غضب في تونس من رسالة الغنوشي لقيس سعيد

زعيم حركة النهضة الإسلامية يبعث برسالة للرئيس قيس سعيد يدعوه فيها لعقد اجتماع بين الرئاسات الثلاث لحل الأزمة السياسية، في وقت تتصاعد دعوات لعزله من البرلمان.
السبت 2021/02/20
الغنوشي يتصرف كرئيس حركة النهضة وليس كرئيس برلمان

تونس - أججت رسالة وجهها راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي إلى الرئيس قيس سعيد السبت، حدة الانتقادات ضده، حيث اعتبرها سياسيون وكتل برلمانية مخالفة للنظام الداخلي لمجلس النواب.

وفي وقت سابق السبت، قال الناطق باسم النهضة فتحي العيادي إن الغنوشي "وجه صباح السبت رسالة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد، يدعوه فيها إلى التفضل بعقد لقاء ثلاثي (بين الرئاسات الثلاث البرلمان والجمهورية والحكومة) يشرف عليه هو (سعيد) بهدف حل الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد".

وأضاف العيادي أن "مبادرة الغنوشي تأتي تقديرا منه بأن البلاد تعيش أزمات كثيرة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والصحي، ولكنها بحاجة لما هو أهم وهو التهدئة وتنمية روح التضامن الوطني".

ويحمّل سياسيون الغنوشي مسؤولية الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، معتبرين أن إبعاده عن رئاسة البرلمان منطلق حقيقي للحل، لأن وجوده تحول إلى عبء في ظل رفض غالبية الأطياف السياسية له.

وتابع العيادي أن المبادرة "تأمل من رئيس الدولة وباعتباره رمز وحدتها، أن يسعى إلى تأليف وجمع كلمة التونسيين، وبث الروح الوطنية في هذه اللحظة العسيرة من تاريخ التجربة التونسية"، مؤكدا أن "هذه المبادرة تأتي للبحث عن توافقات ضرورية لحل الأزمة السياسية، التي تمثل عائقا أمام أي حل لبقية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد".

وأضاف أنه "في هذه المبادرة دعوة للرشد والتعقل والحكمة، ووقف سير البلاد نحو الهاوية".

واعتبر البرلماني حاتم المليكي النائب المستقل أن مبادرة الغنوشي تحمل خرقا للنظام الداخلي للبرلمان، وعدم احترام للمؤسسة التشريعية.

وقال المليكي في تدوينة على حسابه بموقع فيسبوك "تقديم مبادرة باسم مجلس النواب دون عرضها على المجلس والتداول فيها في الجلسة العامة، في حد ذاته الجزء الأكبر من الأزمة"، داعيا في ذات الوقت إلى احترام مؤسسات الدولة.

واتهمت الكتلة الديمقراطية (38 مقعدا) في بيان لها الغنوشي بالعبث بمؤسسة البرلمان، واعتبرت مبادرته لا تلزم الكتل البرلمانية "لأن مكتب مجلس نواب الشعب لم يجتمع أصلا لهذا الغرض".

وأضافت الكتلة في بيانها "لا علم لنا بذلك.. ونحن لم نكلف راشد الغنوشي بالحديث نيابة عنا عن إيجاد حل للأزمة السياسية الراهنة، وكنا دعونا رئيس الحكومة بالذهاب مباشرة لرئيس الدولة منذ انطلاق الأزمة عِوَض توريطه في سياسة الهروب إلى الأمام، ترضية لرغبات الغنوشي والحزام السياسي".

وبدوره، أكد أمين عام حركة الشعب والنائب عن الكتلة الديمقراطية زهير المغزاوي، "أن الغنوشي لم يعرض الرسالة لا على مكتب مجلس النواب ولا على الكتل النيابية".

وقال المغزاوي في تصريح لقناة العربية "إن الغنوشي يتصرف كرئيس لحركة النهضة وليس كرئيس لمجلس نواب الشعب"، متابعا "هذا أحد الأسباب التي دعت الكتلة الديمقراطية إلى سحب الثقة منه".

وتأتي مبادرة الغنوشي بعد أن فقد كل مصداقيته السياسية بإلقائه برئيس الحكومة هشام المشيشي في قلب معركة لا طائل منها مع الرئاسة، وبعد أن حاول الدوس على صلاحيات الرئيس سياسيا ودبلوماسيا، وأسهم في تحويل البرلمان إلى ميدان للاحتقان المتواصل.

