أن الفصل 179 من القانون الجنائي المغربي لا يجرم (الانتقاد) وإنما يعاقب على السب والقذف والمساس بالحياة الخاصة للملك بالوسائل التي تحقق شرط العلنية بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي.
وسقطت الوكالة الفرنسية في تناقض صارخ بين التكييف للجرائم المنسوبة إلى ربيع الأبلق من جهة وبين التعليق الذي قدمه محامي المتهم من جهة ثانية، ففي الوقت الذي تتحدث فيه الوكالة الفرنسية عن إدانة المتهم من أجل جريمة انتقاد المؤسسات الدستورية العليا بالمغرب، انبرى محامي المتهم يتحدث عن عدم ارتقاء تصريحات موكله لتشكل عناصر تأسيسية للجرائم المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصل 179 من القانون الجنائي.
ولم تتصرف الوكالة فقط في التشريع، عندما تحدثت عن “جريمة وهمية”، وإنما تصرفت في القانون أيضا عندما تحدثت بشكل مغلوط عن عقوبة سجنية (أربع سنوات سجنا)، والحال أن المتهم ربيع الأبلق أدين بعقوبة حبسية (أربع سنوات حبسا). والفرق شاسع بين العقوبات السجنية التي تكون في الجنايات والإدانات الحبسية التي تكون في الجنح.
واعتبر معلقون أن وكالة الأنباء الفرنسية تصطاد في المياه العكرة، ولم تكن لتترك مثل هذه الفرصة تمر دون أن تحاول تضليل الرأي العام الوطني والدولي، وتشويه صورة المغرب.
واستنكر الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي عمر الشرقاوي الابتزاز الإعلامي التي تقوم به الوكالة الفرنسية ضد المغرب.
وقال الشرقاوي في تدوينة على حسابه على فيسبوك “أنا لا أفهم كيف أن وكالة أخبار رسمية تحصل على ميزانيتها من دافعي الضرائب، بدل أن تخصص موادها الصحافية للمشكلات التي تعيشها فرنسا تحاول ضرب المؤسسات السيادية المغربية وتحرف الحقائق وتتحول إلى قاضي يبرئ من يشاء ويجرم من يشاء بناء على أهوائها ومصالحها”.
وأضاف “إذا كان لفرنسا مشكلات ومصالح مجمدة مع المغرب فليس الحل هو الابتزاز عن طريق الإعلام الرسمي”.
وأشار المحلل إلى أن التدخل السافر للإعلام الفرنسي الرسمي في قضية الأبلق يطرح الكثير من التساؤلات، مؤكدا أنه “من حق أي مواطن أن ينتقد الحكم والحكومة وهذا حق محصن دستوريا لكن السب والقذف ليس حرية للتعبير، ولا يمكن أن يكون القانون مثل بيت العنكبوت يعاقب المواطن البسيط ويخرقه المواطن صاحب السلطة أو الحمية أو صاحب الشهرة والنفوذ الواقعي أو الافتراضي”.
ووضح الشرقاوي أن “قضية الأبلق ليست انتقاما كما يحاول البعض تسويقها ولو كان الأمر كذلك لما حظي الأبلق بعفو ملكي سام ولما وافقت مصالح وزارة الداخلية على استفادته من 10 ملايين سنتيم في إطار المبادرة الوطنية للتنمية”.
وأكد أن “القضية عادية ويعيشها عدد من المواطنين يوميا لكن لا يجدون إعلام فرنسا للدفاع عنهم، مضمونها أن هناك أفعالا تم تكييفها من طرف القضاء بناء على الفصل 179 من القانون الجنائي المغربي لا يجرم (الانتقاد) وإنما يعاقب على السب والقذف والمساس بالحياة الخاصة للملك بالوسائل التي تحقق شرط العلنية”.
وتابع المحل السياسي “القضاء لم يقل كلمته النهائية لكن إعلام فرنسا لا يهمه الأبلق أو أي مواطن مغربي بل تهمه مصالح دولته ويهمه ضرب مؤسساتنا السيادية”.
ويتهم مغردون وإعلاميون مغاربة وسائل إعلام فرنسية بشن هجمات إعلامية ضد بلادهم، وقالوا إن قناة فرانس 24 مولت حملة إعلانية على فيسبوك للترويج لاتهاماتها ضد المغرب.
ويوليو الماضي، تصدر هاشتاغ ساخر بعنوان #غرد_كأنك_صحافي_فرانس24 الترند المغربي على مواقع التواصل الاجتماعي، رد فيه مغردون مغاربة بطريقتهم الخاصة على بعض التقارير الصحافية التي نشرتها قناة فرانس 24 حول اتهام المغرب باستخدام برنامج بيغاسوس للتجسس.
وتقول شامة درشول الباحثة المتخصصة في الإعلام الجديد إن قناة “فرانس24” تنتمي إلى ما يسمى بالإعلام الدعائي أو الإعلام الموجه، وهو الإعلام الذي يكون تابعا لوزارة خارجية دولة ما، ويمول من قبلها، لكن ينفذ أجندة وزارة الدفاع تحت غطاء ناعم. ويستهدف هذا النوع من الإعلام الدول التي لوزارة الخارجية مصالح استيراتيجية بها (حالة فرنسا/المغرب). وتضيف أن “هذا النوع من الإعلام يدخل في مجال نادر اسمه الخدمات اللاعسكرية”.
وعام 2017ـ استنكرت الحكومة المغربية إقدام قناة “فرانس24” القسم العربي، على بث لقطات تعكس أجواء التوتر والتظاهر في دولة فنزويلا، وتقديمها على أنها صور لمتظاهرين في مدينة الحسيمة.
وتداولت وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية المغربية الخبر باستياء شديد، مستنكرة تهاون وسيلة إعلامية معروفة بالمعايير الصحافية المهنية، ومواثيق الشرف الإعلامي، إضافة إلى عدم اعترافها بالخطأ والاعتذار عنه كما هو متعارف عليه دوليا في وسائل الإعلام الكبرى.