وتأتي أيضا في وقت تتصاعد الدعوات لسحب الثقة من الغنوشي بعد أن أثارت مواقفه وسياسته داخل قبة البرلمان الكثير من اللغط، وساهمت في تأزيم العقد على الساحة السياسية بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية.

وأعلن النائب مروان فلفال عن كتلة تحيا تونس البرلمانية (10 مقاعد) الجمعة أن عدد النواب الموقعين على لائحة سحب الثقة من الغنوشي بلغ أكثر من مئة نائب، في خطوة هي الثانية من نوعها منذ يوليو الماضي.

وكان المشيشي أقال الاثنين خمسة وزراء بعضهم من المحسوبين على الرئيس سعيّد، في تصعيد لفرض أمر واقع جديد على رئيس الجمهورية الذي رفض قبول الوزراء الجدد بسبب تحفظه على البعض منهم بدعوى وجود شبهات فساد وتضارب مصالح تحوم حولهم، كما أعلن اعتراضه على الإجراءات التي رافقت التعديل لأنها برأيه تفتقد إلى سند دستوري.

وأعلنت رئاسة الحكومة في بيان، أن قائمة الوزراء المعفيين تشمل وزراء العدل والصناعة والرياضة والفلاحة وأملاك الدولة.

وكلف المشيشي وزراء في الحكومة الحالية بتولي المناصب الشاغرة بالنيابة وفي "انتظار استكمال إجراءات التحوير الوزاري"، كما ورد في البيان. وآنذاك دعا الغنوشي جميع الأطراف إلى التعامل بمرونة وعدم تعطيل مصالح الدولة والمجتمع.

وتأتي مبادرة الغنوشي بعد مبادرات ووساطات عدة، حيث سبق أن تقدم سليم اللغماني أستاذ القانون الدستوري ومحمد الفاضل محفوظ الوزير السابق لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية، بمقترح كلّ من جهته، تشكيل هيئة تحكيمية تتألف من مرشحين من قبل رأسي السلطة التنفيذية للنظر في الخلاف القائم بينهما والفصل فيه شريطة التزام طرفي النزاع بالنتيجة التحكيمية أيا كانت، كما سبق لنواب وسياسيين مخضرمين أن تقدّموا بمشاريع وساطة لحلّ الإشكال بين رأسي الجهاز التنفيذي.

ويستبعد مراقبون أن يتجاوب الرئيس سعيد مع كل وساطة تدفع بالحل السياسي على حساب الحل القانوني، أو العكس بالعكس، وذلك بسبب تمترس كلا الطرفين وراء قراءتين متناقضتين جوهريا.

ويرى هؤلاء أن المشيشي بإعفائه من شملهم التحوير من وزراء محسوبين على معسكر قيس سعيد أغلق الباب في وجه أي وساطة مستقبلية، في وقت عدّت رسالة سعيد إلى المشيشي بمثابة اتهام علني لرئيس الحكومة وحزامه السياسي بالفساد، ما يعني أنّ الرئيس التونسي رافض لكل الوساطات ولا حل للأزمة إلا باستقالة المشيشي والتي تبدو مستبعدة في ظل تمسكه بالمنصب.

وأكد المشيشي في تصريحات بثتها الجمعة إذاعة "شمس أف.أم"، أنه لن يستقيل من منصبه، واصفا نفسه بـ"الجندي الذي لا يهرب من المعركة"، مضيفا أنه "ابن المؤسسات ويؤمن بها ويتوخى مسارها"، ويعتقد أن هناك واجبا تجاه البلاد وتجاه مؤسسات الدولة، لأن "إدارة الدولة مسألة جدية"، لافتا إلى أن الأزمة الحالية "تسببت في تعطيل كبير للمرفق العمومي ومصالح الدولة، ولم يعد بالإمكان المزيد من الانتظار".

وتبقى الأزمة السياسية في تونس تُراوح مكانها وسط إنذارات من نقلها إلى الشارع، إثر دعوة حركة النهضة الداعمة للمشيشي إلى ذلك بذريعة الدفاع عن "الشرعية".